تعمل إيران على استثمار رفع العقوبات عن أموالها المجمدة لتقوية تأثيرها في المنطقة، وسيكون لبنان إحدى نقاط جذب الأموال الإيرانية بهدف استبدال كل مشاريع الدعم السعودي للبنان وتعويضها بمشاريع إيرانية بإدارة مباشرة أو من بوابة حزب الله.
وأفاد السفير الإيراني في لبنان محمد فتح علي بأن رفع العقوبات عن بلاده سيعزز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين إيران ولبنان.
وقال فتح علي، خلال مشاركته في ندوة جنوب لبنان السبت “إننا نطمح إلى زيادة حجم التبادل التجاري القائم بين البلدين ليتجاوز ما هو عليه الآن”، وأن العروض الإيرانية التي قدمت إلى لبنان تناولت “مجالات مختلفة منها بناء السدود والجسور ومحطات الكهرباء والطاقة والمياه ومزارع الأسماك وغيرها من المشاريع الحيوية بالإضافة إلى عروض من شأنها تزويد لبنان بما يحتاجه من معدات متنوعة لقطاعاته الزراعية والصناعية والعسكرية والبيئية”.
وأشار إلى أن الجانب الإيراني “أبدى استعداده الدائم وجديته في تطبيق هذه الاتفاقيات لترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية الجيدة التي تربط بين إيران ولبنان”.
ومن الواضح أن إيران تريد أن تستفيد من تركيز السعودية على قضايا إقليمية أخرى مثل اليمن لتدخل إلى لبنان بقوة وأن تصنع من حزب الله والمشاريع الاقتصادية الإيرانية بديلا للدعم السعودي ولمشاريع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وشركة سوليدير التي أعادت إعمار وسط بيروت بعد دمارها في الحرب الأهلية.
وتريد إيران أن تضفي دورا أكبر على السيطرة العسكرية لحزب الله على لبنان لتصبح سيطرة متعددة الأوجه ما يمكنه من استقطاب من خارج الطائفة خاصة في الوسط المسيحي. وعمل الحزب في السنوات الماضية على استثمار الدعم الإيراني في اختراق التركيبة السنيّة وخاصة استقطاب الشبان بعد التعثرات المالية التي مني بها تيار المستقبل منذ اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005.
ويمتلك الحزب الدعم المالي والمؤسسات الكافية للنجاح في عملية الاستقطاب خاصة في ظل تمكنه من تحسين وضع فئات كبيرة من الطائفة الشيعية الواقعة تحت دائرة نفوذه.
وشرع إيرانيون ولبنانيون من المحسوبين على حزب الله في شراء مساحات أرض سكنية وأبنية قديمة في مناطق محورية في لبنان ومنها بيروت في عملية استبدال ديمغرافي مدروسة.
ويستغل الحزب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في المناطق التي تعود لمسيحيين لشراء أراض واسعة فيها، مستفيدا من التقارب بينه وبين القيادات المسيحية في الملفات السياسية وخاصة موضوع انتخابات الرئاسة.
ويفاخر حزب الله بأنه المالك لمفاتيح الحل في أزمة الرئاسة رغم أنها تعني بالأساس المكوّن المسيحي الذي تلجأ قياداته إلى أمين عام الحزب حسن نصرالله لزيادة حظوظها في الرئاسة.
وأكد نصرالله الجمعة دعمه ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، على الرغم من التقارب الأخير الذي حصل بين عون وسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، الخصم المشترك لعون وحزب الله.
وقال خبراء إن إيران تريد أن تستبدل الأنشطة غير الشرعية التي أدارتها عبر لبنان خلال فترة الحظر الدولي بمشاريع اقتصادية تعوض الأرباح التي كان حزب الله يجنيها من التجارة لصالح إيران وعمليات غسيل الأموال وشراء السلع المحظورة.
وتعتمد القيادة الإيرانية في تحقيق خطّتها على جالية لبنانية كبيرة في أفريقيا وكندا وأميركا اللاتينية عملت بنشاط كواجهة لأنشطة إيرانية لم تتمكن الولايات المتحدة من رصد أغلبها. ولم تشمل العقوبات التي فرضتها واشنطن على شركات أو أشخاص مقربين من حزب الله إلا هامشا صغيرا من حركة الأموال الإيرانية التي تتحرك في الخفاء لتكوين شبكات دعم وإسناد للحزب الشيعي أو لأذرع أخرى تابعة لها مثل الحوثيين في اليمن.
ولا يخفي الإيرانيون ارتياحهم لدعوات استبعاد اللبنانيين من الخليج، وأنهم يسعون لاستقطاب الرأي العام اللبناني لصالحهم في أجواء تعيد إلى الأذهان استبعاد الكثير من اليمنيين من مخالفي الإقامة في السعودية والذين انتهوا كبيئة حاضنة للحوثيين.
وبدأت دول الخليج خططا لمحاصرة تمويل حزب الله في دول مجلس التعاون وسط دعوات لطرد المتعاونين معه والذين يجمعون التبرعات لفائدته.
وأشار الخبراء إلى أن هدف إيران من السيطرة الاقتصادية والعسكرية على لبنان هو إيجاد موطئ قدم لها على المتوسط كما لم يحدث من قبل، وهو ما سيمكّنها من دور إقليمي أكبر في مفاوضة الغـــرب على مزيد من المكاسب خاصة بعد اتجاه الوضع في سوريا لتثبيت بقاء الرئيس بشار الأسد الموالي لها.
وحيازة موطئ قدم على المتوسط ستكمن إيران من التحرك بحرية في دعم المجموعات المقربة منها في أفريقيا وتقوية الشبكات التي يديرها حزب الله بالوكالة عنها، فضلا عن تكثيف جهودها في نشر التشيع.
صحيفة العرب اللندنية