تتهيئ إيران لمرحلة سياسية قادمة تتعلق بوضعها الداخلي المتعلق بتنصيب الرئيس مسعود بزشيكان بعد فوزه في الانتخابات الإيرانية الأخيرة والسعي لوضع ثوابت أساسية ونقاط جوهرة للعمل عليها في السنتين القادمين وهي الأيام التي سيكون فيها بزشكيان في سدة الحكم وتصعيد حالة التواصل مع المتطلبات التي تعالج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لا يزال المجتمع الإيراني يعاني منها، وفي أولويتها رفع المستوى المعاشي للمواطنين ومكافحة الفساد وإيجاد حلول جذرية للانطلاق نحو آفاق مستقبلية ووضع مرتكزات العمل الميداني لرفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة عبر برامج سياسية تتفق مع الرؤية التي قدمها الرئيس المنتخب والتي تم مناقشتها في اجتماعيين موسعيين مع المرشد الأعلى علي خامنئي والقيادات الفاعلة في فيلق القدس والحرس الثوري والتي تمخضت عن اتباع السبل والطرق التي توصل إلى إعادة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الراعية لإتفاقية العمل المشتركة الشاملة ( ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) والنظر للمصالح والأهداف الإيرانية وفق منظور ادامة العلاقات بشكلها السياسي الدبلوماسي وعبر اللقاءات المباشرة والحفاظ على القناة الدبلوماسية غير المباشرة مع الإدارة الأمريكية عبر الوسيط العربي العُماني.
اما على الصعيد الخارجي فإن توجهات القيادة الإيرانية في هذه المرحلة تتعلق بالتواصل مع دول الجوار الإيراني والتوسع في العلاقة مع دول الخليج العربي والامتداد نحو تعزيز وادامة العلاقة مع الأقطار العربية في شمال أفريقيا وخاصة مع الجزائر ومصر وما آلت إليه عودة العلاقات مع السودان إلا دليل على المنهجية السياسية التي اختطها النظام الإيراني، مع محاولات جادة لإعادة النفوذ السياسي في بعض الدول الأفريقية واستعادة الدور الإقليمي والدولي لإيران عبر تمتين علاقتها مع باقي دول الطوق الأسيوي وتوسيع مدارات العلاقات الاستراتيجية مع الصين وإيران.
وتبقى العلاقة الأساسية في تحقيق الغايات والأهداف التي تتبناه وتسعى لتحقيقها ايران، هي مدى فعالية الدور القائم والمستمر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونها مع المفتشين الدوليين والتناغم مع متطلبات الوكالة والاستماع إلى شروطها والتعامل معها بجدية وفعالية بغية الوصول إلى الهدف الأسمى في تعزيز الدور الإيراني باقناع لمفتشي الوكالة الدولية ورئيسها في تثبيت الأمور الإيجابية عبر تقاريرها الدولية واجتماعتها المستمرة.
ولا زالت إيران تعمل بأطر ودوافع استراتيجية في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر استخدام المتغيرات السياسية والتفاعلات الميدانية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واستثمارها لتحقيق دور انسيابي لها وموقع متقدم في أي تحولات أو مفاوضات قادمة تحدد مسار ومستقبل المنطقة، وترى أن وجودها المؤثر عبر ادواتها ووكلائها إنما يعتبر حالة جوهرية وفرص سياسية تقتتص بها ثمار مشروعها وتمدده في بعض عواصم الأقطار العربية عبر تصعيد حالة المواجهة أو العمل على التهدئة، كما وأن إيران ترى في الهدف المشترك مع أي إدارة أمريكية قادمة يتعلق بمدى فعالية برنامجها النووي واستمرارها في تفعيل برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وهي الأمور التي تحفظ لها بقاء نظامها واستمرارها بتسيد الأوضاع ودفع عجلة العلاقات الإقليمية والدولية لما يحقق لها أهدافها، ولهذا فهي لا زالت تستخدم اسلوب المواجهة الناعمة في إيصال بعض من فعالياتها تجاه التطور الحاصل في البرنامج النووي الإيراني مبتعدة عن سياسية التعنت وإظهار القوة ولو بشكل نسبي مراعاة لمصالحها ووضعها الداخلي وسعيها لانهاء أزماتها والعودة لدورها السياسي.
والادارة الأمريكية تتابع هذه التوجهات ولهذا جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي ( انتوني بلينكن) في 21 تموز 2024 في منتدى الأمن المنعقدة بولاية ( كولورادو) بقوله ( أن إيران قادرة على إنتاج مواد انشطارية بهدف صنع قنبلة نووية خلال أسبوع أو اسبوعين وان واشنطن عازمة على منع إيران من تحقيق ذلك، وأن المراقبة مستمرة في سياسة إيران للمضي قدمًا في البرنامج النووي)، وهي رسالة واضحة لإيران ودليل على كيفية معالجة الوسائل التي يتبعها النظام الإيراني رغم وجود وبقاء قناة الاتصال عبر المباشرة في العاصمة العربية ( مسقط)، وأمام هذا التوجه الأمريكي وبغية عدم التصعيد في العلاقة مع واشنطن، أعلنت إيران أنها منفتحة على استئناف مفاوضات البرنامج النووي وسعيها للاتفاق على معاهدة تتضمن الرؤية المستقبلية في تحديد مسار العمل في البرنامج بما يلبي مصالح وغايات جميع الأطراف، وهذا ما أكده ( على باقري كني) رئيس المفاوضين في حوارات البرنامج النووي في حديثه الذي نشرته مجلة ( نيوزويك الأمريكية) بتاريخ 16تموز 2024، وهو أيضًا ردًا على أخر تقرير قدمه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حزيران 2024 وذكر فيه بعدم تعاون طهران مع شروط ومتطلبات الوكالة وهو ما وصفته إيران بأنه تقرير سياسي بامتياز.
ان الأهداف الإيرانية في استخدام البرنامج النووي كورقة ضاغطة لها في أي مفاوضات قادمة تتضمن تعزيز قدرتها في نسبة تخصيب اليورانيوم والتي وصلت إلى 60٪ ومواصلة الحث والتطوير والاستثمار في التقنيات النووية والتمسك بضمانات دولية بعدم عودة واشنطن للانسحاب من أي اتفاق قادم والسعي لرفع العقوبات وتطوير القدرات العسكرية عبر التقدم مضيًا ببرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وزيادة التعاون مع الصين و روسيا ورفع قدرتها في الإنتاج المحلي وعلى جميع الاصعدة، وهذه الأهداف تمثل خط الشروع في العودة للمفاوضات والسعي لرفع العقوبات.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية