اتحاد الشغل التونسي يناور السلطة مجددا بملف التعليم

اتحاد الشغل التونسي يناور السلطة مجددا بملف التعليم

يحاول اتحاد الشغل التونسي (المركزية النقابية)، استغلال كل الفرص السانحة للتصعيد سياسيا مع السلطة عبر توظيف ملفات اجتماعية أهمها قطاع التعليم على أمل استعادة موقع مفقود في المشهد، وآخرها مطالبته بحذف تخصصات علمية بمؤسسات جامعية.

قفصة (تونس) – مازال الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) يناور لتجاوز الخط الذي رسمته السلطة له ويصر على لعب أدوار ليست من صميم العمل النقابي، وهو ما يعكسه دخوله على خط الجدل المتعلق بإلغاء وزارة التعليم العالي لعدد من التخصصات الجامعية التي لم تعد تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل.

ونفت أوساط سياسية أن تكون هناك أطراف سعت إلى إبعاد اتحاد الشغل من المشهد كما ادعت قياداته الأسبوع الماضي، حيث حمل الأمين العام المساعد سامي الطاهري الإعلام مسؤولية غياب الاتحاد عن المشهد. وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها “المنظمة الشغيلة” إلى توظيف ملف التعليم في معاركها السياسية ضدّ السلطة، بل سبق وأن استخدمت نقابتا التعليم والثانوي والأساسي العام الماضي كورقة ضغط ضد وزارة التربية ومن ورائها الحكومة لتحقيق مطالب المدرّسين، لكنها جعلتهم يواجهون مصيرهم لوحدهم فيما بعد.

ودعا الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة (جنوب غرب تونس)، الإثنين، وزارة التعليم العالي والبحث العالي إلى التراجع عن الإجراءات الخاصة بحذف إجازات في 12 شعبة في عدد من مؤسسات التعليم العالي التابعة لجامعة قفصة، وإلى الحوار واحترام قرارات اللجان القطاعية الوطنية التي اعتمدت هذه الإجازات المحذوفة وغيرها من الإجازات التي مازالت قائمة.

ووصف الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل، محمد الصغير ميراوي، في ندوة صحفية حول قرارات وزارة التعليم العالي بحذف 12 شعبة بجامعة قفصة، هذه الإجراءات بأنها “غير صائبة ومتسرعة ومسقطة وستكون لها تداعيات وعواقب سلبية على الوضع العام والتنموي بالجهة”، داعيا الوزارة إلى التراجع عن هذه الإجراءات وإلى اعتماد نهج التشاور والحوار في مشروع الخارطة الجامعية الجديدة.

وحسب الكاتبة العامة المساعدة باتحاد الشغل بقفصة والأستاذة الجامعية، نزيهة خديمي، فإن الوزارة قد قامت بحذف 12 إجازة بعدد من مؤسسات التعليم العالي بقفصة وتوزر، منها 8 إجازات بكلية العلوم، وإجازة واحدة بالمعهد العالي للفنون والحرف، وكذلك حذف إجازات بالمعهدين العاليين للدراسات التطبيقية بكل من قفصة وتوزر.

وأوضحت المسؤولة النقابية أن حذف 8 شعب بكلية العلوم من دليل التوجيه الجامعي لجامعة قفصة للسنة الجامعية 2024-2025، يعني حذف 60 في المئة تقريبا من الشعب الموجهة لهذه الكلية، وأيضا غلق 3 أقسام بيداغوجية تحتوي على برامج تكوين في مرحلتي الماجستير والدكتوراه قي هذه الكلية.

وعبّر عدد من الكتّاب العامين لهياكل نقابية جامعية وأساتذة جامعيون ومديرو عدد من مؤسسات التعليم العالي، خلال هذه الندوة، عن رفضهم لهذه الإجراءات واصفين إيّاها بـ”غير المدروسة وغير المسؤولة”، وبأنها غير مراعية للدور الهام لجامعة قفصة، وتكريس “للمركزية” ضمن خارطة جامعية غير متوازنة، داعين الوزارة عن العدول الفوري عن إجراءات حذف هذه الإجازات.

وأفاد رئيس جامعة قفصة، رشاد بن يونس، بأن اجتماعا سيعقد قريبا بمقر وزارة التعليم العالي بالعاصمة، لتدارس هذه الإجراءات و”حلحلة الإشكاليات القائمة”، وفق تعبيره. وأضاف أن مجلس جامعة قفصة يعتبر أن حذف 12 إجازة ببعض مؤسسات التعليم العالي بقفصة “قرارات فوقية” خاصة وأن الوزارة لم “تعط جامعة قفصة” الوقت اللازم من أجل الاستعداد لمثل هذه المراجعات لخارطة الشعب والاختصاصات التي تدرس بجامعة قفصة.

ويقول متابعون، إن الأمانة العامة للمنظمة النقابية بقيادة نورالدين الطبوبي، أصبحت تستغل كل الفرص السانحة لكسب “ودّ” الشارع، بهدف تقليص من وطأة إجراءات الرئيس سعيّد التي عجّلت بفقدانها لصلاحيات سياسية، كانت قد منحتها لها الحكومات المتعاقبة في إطار محاصصات حزبية بعد ثورة يناير 2011. وسبق أن ناور اتحاد الشغل السلطة سياسيا، من خلال المراهنة على احتجاجات النقابات، أهمها في قطاعات التعليم والنقل وغيرهما، حتى يثبت الوجود الهيكلي والسياسي للمنظمة.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أنه “علينا معرفة الأسباب والمبررات التي دفعت نحو حذف تلك الشعب، وقد تكون من أجل إعادة الهيكلة، لكن اتحاد الشغل، يعاني من القطيعة الكاملة مع الحكومة عندما اختار الاصطفاف مع معارضي مسار 25 يوليو، وهو موقف سياسي عمّق عزلته”. وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “الاتحاد أقصى نفسه بخيار سياسي، وهو الآن في قطيعة كبيرة مع قواعده، وأفقد نفسه موقعه في المشهد التونسي، ومن أضعف دوره هو قيادته”.

ولم تعط دعوات اتحاد الشغل للسلطة من أجل تنظيم حوار وطني، أي نتائج في وقت أفرزت فيه إجراءات الرئيس سعيد، مؤسسات دستورية منتخبة أبرزها مجلس نواب الشعب وأفضت إلى صياغة دستور جديد. وما زالت الأمانة العامّة للاتحاد، شأنها شأن بقية مكوّنات الطبقة السياسية المعارضة في تونس، لم تدرك بعد معاني الخطاب السياسي للرئيس سعيّد ودلالاته، وتستمر في تكرار مطالب حسمت السلطة في شأنها.

العرب