اجتمع نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، خلال زيارته إلى تركيا والتي جاءت في فترة حاسمة، لمدة ساعتين ونصف الساعة مع رئيس الجمهورية أردوغان ومع رئيس الوزراء داود أوغلو. الاجتماع السابق الذي كان قد عقده رئيس الجمهورية أردوغان مع الرئيس الأمريكي أوباما جعل هذه الزيارة أكثر أهمية. حيث قال أوباما حينها “سوف أُرسل جو بايدن,، وخلال زيارة بايدن بإمكانكم مناقشة هذه المواضيع بشكل شامل”.
عند النظر إلى ما خلف كواليس هذا الاجتماع الذي ضم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مع بايدن، نرى أن هذا الاجتماع كان أكثر شمولية من ذلك الذي تم عقده مع المسؤولين الأمريكان خلال الفترة الأخيرة. جو بايدن الذي يُعد الرجل الثاني في الإدارة الأمريكية كان هو المسؤول عن التنسيق فيما يتعلق بموضوع سوريا والعراق. وكان اجتماع أردوغان وداود أوغلو ببايدن مهمّا قبل بدء المحادثات حول ما يتعلق بمستقبل سوريا.
جو بايدن جاء إلى تركيا في ليلة الخميس، وقام في يوم الجمعة بعقد اجتماعات وأدلى بتصريحات جذبت ردود الفعل. لذلك كان من المتوقع أن يحدث نوع من التوتر في المحادثات التي سوف يجريها يوم السبت مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ولكن لم يحدث ما كان متوقعا، لم يكن هناك توتر في الاجتماع، بل على العكس كان اجتماعا بنّاء. وبالتأكيد، سوف نرى انعكاسات ما أسهم به هذا الاجتماع خلال الفترة القادمة.
دراسة لخارطة العراق وسوريا
أريد أن أشارككم أحد مشاهد الاجتماع الذي جرى بين رئيس الوزراء داود أغلو وجو بايدن. مع بداية دخول أشعة الشمس إلى مكتب داود أغلو الواقع في “دولما باهتشي” بدأت الحرارة ترتفع في الداخل، ولكون المواضيع التي تتم مناقشتها من أكثر القضايا الساخنة في العالم، اجتمعت الحرارتان. بعد مدة قصيرة قام داود أغلو وبايدن بخلع سترتيهما. بين المقعدين المتقابلين، حيث كانا يجلسان، كانت هناك طاولة صغيرة، على هذه الطاولة وُضِعت خارطة سوريا والعراق، أين قام رئيس الوزراء بتوضيح أماكن النزاع، مناطق الخطر المحتملة والقضايا المثيرة للقلق على الخريطة. كلا الزعيمين كانا يقفان بين الفينة والأخرى بمحاذاة الخريطة، وعملا على وضع تقييمات بالنظر إلى المجموعات المسلحة وأسماء المناطق التي تسيطر عليها. تم إجراء دراسات عميقة تتجاوز المحادثات الرسمية. ونستطيع ملاحظة تأثّر جو بايدن بالتحليلات العميقة التي قدّمها رئيس الوزراء على الخريطة فيما يتعلق بالأقاليم، التنظيمات، المجموعات العرقية، المناطق المثيرة للقلق ومناطق النزاع.
أتمنى لو كانت هناك صورة لهذه اللحظة. ولكن الاجتماع كان مغلقا. إلا أننا علمنا بعد انتهاء الاجتماع أن رئيس الوزراء وبايدن قاما بدراسة الخارطة.
دعونا الآن نأتي لمحادثات جو بايدن وبعض من تصريحاته التي أزعجت تركيا.
تطرّق داود أوغلو لهذه المواضيع خلال تصريحاته هو وبايدن لوسائل الإعلام سواء خلال الاجتماع أو بعده. عندما يتم الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية لا يجوز أن نتكلم بمنطق “يوجد هناك بئر في المنتصف عليك المرور بقربه”.
وكان داود أوغلو قد تطرّق خلال الاجتماع إلى أن بايدن يجتمع فقط مع الأوساط المعروفة بعدائها لأردوغان وحزب العدالة والتنمية قائلا “تركيا هي دولة حرة، بإمكانكم الاجتماع مع من تريدون، ولكن اجتماعاتكم كانت مضبوطة بناء على منهج يعتمد وجهة نظر واحدة وضيقة. حتى تتمكّنوا من فهم المشاكل التي تعيشها تركيا، وحتى تستطيعوا فهم ما نحاول فعله بالضبط كان يجب عليكم تبني نظرة أوسع في اجتماعاتكم. وكان هذا سيكون مفيدا حتى تروا الصورة بشكل أوضح”. جو بايدن لم يعقّب على الموضوع.
كيف تحدث “جو بايدن” عن إرهاب “بي كا كا”
ولكن رئيس الوزراء تطرّق لموضوع النقاش مع الأكاديميين قائلا “كنت أود أن أتحاور مع الأكاديميين من خلال البعد الأكاديمي”. ومن ثم حدّق داود أوغلو في عينيي بايدن قائلا: “لكن لو تم حفر الخنادق وإقامة المتاريس في بلادكم هل كنتم سوف تسمحون بهذا؟ البعض يقول لنا “هؤلاء قاموا بحفر الخنادق في هذه المناطق, اتركوها لهم وارحوا” هل كنتم أنتم لتسمحوا بهذا؟ لو قال لكم أحد في أميركا اتركوا هذه المناطق لمن حفر الخنادق هل كنتم ستتركونها؟”.
لا أعرف كيف أجاب نائب الرئيس الأمريكي على أسئلة رئيس الوزراء هذه. ولكن في الاجتماع الذي عقده مع نواب من حزب الشعوب الديمقراطي قام هو بالحديث عن حرب المدن التي يشعلها حزب العمال الكردستاني وقال “هذه عبارة عن مأساة. يجب عليه أن يترك هذه الأعمال على الفور. تركيا هي حليفتنا، بينما حزب العمال الكردستاني هو تنظيم إرهابي. وهذا الأمر يوافق عليه المجتمع الدولي أيضا، يجب على حزب العمال الكردستاني أن ينسحب على الفور وأن يترك تركيا وشأنها”.
أحد المواضيع المهمة التي تناولها اجتماع بايدن- داود أوغلو كان ذلك المتعلق بحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. حيث وضّح رئيس الوزراء للأمريكان أن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي هما وجهان لعملة واحدة وأنه يتم توجيه الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي وهي وحدات الحماية الشعبية من قبل جبال قنديل قائلا “الأسلحة التي تعطونها لحزب الاتحاد الديمقراطي تذهب لحزب العمال الكردستاني. ومن ثم يقوم حزب العمال الكردستاني بتوجيه هذه الأسلحة نحو تركيا”. حيث تم العثور على “الطائرات بدون طيار المصغرة” التي أعطاها الأمريكان لحزب الاتحاد الديمقراطي في “سيلوبي”.
آلية جديدة للتعامل مع القضايا
لكن الولايات المتحدة الأمريكية ترى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشارك في الحرب ضد تنظم الدولة على أساس أنهم مقاتلون من أجل الحرية العلمانية. بايدن يحافظ على موقفه المتحفظ فيما يتعلق بحزب الاتحاد الديمقراطي، ولكنه يرسل رسائل قوية فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني. كلمات بايدن التي تساوي ما بين الحرب ضد تنظيم الدولة والحرب ضد حزب العمال الكردستاني تبعث على الرضا. لأنه كان يتم الحديث في السابق عن كون حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا ولكن لم يُقل قبل ذلك بأن “حزب العمال الكردستاني هو تنظيم إرهابي بقدر ما هو تنظيم الدولة إرهابي”. لذلك فإن حديث بايدن عن الحرب ضد تنظيم الدولة والحرب ضد حزب العمال الكردستاني في سياق واحد كان على قدر من الأهمية.
كما تم الحديث في الاجتماع مع المنسّق الأمريكي الخاص لسوريا والعراق جو بايدن عن مخيم بعشيقة. حيث كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قد حوّل موضوع بعشيقة إلى أزمة وفتح موضوع وجود الجيش التركي في العراق للنقاش وذلك بتحريض من روسيا وإيران. ومع الأسف فقد فاجأ الرئيس أوباما تركيا بتصريحاته حينما وقف بجانب العبادي ملمّحا إلى وجوب سحب تركيا لقواتها من العراق. بينما كان تنظيم الدولة يقصف مخيم بعشيقة بصواريخ الكاتيوشا روسية الصنع لم نسمع صوت أحد، وهذا يُمثل تناقضا آخر.
كان مخيم بعشيقة على جدول الأعمال خلال اجتماع داود أوغلو- بايدن. وتم الوقوف على أهمية إقامة تنسيق أوثق ما بين تركيا وأمريكا. سوف يستمر الوجود العسكري التركي في بعشيقة. ولكن سوف يتم التأسيس لآلية جديدة. في زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية دانفورد، تم الحديث عن صيغة جديدة هي (درّب ـ جهّز)، ولكن تُرك القرار إلى حين الاجتماع مع بايدن. لدي فضول حول إذا ما كانت صيغة درّب-جهّز سوف تكون موجودة في الآلية الجديدة أم لا.
عبدالقادر سلفي
تركيا بوست