ارتفعت أسعار النفط من جديد ، وهو مؤشر على تعافي قد يكون مؤقت على اسعار النفط ، حيث تجاوزت اسعار برنت اكثر 30 دولاراً للبرميل، بعد الحديث عن اتفاق بين المنتجين .
لقد ادى الهبوط الحاد لأسعار النفط في الأسواق العالمية، وما تفرزه من تداعيات خطيرة على الدول والشركات، ان اطلقت منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك ” تحذيرا من متاعب خطيرة ومقلقة في المستقبل في حال تراجع الاستثمارات في الصناعة النفطية، وهو ما قاد الى البحث عن اتفاق حول استراتيجية لتخفيض الإنتاج.
اضطرابات وتخوفات طالت الاسواق منذ بداية العام 2016، حيث هوت اسعار النفط خلال الايام الماضية الى مادون 30 دولارا للبرميل وهو أدنى مستوى لها منذ أكثر من 12 عاما، وهو ما أدى الى ارتباك حقيقي لدى الكثير من الدول خصوصا الدول الريعية التي يعد النفط بمثابة الشريان لاقتصادها .
بعد الحديث عن نية للتعاون بين المنتجين الرئيسيين لخفض الامدادات والحد من التخمة التي تشهدها اسواق النفط ، كما هو معلوم سيسمح بصعود اسعار النفط لكن كما هو معلوم فإن أي معلومات عن عدم اتفاق داخل الاسواق سيؤدي بالضرورة الى تراجع الاسعار وربما بشكل كبير.
وقد نشرت تقارير تفيد بإن رئيس شركة ترانسنفت الحكومية أعلن ” إن مسؤولين بقطاع الطاقة الروسي خلصوا إلى وجوب إجراء محادثات مع السعودية ودول منظمة أوبك الأخرى بخصوص خفض الإنتاج لدعم أسعار الخام”.
وسبق هذا الاعلان انطلاق دعوات دول داخل المنظمة مثل نيجيريا وفنزويلا إلى خفض الإنتاج لتعزيز الأسعار التي هبطت لأكثر من النصف منذ أيار مايو الماضي.
ويقول خبراء إن عدة عوامل لعبت دورها في صعود أسعار النفط منها برودة الطقس وهبوب العواصف الثلجية في الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك أنباء حول احتمال تنسيق جهود بين منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” والمنتجين من خارجها لأيجاد الية لتقليص التخمة الحالية المعروض النفطي والتي دفعت الأسعار خلال كانون الثاني / يناير الجاري إلى أدنى مستوياتها في أكثر من 12 عاما.
قد يكون هناك اتفاق في المدى القريب خصوصا بعد ابداء دول في اوبك نيتها خفض انتاجها اليومي ،ولكن لن يكون على حساب الحصة السوقية لأوبك ، وهوكما الحال في العراق حيث حذر زير النفط العراقي من ما أسماه ‘انقلاب’ في السوق النفطية العالمية مع توقف الاستثمار، مبديا استعداد بلاده لخفض الانتاج بشروط.
في الحقيقة عدة عوامل ادت الى هذا الصعود في اسعار النفط ،فقد كان للحديث عن اتفاق داخل السوق النفطية بين المنتجين أكبر الاثر في انتعاش الاسعار ، فالحرب الشرسة بين المنتجين التقليديين بقيادة العربية السعودية ودول “اوبك” من جهة ، والمنتجين الغير التقليديين وهم منتجو “النفط الصخري” ؛ (الولايات المتحدة ، روسيا ، كندا، البرازيل) من جهة اخرى ، وهو ما نتج عنه في الحقيقة خسائر بمئات المليارات وربما تريليونات الدولارات نتيجة خسائر الشركات العملاقة التي تعمل في انتاج النفط الصخري حيث تشير تقارير الى ان ديون شركات النفط الصخري المشكوك في تحصيلها تفوق حالياً 320 مليار دولار ، وتراجع الاستثمارات في هذا القطاع نتيجة تحطم اسعار النفط في الاسواق.
ومن ناحية اخرى نلاحظ ان روسيا اكبر منتج للنفط الصخري والتي تنتج أكثر من 10 ملايين برميل وتواجه أزمة مالية، ومن جهة اخرى ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي منيت بها الدول المنتجة للنفط التقليدي “دول اوبك ” فقد فقدت هذه الدول مليارات الدولارات نتيجة هبوط الاسعار وهو ما انعكس على ميزانيات هذه الدول واقتصاداتها وابعد من ذلك فقد هدد هذا الواقع الجبهة الداخلية لهذه الدول حتى بات هناك شبه انعدام للاستقرار السياسي، وهنا أذكر على وجه التحديد دول مثل العراق وفنزويلا .
يرى العديد من الخبراء ان الحاجة ملحة جدا في هذه المرحلة للنظر الى التحديات التي تعصف بالاقتصاد العالمي ، فقد خلفت ازمة الاقتصاد العالمي التي انطلقت من قارة اسيا ومن الصين تحديدا اثار سلبية على الاقتصاد العالمي برمته ، وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في 2016 وحذر من مخاطر كبيرة على الاقتصاد العالمي بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني والانكماش في البرازيل وهبوط اسعار النفط. وتوقع الصندوق زيادة ادنى من المتوقع في النشاط الاقتصادي في 2017 الى 3,6% (اقل بـ 0,2 نقطة) وهو امر فرضته الاوضاع التي وصفت “الخطر” للعديد من الدول، وهنا لابد ان يكون هناك مراجعة مسؤولة من صناع القرار السياسي والاقتصادي ومراجعة مواطن الخلل التي ارهقت الاقتصاد العالمي بشكل عام.
فيما يتعلق بالطاقة الانتاجية لإيران في أعقاب رفع الحظر عنها، هنالك تصريحات من مسؤولي النفط في إيران أن طهران ترغب في زيادة إنتاجها النفطي بحوالى مليون برميل يومياً. ولكن خبراء غربيين في الشؤون الايرانية يعتقدون أن ايران لن تستطيع رفع طاقتها الانتاجية بأكثر من 800 ألف برميل في أحسن الأحوال. ورغم رفع العقوبات تواجه الصناعة النفطية في ايران تحديات مثل الحاجة الملحة إلى التكنولوجيا الحديثة التي تملكها الشركات الغربية، في وقت لا ترغب فيه الشركات الغربية في الدخول في تعاقدات وسط ظروفها المالية القاسية وعدم رضاها عن العقود التي تعرضها إيران للاستثمار في النفط والغاز.
هذه المعادلات الستة تعتبر من أهم محددات النفط في العام الجديد، ولكن الأسواق تترقب حالياً، اتفاق كبار المنتجين على خفض الإنتاج، وهو العامل الأهم في سحب الفائض.
اما المعطيات الجديدة التي قد تؤثر على اسعار النفط فتتمثل في المناورات العسكرية في الخليج العربي بمشاركة قوات من دول الخليج المشاركة في التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن والاضافة لمصر ، من جهة اخرى جاء اعلان ايران عن بدء القوات البحرية الإيرانية مناورات عسكرية بحرية ضخمة تستمر خمسة أيام وهو مشهد يثير الارتباك حول مستقبل الاوضاع في المنطقة وربما العالم .
ان طبيعة الرسائل المتبادلة واستعراض القوى العسكرية والقدرة على الردع العسكري بين كل من العرب وايران ، قد تشكل توترا حقيقا للمنطقة التي تقع وسط بؤرة ملتهبة منذ عقود ، تمثل تهديداً حقيقيا لاستقرار الشرق الأوسط والعالم اجمع .
لايزال الوقت مبكر للحديث عن عودة او انتعاش لأسعار النفط ، فعوامل انهيار اسعار النفط موجودة حتى الساعة ، والمنافسة بين المنتجين التقليديين والجدد بلغت اشدها ، لكن الحديث عن اتفاق او تعاون حقيقي داخل اسواق النفط قد يصعد بأسعار النفط الى مستوى جيد ، لكنه لن يكون بحال من الاحوال كما كانت قبل بداية انهيار الاسعار في عام 2014، وهو على المدى القريب على الاقل .
لكن التساؤل يبقى حول الاوضاع السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة هذه الايام ، فهل سنشهد توترا تكون له انعكاسات حقيقية على اسواق النفط ؟ وهل ستستمر الاسعار بالصعود في حال توصل المنتجين الى اتفاق تعاون ؟ والى اين ستصل في حال تم الاتفاق؟ هذه التساؤولات وغيرها ستكون محور اهتمام المحللين والخبراء النفطيين خلال الايام المقبلة .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية