تداعيات توسع الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل على لبنان

تداعيات توسع الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل على لبنان

مع وصول التهديدات والتصعيد بين إسرائيل و”حزب الله” لأعلى مستوى منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفعت المخاوف من توسّع رقعة الحرب وما لذلك من تداعيات “كارثية” على أمن لبنان واقتصاده المتأزم بالفعل، نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

وتتواصل المواجهات والقصف المتبادل على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر الماضي على وقع حرب غزة، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات معظمهم بالجانب اللبناني.

وكانت تلك المواجهات تشهد هدوءا حذرا من حين لآخر، لكنها مؤخرا أخذت منحى تصعيديا لافتا مع زيادة هجمات “حزب الله” ضد إسرائيل لمستويات غير مسبوقة وإدخاله مسيّرات انقضاضية في المواجهة، وتوسيع عملياته في الداخل الإسرائيلي، وتصديه بالدفاعات الصاروخية لمقاتلات الاحتلال، ما دفع تل أبيب إلى التهديد بشن عملية “قوية جدا” في الشمال.

وأمام هذه التطورات، حذر محلل سياسي في حديث للأناضول من خطورة انزلاق الوضع إلى حرب شاملة “ستكون كارثة على لبنان”، فيما رأى آخر أنه حتى وإن وقعت الحرب فإن “حزب الله يملك قدرات تجعله قادرا على تحديد الأهداف وإدارة الأمور”.

كما تحدث خبير اقتصادي عن عدة أنواع من الخسائر التي يتعرض لها لبنان نتيجة الحرب ومشاركة “حزب الله” فيها، محذرا “في حال حصول حرب فالتداعيات الاقتصادية على لبنان والخسائر ستكون كارثة”.

وتقول الفصائل في لبنان إنها تتضامن مع غزة، التي تتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي لحرب إسرائيلية بدعم أمريكي خلفت قرابة 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة قاتلة ودمار هائل.

تهديدات وتحذيرات

والأسبوع الحالي، نشرت صحيفة “الأخبار” المقربة من “حزب الله” معلومات عن تحديد منتصف يونيو/ حزيران الجاري موعدا لضربة إسرائيلية على لبنان. ليسارع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لنفي صحة تلقيه تحذيرات بشأن ذلك.

وفيما لم توضح الصحيفة اللبنانية أية تفاصيل بشأن مصدر تلك المعلومات ودقتها، لكنها جاءت في ظل دعوات داخل إسرائيل من وزراء بالحكومة لشن “هجوم استباقي قوي” ضد “حزب الله”.

فيما توعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم استمرار الوضع عند الحدود الشمالية لإسرائيل على المنوال الحالي نفسه حيث تتواصل هجمات من لبنان.

كما أفادت هيئة البث العبرية (رسمية) بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي ينتظر قرارا من الحكومة لجعل المواجهة مع “حزب الله” في لبنان “ساحة حرب رئيسية” تشمل عملية برية، وتحويل الحرب على قطاع غزة إلى “ساحة معارك ثانوية”.

قلق أمريكي وخوف إسرائيلي

في المقابل، قال متحدث الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في مؤتمر صحافي، إن “الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء خطر التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية”.

وأوضح أن قلق واشنطن بشأن التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية “مستمر منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث انخرطنا في محادثات دبلوماسية مكثفة لمحاولة تجنب تصاعد الصراع إلى ما هو أبعد من السيطرة”.

وادعى ميلر أن الحكومة الإسرائيلية أكدت “بشكل خاص” للولايات المتحدة أن “الحل الدبلوماسي هو المفضل لديهم لهذا الصراع”.

وهذا أيضا ما أكده ميقاتي بأنه يجري “اتصالات دبلوماسية واسعة” في مسعى لـ”وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان”.

واعتبر المحلل السياسي فيصل عبد الساتر، أن “التهديدات الإسرائيلية تعبر عن خوفهم من قدرات حزب الله التي تظهر عبر عملياته العسكرية عند الجبهة الجنوبية”.

وذكر أن الاستطلاعات تقول إن معدل عمليات “حزب الله” ارتفع إلى 10 هجمات في اليوم.

وتابع: “وقوع الحرب احتمال وارد، لكن في المقابل حزب الله يملك قدرات تجعله قادرا على تحديد الأهداف وإدارة الأمور”.

