أصبحت الغارة التي شنتها القوات الخاصة الأميركية ضد قائد كبير في مجموعة الدولة الإسلامية “داعش” في شهر أيار (مايو) الماضي، والتي شملت مجموعة من الاستخبارات، بمثابة المعيار الذهبي للكيفية التي تستشرف بها إدارة أوباما الحرب السرية ضد المتشددين. لكن البيت الأبيض ربما يكون بصدد زيادة العبء على العدد المحدود من جنود القوات الخاصة الأميركيين المتواجدين على الأرض، من خلال توقعات غير واقعية بقلب وجهة المد في كل من العراق وسورية.
هناك أقل من 200 رجل من قوات العمليات الخاصة الأميركية، هم الذين يشكلون “قوة الاستهداف الاستكشافية” لوزارة الدفاع الأميركية، التي قيل عنها الكثير ووصلت العراق مؤخراً لقتال المتشددين. لكن بضع عشرات وحسب هم الذين سيشاركون في الغارات، استناداً لما يقوله مسؤولون أميركيون. وثمة حتى فريق أصغر -حوالي 50 مشغلا خاصا- هو الذي تم إرساله إلى سورية.
نادراً ما تخوض وزارة الدفاع الأميركية في بحث المهمات السرية لرجال الكوماندوز الأميركيين، والتي تصفها إدارة أوباما بأنها تشكل جزءاً حاسماً من سعيها إلى “تكثيف” الحرب ضد “الدولة الإسلامية”. ولكن، ومع الإعلان عن نشرهم أمام الكونغرس، قال وزير الدفاع آش كارتر أن قوات النخبة الأميركية “ستنفذ غارات وتطلق سراح رهائن وستجمع معلومات وتعتقل” قادة في “الدولة الإسلامية” في كل من العراق وسورية.
وكان كارتر قد قال يوم الأول من كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن نشر القوات “يضع الجميع قيد الاخطار في سورية؛ لأنك لن تعرف أثناء الليل من سيأتي إليك من النافذة”.
الخطة
خلال الغارة التي شنت ليلاً في شرقي سورية في أيار (مايو) الماضي، قتلت قوة “دلتا” المسؤول المالي في “الدولة الإسلامية”، أبو سياف، بالإضافة إلى ما يصل إلى 11 من مساعديه بعد تبادل قصير لإطلاق النار. كما ألقت القبض على زوجته، أم سياف، وحملت أقراص حاسب صلبة وكميات من الوثائق المالية من مجمعه في طائراتها العمودية، بلاك هوك، قبل الطيران عائدة عبر الحدود إلى العراق.
وفي الأيام التالية، كشفت التسجيلات تفاصيل مهمة عن البنية التحتية النفطية لمجموعة “الدولة الإسلامية” في سورية. لكن الجائزة الفعلية كانت أم سياف، التي قدمت سياقاً تمس الحاجة إليه كثيراً للملفات، وكانت مصدراً حياً لبيان الكيفية التي تمول من خلالها المجموعة الإرهابية عملياتها. وخلال أشهر، واستناداً إلى تلك المعلومات، بدأت الضربات الجوية في استهداف العمليات النفطية للدولة الإسلامية عبر شرقي سورية، وعلى نحو حرم المتشددين من ملايين الدولارات من العوائد.
لكن ما أعقب الغارة التي أدت إلى القبض على أم سياف أشار أيضاً إلى إحدى نقاط الضعف المحتملة في خطة واشنطن: الحاجة إلى مرافق احتجاز واعتقال. فقد أغلق الجيش الأميركي كل السجون التي تدار أميركياً في العراق قبل مغادرته في نهاية العام 2011. ومن دون وجود مكان لاستمرار احتجاز أم سياف، اضطر المسؤولون الأميركيون إلى تسليمها للسلطات الكردية في آب (أغسطس) الماضي.
وفي الأثناء، لا توجد خطط لدى القوات الأميركية لإعادة فتح مراكز اعتقال في العراق، وفقاً لما قاله مسؤول دفاع أميركي لمجلة “فورين بوليسي”. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته: “ما يزال العمل جارياً لوضع التفاصيل المتعلقة بالاستجوابات، لكننا عموماً سنراقب فقط، وسوف يقاسمنا العراقيون المعلومات”.
ويعني ذلك أن مهمة مكافحة الإرهاب الأميركية في العراق من المرجح أن تفتقر إلى جمع قطع المعلومات الحاسمة من المعتقلين الذين قد يكونون أكثر رغبة في التحدث بعد أسابيع أو أشهر من المكوث خلف القضبان.
