إدامة أزمة الكهرباء لتوفير مليار دولار تغذي الغضب الشعبي في مصر

إدامة أزمة الكهرباء لتوفير مليار دولار تغذي الغضب الشعبي في مصر

القاهرة – كشف دفاع الحكومة المصرية عن استمرار قرار قطع الكهرباء في البلاد لتوفير مليار دولار سنويا، دون اكتراث بحالة التململ الشعبي، أنها حسمت موقفها بالمضي قدما في التقشف وتطبيق خطة تخفيف الأحمال خلال الأشهر المقبلة.

وبررت الحكومة استمرارها في خطة تخفيف الأحمال الكهربائية بأن انقطاع التيار الكهربائي ساعتين يوميا يوفر مليار دولار سنويا، نظير استيراد المزيد من الوقود المخصص لمحطات الكهرباء، لأن العملة الأجنبية لا تتوافر بالقدر الذي يتيح حرية الاستيراد.

وقال الناطق باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني إن التخلص من خطة تخفيف الأحمال من أولويات الحكومة، لكن المهم حاليا زيادة الموارد من النقد الأجنبي، بما يساعد الدولة على استيراد كميات مطلوبة من الوقود لتشغيل شبكة الكهرباء كاملة.

وترفض شريحة من المواطنين تقشف الحكومة لتوفير مليار دولار، لأنها قد تخسر ضعف هذا الرقم عندما تتعطل مصالح الهياكل المتداخلة مع الاقتصاد والاستثمار، مثل المصانع والشركات والورش والسلاسل والمحال التجارية.

وعدم اقتناع البعض بوجهة نظر الحكومة بشأن توفير مخصصات دولارية لاستيراد وقود محطات الكهرباء يعود إلى أن هناك عوائد بالعملة الأجنبية دخلت البلاد من صفقات استثمارية أبرمتها مؤخرا، من بينها مشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وعودة تحويلات المصريين العاملين في الخارج للزيادة بعد تحرير سعر العملة المحلية، وارتفاع الاحتياطي الأجنبي إلى نحو 41 مليار دولار.

وتتعامل الدولة مع الاحتياطي الأجنبي بحكمة دون الاستجابة لضغوط الشارع، من منطلق أن وجود وفرة دولارية من عوائد الصفقات أو غيرها لا يعني استنزافها في استيراد الوقود، مقابل وجود أزمة غذائية تحتاج إلى سيولة أجنبية لتدبير الاحتياجات المرتبطة بالسلع الأساسية، مثل القمح والزيت والسكر.

وتبرر دوائر قريبة من الحكومة عدم استقطاع جزء من الاحتياطي الأجنبي لاستيراد وقود محطات الكهرباء بأن التحديات الإقليمية تتطلب اتخاذ إجراءات تقشفية في قطاعات مختلفة، تحسبا لأي طارئ يستدعي اللجوء إلى الوفرة الدولارية الموجودة في البنوك المحلية لتدبير احتياجات إستراتيجية بهدف التعامل مع المستجدات الطارئة.

كما أن تعوّد المواطنين على تقبل التقشف في الكهرباء وغيرها هو تمرين سياسي تستطيع الحكومة أن تتعرف من خلاله على مدى قدرة المصريين على الصبر.

وتضاعفت حاجة مصر إلى الكهرباء نتيجة التوسع في المنشآت الصناعية، ما زاد من معدلات استهلاكها بما يتجاوز قدرة الشبكة الراهنة على التحمل، في ظل مطالبات شعبية بضرورة زيادة القدرات الإنتاجية الصناعية دون الاعتماد على الاستيراد، لكن الشريحة ذاتها لا تتقبل التقشف المرتبط بتخفيف أحمال الكهرباء لتخطّي هذا التحدي.

ويرى أنصار الحكومة أن رؤيتها تحمل تفسيرا منطقيا يتعلق بضرورة الاستمرار في برنامج الإصلاح الذي بدأته والمضي قدما في إنشاء مشاريع تتطلب المزيد من الوفرة المالية، ومن غير المعقول توقفها في هذا التوقيت لأنها ستصبح ملزمة بسداد كلفة المشاريع طالما وقعت عقودا مع جهات استثمارية، محلية وأجنبية.

وأكد إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن حسابات الحكومة تختلف عن حسابات الشارع في بعض القضايا، والاستجابة لمطالب توظيف بعض العوائد في حل مشكلة مثل تخفيف الأحمال تنعكس على قطاعات أخرى، والحكومة إن فعلت ذلك قد تتفاقم الأزمة في المستقبل.

وأوضح لـ”العرب” أنه “في ظل التحديات الراهنة من الضروري أن تشارك الحكومة المواطنين همومهم، ليدركوا أنها تسعى للحل ولا تكتفي بإلقاء المسؤولية عليهم، وهذا يتطلب إيجاد حلول ناجزة ليشعر الناس بوجود خطة يجري العمل على تطبيقها بالفعل”.

غير أن معارضين يعددون مخاطر اتخاذ إجراءات تقشفية مبالغ فيها تتعلق بقطاعات حيوية وتلامس صميم احتياجات مختلف المواطنين، وذلك قد يهز الاستقرار أو يغذي الاحتقان، وتجاهل نبض الشارع يخلق معارضة شعبية، لأنه يتحرك مدفوعا بمطالب منطقية ولا بديل عن تنفيذها، ومن الخطر السياسي عدم الاستجابة له.

◙ في ظل التحديات الراهنة من الضروري أن تشارك الحكومة المواطنين همومهم، ليدركوا أنها تسعى للحل ولا تكتفي بإلقاء المسؤولية عليهم

وعكس الجدل المصاحب لتوفير مليار دولار من قطع الكهرباء مدى تذمّر الناس من تمسك الحكومة بسياسة تقشفية حيال قطاع حيوي يمس حياتهم، بينما يمكن أن تنفق مليارات على مشاريع تنموية وترفض التضحية بجزء لوقف تخفيف الأحمال.

وتشعر شريحة من المواطنين بأن الحكومة تستثمر في صمت الشارع وقبوله بسياسة الأمر الواقع، وهي الطريقة نفسها التي تعوّل عليها كلما أرادت تحريك بعض أسعار السلع والخدمات، حيث تُدرك أن المصريين يصعب خروجهم عن النص والاحتجاج.

وذكر إكرام بدرالدين لـ”العرب” أن “المصريين صبورون ولا يترددون في دعم الدولة وقت التحديات والظروف الصعبة، لكن هذا يفرض على الحكومة أن تتحرك لوضع أفق لحل مشكلة الكهرباء بأقل الخسائر المالية والسياسية”.

وما زاد من سخط المصريين أن الحكومة لم تستجب لأولياء أمور الطلاب الذين نادوا بالتوقف عن خطة تخفيف الأحمال خلال فترة امتحانات نهاية العام الدراسي قريبا، واكتفت بتعديل مواعيد الانقطاع لتكون في المساء كي لا ينقطع التيار عن المدارس والكليات في فترتي الصباح والظهيرة، أي أن وقت المذاكرة والمراجعة للملايين من الطلاب هو فترة تخفيف الأحمال.

ولئن كانت الحكومة على صواب وليست لديها رفاهية الاختيار بين أكثر من بديل، فإنها لم تترك للناس فرصة دعم توجهاتها بالسير عكس الاتجاه في الكثير من الملفات، ولا تشرح للمواطنين خططها وأهدافها بدقة، ولا تسعى لتجييشهم خلفها لتوجد شراكة بين الطرفين حول هدف واحد، لأن من المهم أن تبقى الدولة مستقرة.

يضاف إلى ذلك وجود ارتباك في توفير مخصصات مالية لقطاعات خدمية حيوية، مثل التعليم والصحة، وفي كل مرة تتحجج الحكومة بالظروف الاقتصادية ثم تمضي في استكمال مشاريع بأرقام ضخمة، من الممكن أن يؤجل بعضها لكنها تصر على تنفيذها، وبالتالي لم يشعر الكثير من المواطنين بعوائد ملموسة للتنمية.

وقطعت مصر شوطا في السيطرة على أزمة التضخم والسيطرة نسبيا على أسعار السلع عندما أظهرت الحكومة صرامتها تجاه التجار والصناع والمستوردين، لكنها مطالبة بتوظيف هذا النجاح في تفكيك أزمات أخرى معقدة تلامس أوجاع المواطنين.

العرب