وأخيرا تحررت الرمادي، ولكن بعد خرابها على أيدي الداعشيين السود والداعشيين البيض، وذبح المئات من أبنائها، وضياع من بقي منهم في البراري والوهاد، وأصبح من حقنا أن نتساءل:
هل تحقق تحرير الرمادي بعرق جبين حكومة حزب الدعوة وطائراتها، ولوجه الله تعالى، وإيمانا من المجاهدين في “التحالف الوطني” وميليشياتهم وفتاوى سفارة وليِّهم الفقيه بأن فرحتهم وكرامتهم وسلامة شرفهم الرفيع لا تتحقق إلا بتحرير الوطن، كل الوطن، سنيا كان أو شيعيا، عربيا أو كرديا، مسلما أو مسيحيا، من الدواعش السود والبيض على السواء، واستعادة السيادة الوطنية، والدفاع عن وحدة التراب الوطني، وتطهير كل شبر منه داست عليه قدم همجية، وطنية كانت أو أجنبية، وعبثت بأمن شعبه ومصيره؟
وهل أن تحرير الرمادي كان من ضمن خطة شاملة لإصلاح ما خربه الطائفيون المتخلفون المحليون، والغزاة القريبون منهم والأبعدون؟
والسؤال الأهم، هل سيشمر حيدر العبادي عن ساعديه فيضع النقاط الساخنة على الحروف الباردة، ويشخص، بشجاعة ونزاهة ووطنية خالصة، كل الظروف والدوافع والأحزاب والشخصيات الحقيقية التي كانت وراء سقوط الرمادي؟
طبعا، لا يوجد عراقي شريف واحد، وطني حقيقي، غير طائفي، وغير عنصري، وغير حرامي، ولا خائن وعميل، لم يفرح بتحرير الرمادي، كما فرح بتحرير مدن صلاح الدين وديالى ونينوى، وكما سيفرح بعودة الموصل العزيزة إلى أهلها بالسلامة وحسن المآب.
ولكن الأهم من تحريرها إحالة الذين تسببوا في قتل أهلها وتشريدهم وتدمير منازلهم وتخريب مدينتهم وتدميرها إلى قضاء عادل، كبيرهم قبل صغيرهم، وسيّدهم قبل خادمهم، لكي تبرد أحزان الرماديين، ويَشفى غليلهم، ويُرد إليهم بعض ما استبيح من كراماتهم.
فالمعروف أن نوري المالكي، بتصرفاته الصبيانية الحمقاء، وقراراته الطائفية الخرقاء، وأفكاره الشيطانية السوداء، أعطى بعض رؤساء عشائر الأنبار، وبعض رجال الدين فيها، وتجار السياسة من أبنائها طلاب المناصب والرواتب والمكاسب، فرصة لخداع الجماهير التي تعدى المالكي عليها، لكي يركبوا على ظهرها. ألم يهدد بعضهم بالزحف إلى العاصمة لدك حصون حكامها؟
وبين عنتريات نوري المالكي وميليشياته وهتافات رؤوس الفتنة في الرمادي، سلمت الفلوجة والرمادي على طبق من دم ودموع إلى الداعشيين بحجة نجدة المظلومين المعتصمين الأبرياء.
ولم ننسَ بعد أن الفضائيات المناضلة التي يرتزق أصحابها من دول الخليج بأكذوبة الدفاع عن السنة أطلقت على شراذم الداعشيين السود صفة ثوار العشائر، وهي تعلم قبل غيرها، وأكثر من غيرها، بأنهم قتلة وإرهابيون، وبأنهم لا يقلون إجراما وهمجية ودموية وتخلفا عن غيرهم من الداعشيين البيض الذين يذبحون ويغتصبون ويستبيحون مدن العراق الآمنة الأخرى باسم الدين والطائفة والإمامة، وهم جميعا كاذبون.
المشكلة أن في الفلوجة والرمادي كان هناك ثوار حقيقيون وأصحابُ مبادئ شرفاء، يدافعون عن أهلهم بحق ويسعون إلى انتزاع ما هضم من حقوقهم العادلة المشروعة، ولكن الغلبة كانت هناك لمسلحين تكفيريين مخربين يتستّرون بالحراك الشعبي والمعتصمين، ويتاجرون بمظلومية السنة، تماما كما تاجر غيرهم بمظلومية الشيعة، من الأمس وإلى اليوم.
إن هذه الزمرة من تجار الحروب الطائفية المفتعلة في معسكر السنة المتشددين وفي معسكر الشيعة المتطرفين، قامرت بأرواح شباب الفلوجة والرمادي ودفعت بهم إلى موتٍ مجاني محقق.
وقد ثبت بالتجربة وبالوقائع المثبتة، وعلى امتداد السنوات الماضية، أن كثيرين ممن كانوا يتصدرون المعتصمين، ويزايدون على غيرهم في خطاباتهم وهتافاتهم ضد طائفية نوري المالكي، في العلن، كانوا وراء الأبواب المغلقة لاهثين يتسابقون على كسب عفوه ورضاه.
تراهم من الخارج وطنيين أصحابَ مبادئ وكرم وخلق وشهامة، لكنهم من الداخل صغار، منافقون، انتهازيون، أنانيون، متهالكون على الوجاهة، خالون من أي انتماء لأي وطن أو رجولة أو آدمية، متخذون من دماء الرماديين والفلوجيين بضاعة يبيعونها لمن يدفع، ولا يخافون ولا يستحون.
والحقيقة التي أثبتها التاريخ المعيش أن الكثرة الكاثرة من أهالي الأنبار ومحافظات المناطق الغربية الأخرى مسالمون متشوقون ليوم الخلاص، ولعودة الأمن والأمان والعيش الآدمي الكريم. يبغضون الإرهاب والإرهابيين، من أية ملة، ومن أية طائفة ودين.
فمبروك لأهل الرمادي خلاصهم من الداعشيين السود، والأمل الأكبر أن تتحرر الموصل، عما قريب، وأن تبدأ في العراق، إثر ذلك ودون انتظار ولا تأخير، حروب التنظيف والتوحيد والتحديث وإعادة الإعمار، والمواجهة والمصارحة والمحاسبة. وإلا فلن تكتمل الفرحة إذا بقي العراق وطن العمولات والصفقات والشعارات والمحابس والعمائم، والفضائيات التي تقتل القتيل وتمشي في جنازته، عيني عينك، ولا تستحي.
إبراهيم الزبيدي
نقلا عن صحيفة العرب