ويتساءل أكي بيريتز، محلل مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمؤلف المشارك لكتاب “جد وثبت واقض: في داخل حملات مكافحة الإرهاب التي قتلت بن لادن وحطمت القاعدة”، فيقول “إذا ألقيت القبض على أناس رفيعي المستوى، فما الذي تفعله بهم، وبكل المعلومات التي تأتيك منهم؟”
ويضيف بيريتز: “إذا استطعنا أن نخلق مهمة قائمة على معلومات الاستخبارات، فذلك عظيم. لكننا لا نستطيع اعتقال أحد، وذلك هو المصدر رقم واحد للمعلومات”. أصبح الحصول على معلومات موثوقة أصعب لأن هناك قوات أميركية أقل على الأرض. وفي أفغانستان، حيث تعول إدارة أوباما بقوة على عدد صغير من القوات الخاصة، أشتركت في عملية مأساوية نفذت في 3 تشرين الأول (أكتوبر) في قندز على مخاطر العمل بناء على استخبارات غير كاملة. وفي تلك الليلة، كان فريق من جنود القبعات الخضراء الأميركيين الذين أمضوا أياما طويلة في القتال مع القوات الخاصة الأفغانية، قد دعوا إلى توجيه ضربة جوية في بناية مجاورة، حيث اعتقد أن متطرفين من طالبان كانوا يختبئون فيها. لكن المعلومات غير المؤكدة التي أرسلت الى طائرة (إي. سي. 130) أسفرت عن ضرب الطاقم الجوي مستشفى خيرياً ما أدى الى مقتل 42 من العاملين الطبيين والمرضى. وأفضى الحادث الى توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب. وراهنا يدرس مسؤولون عسكريون أميركيون فرض عقوبات على العديد من الجنود الذين انخرطوا في العملية.
وضع موطئ القدم العسكري الصغير نسبيا في العراق وسورية، والمكون من حوالي 170 ألف جندي أميركي في العراق خلال أوج التمرد في العام 2007، مسألة القوة النيرانية في المقدمة. لكن خبراء قالوا أن في ذات المستوى من الأهمية –إن لم يكن أكثر- طائرات الاستطلاع والاستخبارات التي يتم جمعها على الأرض.
وقال الكولونيل المتقاعد، ستو برادن، الضابط السابق في القوات الخاصة الأميركية والذي ساعد في تأسيس القوات الخاصة التابعة للناتو، وهي قوات مركز التنسيق في أفغانستان وخدم كمدير لخلية انتشار هناك: “يمكنك أن تشغل هذه المنظومة، وسوف تشاهد اختلافاً كبيراً”.
وقال أن الاستطلاع على مدار الساعة من الجو وجمع استخبارات أرضية يساعدان المخططين العسكريين بشكل مستقل على الحكم على الغارات والعمليات الأخرى، بينما تكون لديك صورة عن شبكة المتمردين، على النحو الذي صنعه الأميركيون بتعب في العراق وأفغانستان في أوج هاتين الحربين.
وقال برادن: “يكون حجم جانب الاستخبارات عن المنزل وحده هائلاً، وباستطاعتك فقط أن تجمع جزءا من ذلك عن بعد –لكنك تحتاج حقاً إلى وجود موظفي استخبارات موجودين مع المشغلين (على الأرض)”.
وقال أيضاً أن الأمر يحتاج على الأقل إلى ثلاثة أو أربعة محللي استخبارات وموظفي دعم لإدارة عملية للقوات الخاصة، في مقابل كل جندي على الأرض.
طريقة مكريستال
كرئيس لقيادة العمليات الخاصة المشتركة، حول الجنرال ستانلي ماكريستال المتقاعد الآن الطريقة التي يشن بها رجال الكوماندوز الأميركيون الحرب. وأشرف ماكريستال على المهمات التي أدت الى قتل زعيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، والأكثر شهرة: اعتقال صدام حسين.
وخلال ذروة الحرب الأميركية في العراق، خلق ماكريستال والجنرال ديفيد بيترايوس ما تدعى مراكز الانتشار التي صب منها محللون للاستخبارات وقوات العمليات الخاصة المعلومات سوية للمساعدة في التخطيط للمهمة التالية.
