أمر أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء أمس الجمعة، بحل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على أربع سنوات، في ظل تعثر محاولات تشكيل حكومة جديدة. ووجه الشيخ مشعل انتقادات حادة للمنظومة السياسية وإلى بعض النواب الذين تمادوا إلى حد وصل بهم الأمر إلى التدخل في اختصاصات الأمير. وقال في كلمة بثها تلفزيون الكويت “لن أسمح على الإطلاق بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”. وقال الشيخ مشعل الأحمد في كلمته، إن الدستور الكويتي سمح بتعديله وإعادة النظر في أحكامه بعد مرور خمس سنوات متسائلا كيف يجمد تعديل الدستور.
وأضاف “لأجل تحقيق هذا الهدف في وقف الانحدار والحيلولة من أن نصل إلى مرحلة الانهيار، لذلك أمرنا بالآتي: حل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات”. وتابع أن هذه السنوات “يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية ورفع نتائج الدراسة والمراجعة لنا لاتخاذ ما نراه مناسبا” وقال “لمسنا خلال الفترات السابقة وقبل أيام قليلة سلوكا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة”، مضيفا “وصل التمادي إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها”.
وأكد أن “من نال من المال العام سيُعاقَب أيّا كان موقعه أو صفته”، مشددا على أن “القضاء قادر على تطهير نفسه بأيدي رجاله وخصوصًا بعد أن وصل الفساد إلى أغلب مرافق الدولة حتى المؤسسات الأمنية”. وأكد أنه لن “يسمح بالمساس بهيبة رجال الأمن”، موضحا أن “الأمن مسألة في غاية الأهمية وسوف يوليها اهتمامًا كبيرًا”.
وذكر تلفزيون الكويت أن اختصاصات مجلس الأمة سيتولاها الأمير ومجلس الوزراء. ورهنت الأجندات السياسية الكويت بلعبة الانتخابات التي قسمت البلاد وغذت الفرقة المذهبية والطائفية والقبلية وأربكت التزامات البلاد الخارجية.
وتؤكد القرارات الأميرية أن الأمير مشعل لا يريد إضاعة المزيد من الوقت والصبر على برلمان يقوم على فكرة التعطيل ويتعامل مع الحكومة كخصم وليس كشريك في مهمة النهوض بواقع البلاد التي كانت مرتهنة لصالح أجندات خاصة وصراعات محتدمة بين دوائر نفوذ من داخل الأسرة الحاكمة ومن خارجها. ولا شك أن هذه القرارات الجريئة ستثير ارتياح المواطنين الكويتيين الذين ملوا من الفوضى السياسية ومن عرقلة الفساد لمصالحهم ومصالح بلادهم. وتفاعل النشطاء الكويتيون على مواقع التواصل الاجتماعي مع قرارات الشيخ مشعل، ووصفها البعض بأنها عيد، معتبرين أنها خطوة مهمة وضرورية وجاءت في وقتها، وحذّروا من أن السعي للاحتجاج عليها سيعني الخروج على القانون وتهديد أمن البلاد.
وكان الشيخ مشعل قد انتقد بقوة في خطاب أداء اليمين الدستورية في العشرين من ديسمبر الماضي الحكومة ومجلس الأمة. وأكد على ضرورة مراجعة واقع الكويت الحالي أمنيا واقتصاديا ومعيشيا، وذلك في أول تصريحات له بعد أدائه اليمين. وقال إن “الحكومة والمجلس توافقا على الإضرار بمصالح الكويت، وما حصل في تعيينات المناصب القيادية دليل على عدم الإنصاف”. وأوقف الشيخ مشعل، حين كان وليا للعهد، قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة لثلاثة أشهر قابلة للتجديد، وذلك “لتحقيق المصلحة العامة”. وأعرب عن حزنه بسبب سكوت أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية عما وصفه بـ”العبث المبرمج” في هذه الملفات وإصباغ صفة الشرعية عليها “وكأن الأمر أصبح بهذا السكوت يمثل صفقة تبادل المصالح والمنافع بين السلطتين على حساب مصالح الوطن والمواطنين”.
دولة الكويت التي تمتلك 7 في المئة من احتياطيات النفط الخام في العالم. وليس لديها سوى القليل من الديون كما تدير أحد أقوى صناديق الثروة السيادية في العالم، ومع ذلك، فبينما تمر (بقية) دول مجلس التعاون الخليجي بتحولات تاريخية على المستويات المحلية نحو تنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط، ما تزال الكويت متأخرة كثيرا عنهم. والسبب في ذلك المواجهات المستمرة بين السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة الكويتي والسلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء التي يعينه الأمير.
مما لا شك فيه، أن من يتخذ قرار حل مجلس الأمة الكويتي وتعطيله كمؤسسة تشريعية أضرت في صراعها المستمر في العقدين الأخيريين مع السلطة التنفيذية بمصالح دولة الكويت، أنه يتمتع بشخصية كاريزماتية ملفتة، أي أن الأمير مشعل الأحمد الصباح تتوفر في شخصيته الوطنية البعيدة تمامًا عن الفئوية أو قبلية أو الطائفية، عناصر القوة غير مادية” الهيبة، الطاعة، النفوذ” اكتسبها من خلال عقود من العمل في أكثر أجهزة الدولة حساسيّة.
فالاستقرار الداخلي لدولة الكويت تأتي في قمة أولويات الأمير، لأن الأمير يدرك كرجل دولة أن الاستقرار الداخلي هو الأساس في الحفاظ على دولة الكويت، كما هو الطريق المؤدي إلى المستقبل، لذلك جاء القرار الأمير في حل مجلس الأمة الكويتي كخطوة ضروية لا غنى عنها للمضي نحو ذلك المستقبل الواعد.
وحدة الدراسات الخليجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة