هيمنت قضية سد الموصل على اهتمامات العراقيين والكثير من المراقبين ودول العالم في الأسابيع الماضية، وهم يتابعون سيناريوهات تتراوح بين التهوين والسخرية من الخطر، وبين رسم سيناريوهات كارثية يمكن أن تدمر حياة الملايين من العراقيين.
وانقسم العراقيون، وحتى الخبراء، بشأن حجم الأخطار والأغراض المعلنة والخفية من وراء إثارتها اليوم، بعد أن تم تجاهلها لأكثر من عام ونصف العام، منذ سيطر تنظيم داعش على السد لفترة وجيزة في أغسطس 2014.
ودخلت الولايات المتحدة بقوة على ملف القضية في الأيام الأخيرة، لتغذي نيران السيناريوهات الكارثية، والتي أدت بالتالي إلى تصاعد الأصوات المناوئة لها، والتي تكتسب شرعيتها من غموض القضية وعدم الإجابة على الأسئلة الجوهرية المحيطة بهذه القضية، ناهيك عن التقاطعات السياسية المريبة.
وقبل ذلك دخلت إيطاليا في الموضوع، وقالت إنها سترسل قوة عسكرية لحماية شركة إيطالية، يقال إن لديها عقدا لإصلاح السد، تصل قيمته إلى ملياري دولار، دون أن يوضح لنا أحد حقيقة ذلك العقد وسبل تمويله.
ورغم كل ذلك اللغط، لا تزال الكثير من الأسئلة معلقة ولم يتطرق إليها أحد حتى الآن، والتي يوفر مجرد طرحها هنا، بعض الإجابات ويكشف حجم المسكوت عنه في هذه القضية.
أولا؛ ما هو حجم المياه المخزونة في سد الموصل حاليا، والذي تقول البيانات إن طاقته القصوى تصل إلى 12 مليار متر مكعب؟ وفي الوقت نفسه تؤكد معظم البيانات أن مخزوناته الحالية لا تزيد على 4 مليارات متر مكعب فقط.
ويرى الخبراء أن تلك الكمية يمكن استيعابها بسهولة في ظل انخفاض منسوب المياه في وادي نهر دجلة “العميق” على الأقل في المئة كيلومتر الأولى بعد موقع السد، إضافة إلى وجود سد الثرثار وبحيرته العملاقة، وهو ما يبطل مفعول جميع التحذيرات من غرق بغداد والمناطق التي تليها في وسط وجنوب العراق.
ثانيا؛ لماذا لا يتم إفراغ السد لإزالة جميع الأخطار؟ علما أن المسافة التي تفصل سد الموصل عن سد الثرثار تصل إلى 300 كيلومتر، وهو ما يوفر إمكانية تخزين المياه بسهولة في بحيرة الثرثار، خاصة أن بحيرة الثرثاء هي الأكبر في العراق، وهي مرتبطة بعد ذلك بروافد تعيد المياه بطريقة منظمة إلى نهري دجلة والفرات؟
ثالثا؛ إفراغ سد الموصل حاليا لن يؤثر، حتى على المسافة التي تفصل بين سد الموصل وسد الثرثار بسبب وجود رافدي الزاب الأعلى والزاب الأسفل، اللذين يغذيان دجلة في تلك المسافة بعد إفراغ السد، ويوجد عليهما سدان هما سد دوكان وسد الدبس.
رابعا؛ ما هي تكاليف أعمال الحقن بالمسكنات، التي تجري أسبوعيا، بل ويوميا، منذ إنشاء سد الموصل قبل 32 عاما؟ ألا تبرر تلك التكاليف، التي لا بد أن تكون باهظة، إجراء علاج حاسم لمرة واحدة، لإنهاء العلاجات المؤقتة، حتى لو بلغت التكاليف ملياري دولار، بدل التعايش مع خطر انهياره إلى الأبد.
خامسا؛ إذا كانت الولايات المتحدة وإيطاليا وبقية دول التحالف مهتمة إلى هذا الحد بخطر انهيار السد، ألا تستطيع توفير حزمة من المساعدات لتمويل إصلاح السد، خاصة أنها تنفق أكثر من في كل شهر على محاربة تنظيم داعش؟
سادسا؛ نحن اليوم على أبواب الربيع، أي قبل ذروة تدفق المياه وذوبان الثلوج في منابع نهر دجلة، ولذلك فإن تفريغ مياه السد ملائم جدا اليوم، خاصة في ظل انخفاض منسوب المياه في نهر دجلة وفي مناطق الأهوار. فما هو مبرر عدم إفراغ مخزونات السد؟
تكشف تلك التساؤلات والحقائق البسيطة، رغم أنها لا تحاول تقديم إجابات، حجم المسكوت عنه في الزوبعة المحيطة بأزمة سد الموصل. وهي تطعن بجميع المواقف المعلنة وتكشف الثغرات التي فيها.
كما أنها توفر دعوة لتلك الأطراف كي يكون موقفها أكثر تماسكا ووضوحا، ولا تحاول القفز على الحقائق والبديهيات لتمرير وتبرير سياسات، سنحاول التغافل عنها بالادعاء بأننا نجهلها. هل اتضحت الرسالة؟
سلام سرحان
صحيفة العرب اللندنية