لا أفق زمني للحرب

وعن هذه التطورات، قال المحلل السياسي والصحافي طوني عيسى، إن “حزب الله ربط لبنان بغزة ولن يفك هذا الربط تحت أي ظرف، ونعلم أن حرب غزة ليست بوارد الانتهاء بوقت قريب وقد تطول لأشهر أو سنوات، وهذا يعني أن الحرب في جنوب لبنان مستمرة من دون أفق زمني”.

ورأى أن “الأشهر الثلاثة (يونيو ويوليو وأغسطس) خطرة في لبنان، لأن إسرائيل تريد تنفيذ المنطقة العازلة عند الحدود تمهيدا لإدخال سكان الشمال للمدارس في أيلول المقبل”.

وذكر أن “هناك خيارين إما الدبلوماسي أو الحرب الشاملة، وحتى الآن نقول إن المفاوضات والهدنة هي السائدة لكن مع الاقتراب من أيلول يرتفع خطر الحرب والتصعيد”.

ومرارا أكد “حزب الله” أنه سيستمر في القتال ما لم توقف إسرائيل حملتها على غزة، ليبقى الطرفان عالقين في حرب استنزاف، حيث أجبر أكثر من 100 ألف لبناني وعدد مماثل من الإسرائيليين على النزوح من منازلهم.

وسبق لإسرائيل الإشارة إلى أنها قد تزيد حدة الأعمال العسكرية إذا أخفقت الدبلوماسية في السماح لسكان المناطق الواقعة على حدودها الشمالية بالعودة إلى منازلهم بأمان.

الحرب الشاملة كارثة على لبنان

وعن اتساع رقعة الصراع، قال عيسى إن “الحرب التي بدأت عند الحدود الجنوبية أصبحت على مستوى كل الجنوب وصولا لصيدا، وشرقا للبقاع الغربي وبعلبك”.

وأضاف أن “هناك توسيعا تدريجيا للحرب قد يؤدي لحرب شاملة في لبنان”، لافتا إلى أنه في حال حصول حرب ستكون كارثة على لبنان.

وذكر أن مقابل كلّ هذا، تبقى الحكومة اللبنانية عاجزة عن التعاطي مع الأزمات الداخلية، فهي غير قادرة على توحيد صرف الدولار أو انتخاب رئيس جمهورية.

ورغم انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بقي الملف الرئاسي مجمدا جراء توسع الخلافات الداخلية وتعطل أي مبادرة خارجية تدفع الأطراف اللبنانية إلى خطوات تسهل انتخاب رئيس، في ظل استمرار الانقسام بشأن تحديد الجهة المقررة في انتخابه: داخلية كانت أم خارجية.

ويواجه لبنان أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات برئاسة ميقاتي، وبرلمان منقسم، لذا لا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

خسائر الاقتصاد اللبناني

لم يكد لبنان يشفى من الأزمة الاقتصادية التي مرّ بها منذ عام 2019، حتى وقعت انتكاسة جديدة مع بداية الحرب في جنوبه.

في نيسان/ أبريل الماضي، قال وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، إن خسائر بلاده الاقتصادية جراء الحرب الجارية في غزة وجنوب لبنان وصلت إلى 10 مليارات دولار.

وتحدث الكاتب والخبير الاقتصادي أنطوان فرح، عن عدة أنواع من الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان نتيجة الحرب ومشاركة “حزب الله” فيها.

وقال إن “الخسائر المباشرة تأتي من تدمير المنازل وضرب الأراضي الزراعية، وتختلف التقديرات المادية فيها”.

وتابع أن “النوع الثاني خسائر غير مباشرة، من خلال توقف الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية ولا تتوسع الأعمال على اعتبار أن الأفق غير واضح”.

وذكر أن “النوع الثالث يتمثل بغياب مردود القطاع السياحي الذي يعتبر من القطاعات المهمة للبنان لإدخال العملات الصعبة”.

وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي يقدر إيرادات السياحة بـ5.5 مليارات دولار وقد تصل إلى 7 مليارات دولار، وهذا رقم كبير بالنسبة إلى اقتصاد لبنان.

أما في حال الحرب الشاملة، فقال فرح إن “لبنان سيخسر جزءا كبيرا من المداخيل مقارنة بـ2023، كما أن الموسم السياحي الصيفي سينضرب وهنا نتكلم عن خسائر مباشرة أكبر وخسائر غير مباشرة بغياب المستثمر مدة طويلة”.

وحذر أنه “في حال حصول حرب واسعة فالتداعيات الاقتصادية على لبنان والخسائر ستكون كارثية”.

(الأناضول)