منذ إصدار تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ حول التعذيب، أشار العديد من المعلقين إلى استطلاعات الرأي التي تظهر مستويات عالية من الدعم الشعبي لهذه الممارسة.
وخلص الباحثون إلى أن الشعب الأمريكي مسؤول على الأقل جزئيا عن حقيقة أن التعذيب كان (وربما سيكون) سياسة رسمية للحكومة الأميركية. ويقول كريستوفر إنغراهام في صحيفة واشنطن بوست إن معظم الأمريكيين “ليس لديهم مشكلة” مع التعذيب، في حين يقول بيتر بينارت في مجلة الأتلانتيك إن التعذيب هو “ما نحن عليه”.
هذه الحجج صحيحة جزئيا. فغالبية الأميركيين (وخصوصا الجمهوريين) يدعمون التعذيب بصورة مجردة. كما إن بينارت على حق، لا سيما إذا لاحظنا أن الإرث التاريخي لأميركا شديد العنف، فالتعذيب والعشرات غيرها من وسائل العنف المنهجي هي أمور مركزية في التاريخ الأميركي. وحقيقة أن لا أحد في السلطة سيعمل على تطبيق القانون، لسبب واضح أن ذلك سيكون غير مريح سياسيا، هي وصمة عار كبيرة على جبين الديمقراطية الأمريكية، كما يقول ديفيد سايمون.
ولكن إلقاء اللوم على الشعب الأميركي هو أمر غير صحيح جزئيا. ففي الواقع، النخب السياسية ووسائل الإعلام مسؤولة إلى درجة كبيرة عن موقف الرأي العام من التعذيب. فإذا ما كان قد تمت شرعنة التعذيب جزئيا كممارسة أمريكية، فإن النخب متورطة بعمق في ذلك.
ولكننا أولا بحاجة لتناول مسألة فعالية التعذيب. فهناك نقاش دائر بين دعاة مناهضة التعذيب حول هذا السؤال، حيث يرى البعض مثل دان دريزنر، أن إجابة هذا السؤال هو أمر مهم، وعلى الجانب الآخر يعتقد آخرون أمثال ناثان بيببينجر أن مثل هذا النقاش يضفي بطبيعته شرعية على تلك الممارسة.
ولكن ديك تشيني والعديد من النخب الجمهورية غيره، يبالغون في الدفاع عن التعذيب كممارسة جيدة، وتنعكس هذه المزاعم -التي لا أساس لها- على استطلاعات الرأي.
غير أن استطلاعات الرأي هي أيضا على خطأ. ففي دراسة رائعة ومثيرة للقلق للغاية صدرت عام 2010، قام ريجالي وزملاؤه بتجميع قائمة شاملة من كل استطلاعات الرأي التي أجريت على الناس حول استخدام التعذيب ضد الإرهابيين المشتبه بهم.
ووجدوا أنه عندما تقدم استطلاعات الرأي أوصافا محددة لأسوأ أنواع التعذيب التي تتبعها وكالة الاستخبارات الأمريكية، فإن مشاعر مناهضة التعذيب تتزايد بشكل كبير. يحدث ذلك عندما يتم توضيح الحقيقة وليس استخدام مصطلح عام كمصطلح “التعذيب”.
ومما يزيد الأمور سوءا، أن الباحثين قد وجدوا أن هذه الاستطلاعات تميل بقوة إلى صياغة الأسئلة بشكل في صالح التعذيب، حيث لا يسأل المستطلعون عما إذا كانوا يعتقدون بكون عملية التعذيب فعالة؛ بل إن فعالية التعذيب توضع كفرضية داخل السؤال.
حيث يقال للمستطلعين إن الشخص رهن الاحتجاز قد يكون إرهابيا وربما يكون لديه معلومات عن هجمات إرهابية في المستقبل، وهو ما يجعل معارضة الأمر خطيرا. ويعني ذلك أنه على مدى العقد الماضي، قامت منظمات الاقتراع الكبرى الأمريكية بإجراء استطلاعات رأي ذات توجه مؤيد للتعذيب.
صناعة الترفيه الأمريكية تتصرف بطريقة مماثلة أيضا. فالأفلام والبرامج التلفزيونية، وألعاب الفيديو تظهر مشاهد التعذيب كوسيلة سريعة وسهلة لجمع المعلومات الاستخبارية الموثوق بها.
فمشهد المعتقل المتمرد الذي يعترف بعد تعرضه للضرب هو الآن مشهد معتاد في أفلام الحركة والإثارة. وهناك المئات من الأمثلة الأخرى، بما في ذلك فيلم “زيرو دارك ثيرتي” الذي ادعى، على سبيل السرد التاريخي، بأن التعذيب قد أدى إلى وفاة أسامة بن لادن.
لكن مثل هذه الرسوم واستطلاعات الرأي وحشية أخلاقيا. فقد قامت النخبة السياسية ووسائل الإعلام الأمريكية بحملة دعائية كاذبة مؤيدة للتعذيب بشكل صارخ.
وفي بحث آخر لاحظ ريجالي، وبول جرونك، وبيتر ميلر، أنه على الرغم من تزايد الرأي المؤيد للتعذيب قليلا في الآونة الأخيرة، فإن الأميركيين ما زالوا يرفضون بشدة ضد أساليب مثل محاكاة الغرق والصعق بالكهرباء، والإذلال الجنسي. ويعتقدون بأن دعم الأميركيين للتعذيب هو نوع من الإجماع الكاذبن وهو آلية معروفة منذ زمن بعيد لعلماء النفس لكيفية إسقاط وجهات نظرنا على الآخرين.
لذا؛ فبدلا من إلقاء اللوم على الشعب الأمريكي لدعمه التعذيب، يجب أن تعترف النخب السياسية ووسائل الإعلام بالذنب الذي ارتكبوه.
نقلا عن التقرير
الكلمات المفتاحية: التعذيب، وكالة الاستخبارات الامريكية، تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، شرعنة التعذيب، المجتمع الامريكي