انطلقت يوم 10 أيلول/سبتمبر الحالي مناورات عسكرية روسية صينية، وتستمر 6 أيام وتجري المناورات في مياه المحيطيْن الهادي والمتجمد الشمالي والبحر المتوسط وبحريْ قزوين والبلطيق.
ويشارك فيها أكثر من 400 سفينة وغواصة وسفينة دعم، ونحو 120 طائرة ومروحية من الطيران البحري التابع للقوات البحرية والقوات الجوفضائية و7 آلاف وحدة من الأسلحة والمعدات، وأكثر من 90 ألف جندي.
وشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -من خلال خدمة الفيديو- في متابعة انطلاق المناورات، وقال في كلمة له إن “الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على هيمنتها العسكرية والسياسية العالمية بأي ثمن. ولهذا الغرض، تحاول إلحاق هزيمة إستراتيجية ببلدنا باستخدام أوكرانيا”.
وتابع أن “واشنطن، وبحجة مواجهة التهديد الروسي المزعوم واحتواء الصين، وباستخدام أقمارها الصناعية، تعمل على زيادة وجودها العسكري قرب حدود روسيا الغربية وفي القطب الشمالي وفي منطقة آسيا والمحيط الهادي” وأن الإدارة الأميركية تثير سباق تسلح “دون مراعاة أمن حلفائها الأوروبيين والآسيويين”.
تأتي هذه المناورات على خلفية الحرب في أوكرانيا والتهديدات والتحديات المتعلقة بمناورات الناتو والوضع الدولي عموما، هي إجراء منطقي تماما من جانب روسيا يدفعها إلى الرد. وتتزامن مع تكثيف المنظومة الغربية لمحاولاتها دفع كييف لزيادة الهجمات على روسيا، حيث “تتدفق المعلومات الاستخبارية مثل النهر من الولايات المتحدة إليها لتحقيق هذا الهدف”.
من يرى، أن الصين سوف تضع كل ثقلها الاستراتيجي من القوة النووية والاقتصادية وراء روسيا في أي مواجهة عسكرية محتملة بينها وبين الغرب الأوروبي والأطلسي حول اوكرانيا ، أرى أنه يبالغ في توقعاته الإستراتيجية وبدرجة تخرج بها عن كل حدود الواقعية.
فعلاقات الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية المتميزة التي لا تكل روسيا من التأكيد عليها وعلى ما تتوقعه منها، اكثر مما تفعله الصين، لا تقدم اساسا قويا وموثوقا فيه يدعم تلك التوقعات الروسية، او بما يكفي لأن تبني عليه قراراتها التي يمكنها أن تتعامل بها مع ما يمكن ان تؤشر به تطورات الحرب التي تخوضها حاليا ضد الناتو في أوكرانيا.
أي فيما إذا تحركت هذه الحرب بأطرافها في مسار آخر، فالصين تمارس درجة عالية من ضيط النفس وتتجنب الإدلاء بتصريحات رسمية قد يساء تفسيرها في مراكز صنع القرار الغربية، وتتخذ منها ذريعة إلى تشديد العقوبات الاقتصادية ضدها، وهو ما لا بد وأن تخسر الكثير من ورائه دون مبرر يدعوها إلى ذلك.
مع عدم وجود اتفاقية أمنية لبن روسيا والصين أمني، أو ميثاق للدفاع المشترك بينهما حيث يلتزم كل منهما بموجبه بتقديم مساعدته إلى الطرف الآخر كما في كل مواثيق الدفاع المشترك التي تعقدها الدول مع بعضها، فإن كل النقاشات حول دور صيني محتمل إلى جانب روسيا ضد حلف الناتو في أوكرانيا تصبح مجافية للواقع.
والدليل علي ذلك هو ترديد الصين دعوتها طول الوقت لكافة الأطراف الضالعة في نزاعات دولية مسلحة كما في أوكرانيا والشرق الاوسط الي التحول عن الوسائل العنيفة والبحث عن حلول توافقية لنزاعاتها، فهي باستمرار مع التهدئة والتبريد وليست مع التوتير والتأزيم والتصعيد.
وهذا واضح تماما في كافة مواقفها من كل تلك النزاعات الدولية، وهو النأي بنفسها عنها وتجنب الانغماس فيها لتوفر علي نفسها مخاطر وأعباء لا تريدها ولا ترى مصلحة لها فيها. وإذا كانت قد فعلت ذلك في تايوان وهي جزء منها، فهل يعقل ان تذهب إلى الحرب مع روسيا في اوكرانيا؟.
وهنا علينا ان نعرف أيضا اننا الآن مع صين أخرى ومختلفة تماما عن الصين التي عرفناها خلال فترة الحرب الباردة التي سادت ما بين عامي 1945-1991م وذلك عندما كانت أفكارها الشيوعية الثورية المتطرفة هي التي تحركها وتدفعها الي التطرف الزائد في تعبيرها عن مواقفها الدولية لانه لم يكن لديها وقتها الكثير لتخسره كثمن لتطرف سياساتها المعادية للغرب.
أما وبعد ان أصبحت الصين – مصنع العالم- دولة متقدمة بالغة الثراء وتكاد تكتسح أسواق العالم كله لحسابها، فانها لم تعد تتحرك بالأفكار الثورية التي عفا عليها الزمن وباتت ارثا من الماضي، وانما بحسابها لمصالحها في اطار مصلحي صرف.. وفي اطار منظومة ثابتة ومستقرة من السياسات والاستراتيجيات التي توفر لها الامن المنشود.
وما تصريح الرئيس الصيني شي بينج الاخيرة الإ دليل على ذلك، وهو يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بأن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تشكل أولوية استراتيجية قصوى بالنسبة للصين، وأن من مصلحة الدولتين تنقيتها من توتراتها والارتقاء بها إلى افضل صورها ومستوياتها.
خلاصة القول أن الشراكة العسكرية الحالية بين روسيا والصين لا تشكل تحالفا قويا مثل حلف شمال الأطلسي المبني على الدفاع المتبادل وقابلية التشغيل المشترك لقواته،إن أفضل وصف للعلاقة بينهما هو عبارة عن زواج بين شريكين غير متكاملين لديهما رؤية ساخرة للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومع ذلك لدى الدولتين في كثير من الأحيان رؤى متباينة للنظام الذي يعتقدون أنه يجب أن يحل محل النظام الدولي الحالي.
وبالرغم من وجود بعض نقاط التباعد، غير أن المصالح المشتركة والتوجهات الاستراتيجية تسهم في تعزيز هذا التعاون. وتتراوح السيناريوهات المستقبلية لعلاقاتهما الثنائية بين التعاون الاستراتيجي متوسط المدى وهو الأكثر ترجيحًا، أما المتوقع فهو التعاون المرحلي، وما يمكن استبعاده من السيناريوهات هو التنافس المحتمل بين الدولتين. وذلك ما يعكس تعقيد وتعددية العلاقات الدولية في مشهد عالمي متسارع ومتغير ويغلب عليه طابع “البراغماتية” في نهاية المطاف.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية