هل الأسد عامل استقرار؟

هل الأسد عامل استقرار؟

بينما يركز النقاش على احتمالية تأسيس أمريكي تركي لمنطقة محمية شمال سوريا، يستخدم المدافعون عن الأسد مجموعة الاحتجاجات المعتادة: احذروا من منزلق الاحتلال، لا تفعلوا شيئًا حتى تتجاوز المعارضة خللها وتقدم بديلًا مؤثرًا للنظام، تجنبوا إسقاطًا غير مقصود لطغمة الأسد ومخلوف خشية أن يحصل فوضى، كما حصل في العراق بعد سقوط صدام حسين. بالرغم من أن هذه الادعاءات قد تبدو حسنة المنظر، إلا أنها في النهاية الثلاثة العوامل التي تغضب ملايين السوريين الذين اعتدي عليهم بإجرام من النظام لما يقارب الأربع سنوات.

بالفعل، التشابه بخصوص العراق أثر بشدة وبشكل مدمر على السياسة الأمريكية تجاه سوريا. بشكل واضح، لم يكن الأمر كذلك عند بداية الأزمة، عندما كان البيت الأبيض متوقعًا أن يسير الأسد على نهج بن علي ومبارك وصالح والقذافي. عندما خاطب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد طالبًا منه التنحي في آب 2011، توقع بشكل كامل أن يتنحى ديكتاتور سوريا.

عندما بدأ الأسد بالمواجهة، بتوظيف إرهاب جماعي بأساسات طائفية، اكتشفت الإدارة الأمريكية أمرًا لم تكن لاحظته سابقًا: الميزات الوهمية للنظام لا تختفي بسرعة. بعد كل شيء، لم يكن يريد أحد عراقًا آخر، بمدنيين مجتثين من البعث وجنود هائجين دون جيش. التشابه العراقي تم التصديق به من البعض، ولكنه كان مناسبًا للجميع: إذا كان الأسد لن يرحل بدون دفع أمريكي صارم، وتلك الدفعة لم تكن لتأتي، ربما كان هناك، بعد كل شيء، قيمة ببقاءه لوهلة، ربما كان يستطيع لعب دور استقرار، بينما تستطيع المعارضة القيام بدورها معًا. من المحزن أن هذا ما كان يجري في التفكير الاستراتيجي لسياق سوريا.

تبعات فكرة التوفيق بين مجرم جماعي مع مفهوم غريب للاستقرار كانت مذهلة: أكثر من 200 ألف قتيل، عشرات الألوف شوهوا أو عذبوا، أكثر من ثلاثة مليون لاجئ خرجوا من سوريا، أكثر من سبعة مليون بلا منزل داخل البلاد، إحصاءات حول آلاف حالات التعذيب والمجاعة والاعتداء الجنسي داخل البلاد، تعرض مجتمعات كاملة بدون رحمة لحصار تجويعي وقنابل برميلية.

عشرات الوثائق هربت من سوريا -معظمها ذات طابع رسمي- شهدت على حرب النظام المنظمة وجرائمه ضد الإنسانية. هذا، بالإضافة لاقتصاد الشبيحة في غربي سوريا التي يسيطر عليها الأسد، ترافقه معاناة غير محكية للعائلات العلوية التي أجبرت على التضحية بأبنائها لإبقاء طغمة حاكمة جشعة. كان كل ذلك هو الثمن الذي دفعه السوريون بما قد يسميه البعض بالاستقرار.

هذا ليس الثمن الكامل. نظام الأسد عزز صعود القاعدة في العراق أثناء العقد الأول من القرن الحالي، ثم ساعدها على العودة للحياة باستراتيجية بقائه الطائفية الدموية. بجعل سوريا أرضًا خصبة لنمو داعش، وجد النظام طريقة للتماشي مع داعش، بقصد قتل العدو المشترك بينهما، السوريين القوميين الذين يرغبون بإسقاط النظام وإلغاء داعش. مفهوم ميزات الاستقرار التي يجلبها نظام الأسد ولد في حزيران من هذا العام، عندما ظهرت داعش واحتلت كثيرًا من العراق. جيوش التحالف الكبير الذي تقوده أمريكا تحاول الآن عقد صفقة مع مساهمة نظام الأسد في الاستقرار الإقليمي.

لا زال الأسد يحصل على الكثير من هذا من المحللين والمعلقين الذين يرون المعارضة المنفية والمشتتة تهديدا أكبر. ربما كان هذا سابقًا لهذا النوع من الحالات. ربما تناقش الحلفاء في عام 1943 بأنهم يجب أن يبطئوا إسقاط هتلر.

مَن، بعد كل شيء، كان مستعدًا لأخذ مكانه وحكم ألمانيا؟ بعض شخصيات المعارضة الذين يختبئون في ألمانيا أو يعيشون في المنفى؟ الواضح في قضية سوريا أنه ليس هناك عجز لدى النظام من المعقلين الذين يرغبون بمسح انتهاكات النظام السابقة، بالتوافق السهل مع مبدأ “أبدًا مجددًا”، بينما يكيلون السخرية والاحتقار لقادة المعارضة الذين عليهم أن يتعاملوا مع “مساعدة” “الداعمين” الإقليميين الذين يهتمون بجمع البدائل أكثر من المساعدة ببناء معارضة متماسكة.

هل الائتلاف الوطني وحكومته المؤقتة جاهزون الآن لحكم سوريا؟ بالطبع لا. هل بشار الأسد كذلك؟ من الذي قضى الجزء الأكبر من الأربع سنوات مسويًا البلاد بالأرض لتستطيع عائلته جمع الإيجارات كموظفين إيرانيين. إذا اختفى الرجل الذي اعتبره الرئيس أوباما مجرمًا، هل ستعود سوريا لاستقرارها؟

الأقليات السورية لها كل الحق والمنطق للخوف من بديل الأسد. لا أحد يعرف أكثر من علويي سوريا التبعات التي تستطيع عائلة واحدة سعت لضمهم جميعًا في حملة كانت آثارها، إن لم تكن مقاصدها، إبادات جماعية.

لا أحد عرف أكثر من مسيحيي سوريا، الذين كانوا يغادرون البلاد بأعداد كبيرة قبل آذار 2011 بكثير، حجم فساد وقلة كفاءة وتقلب العائلة الحاكمة. ما يزن عليهم، هو الخوف من أن استراتيجية النظام بأخذ الأقليات كرهائن قد تنجح.

مؤيدو النظام طالبوا طويلًا برفع أيدي واشنطن عن سوريا. الآن، عندما رفعت الأيدي، مع تكتيكات النظام التي عززت صعود داعش والفصائل الطائفية على حساب المعارضة الحقيقية، بدأوا يذرفون دموع التماسيح على الضعف النسبي للمعارضة التي تحاول قتال كل من داعش والنظام.

يطلبون من المعارضة حفظ حقوق الأقليات، حتى وهم يشيرون على واشنطن بالتخلي عنهم. بحسب هؤلاء المؤيدين، دعم المعارضة الحقيقية في حربهم ثنائية الجبهات تطيل الحرب وتزيد المعاناة. الأفضل لهم هو الفوز السريع لرجلهم، الغارق في الدم والمقاتلين الأجانب الذين أتوا إلى سوريا من إيران.

المدافعون سيظلون على هذا الحال. إدارة أوباما يجب أن تسأل نفسها بعض الأسئلة. هل يمكن تحقيق الانتصار على داعش مع الداعم الأول للخليفة -نظام الأسد- بدون تدخل وفي نفس المكان؟ هل يمكن تخفيف الأزمة الإنسانية الهائلة في سوريا بينما يستخدم النظام حملة طائراته المضادة لداعش كغطاء لحملته الإرهابية الجوية المضادة للمدنيين؟ هل يمكن تحقيق هدف الرئيس بإنشاء حكم شرعي ومتماسك بدون منطقة آمنة يمكنها أن تؤسس نفسها بها؟ هل يستطيع المضادون للنظام أن يجندوا كجنود ضد داعش على الأرض إذا كانت حلب على وشك السقوط؟

الآثار العملية لإجابات هذه الأسئلة بصدق جادة ومعقدة. من المحزن أن التجنب يظل خيارًا، لكنه خيار بعيد جدًا من كونه خاليًا من المخاطر. كما أن ميزات الاستقرار المزعومة لنظام الأسد أمام ضعف المعارضة يجب أن لا تكون الذريعة غير المستحقة للخيار.

نقلا عن التقرير

 الكلمات المفتاحية: الاسد، سوريا، داعش، المعارضة السورية، الشبيحة، الاقليات، مسيحيو سوريا