وقالت ليندا روبنسون، المحللة في مؤسسة راند، والتي وضعت عدة كتب عن القوات الخاصة إن المحللين كانوا “ينتقدون انتشار القطع المختلفة من الاستخبارات، نظراً لأن المشغلين التقطوها من ميدان المعركة”. وأضافت: “سوف يخرجون وينفذون الغارة، وسيلقون القبض –وهذا مهم جدا– على عكس قتل الأشخاص عند الهدف، ثم يستطيعون جمع استخبارات بشرية منهم”.
تبقى مقاربة ماكريستال التعاونية نموذجا للمهمات المتواصلة في العراق وسورية، كما قال عدة مسؤولين أميركيين لمجلة “فورن بولسي”. لكن الجهد الآن، كما أشار المسؤولون، أصبح أصغر على درامي، حيث هناك مجرد عشرات من الكوماندوز بدلا من آلاف في منطقة المعركة. وهذه المرة، سيعمل الكوماندوز الأميركيون بشراكة مع نظرائهم الأكراد والعراقيين.
لطالما قاوم الرئيس باراك أوباما، الذي كان قد تعهد عند انتخابه بإنهاء الحروب وليس بدئها، بإرسال قوات خاصة الى العراق أو سورية. وحتى وقت متأخر، عولت إدارة أوباما على القوة الجوية وتدريب قوات محلية لخوض القتال واسع النطاق ضد “الدولة الإسلامية”.
ولكن أوباما غير المسار، نظرا لتعرض الحملة العسكرية الأميركية لضغط متصاعد –مختارا تكتيكاً تم تبنيه خلال الحربين في العراق وأفغانستان. وفي البنتاغون في الشهر الماضي، امتدح أوباما دور القوات الخاصة وحذر من أن قادة “داعش لا يستطيعون الاختباء”، وقال أوباما: “رسالتنا التالية إليهم بسيطة: أنتم تاليا”.
وهذا الشهر، اقترح آش كارتر إرسال المزيد من الكوماندوز إلى لعراق قريبا، فيما يحث مسؤولو البنتاغون الحلفاء الأوروبيين على نشر قوات الكوماندوز الخاصة بهم. وقال كارتر عن الوحدة الجديدة من قوات العمليات الخاصة: “كلما استخدمناها أكثر كلما تعلمنا أكثر عن الاستخدامات الإضافية لها. وكلما فعلنا ذلك كلما عرفنا أكثر ما الذي نستطيع أن نفعله تالياً”.
لكن، ومع وجود حفنة فقط من القوات البرية الأميركية، وبالافتقار الى شركاء محليين دائمين يمكن الاعتماد عليهم، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت قوات العمليات الخاصة الأميركية تستطيع إلحاق ضرر كبير بمجموعة “الدولة الإسلامية”.
وسيعهد الى القوات الكردية والعراقية التصرف وفق الاستخبارات المجمعة من جانب الولايات المتحدة. ومع ذلك، يبدي المسؤولون الأميركيون تفاؤلا حذرا إزاء قدرة الأكراد، ويقرون في أحاديث خاصة بأن الجيش العراقي يظل معاقا بسبب القيادة ومشاكل المعنويات.
كما أن من غير المؤكد ما إذا كانت القوات المحلية ستكون قادرة على مساعدة القوات الخاصة الأميركية التي تجد نفسها عالقة في في قتال. وكان مصدر قلق أقل في الماضي عندما كان القادة يعتمدون على وحدات إنقاذ في الجوار لتبرير خوض غمار المزيد من المخاطر، كما قال محللون.
لا يعرف على وجه التحديد كم عدد العمليات التي قام بها رجال الكوماندوز الأميركيون في الأشهر الأخيرة، أو ما الذي يفعلونه بالضبط في العراق وأفغانستان وسورية. وهناك فقط أربع مهمات على مدار العام الماضي حظيت بملاحظة العامة: غارة أبو سياف؛ وقندوز؛ واثنتان أخريان أسفرتا عن مقتل أميركيين.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قتل رقيب قوة “دلتا” جوشوا ويلر في غارة على سجن تابع لمجموعة “الدولة الإسلامية” بالقرب من الحويجة في العراق. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وتحديداً يوم 5 كانون الثاني (يناير)، أسفرت معركة بالأسلحة النارية في مقاطعة هلميند في أفغانستان عن مقتل الرقيب ماثيو ماكلنتوك، وجرح آخرين من ذوي القبعات الخضراء وإلحاق ضرر كبير بطائرة عمودية أميركية.
وكانت محاولات مبكرة لتعزيز القوات الأميركية في قتال هلمند قد فشلت بعد أن كسرت طائرة عمودية إحدى مراوحها أثناء هبوطها، فيما طوردت الأخرى بنيران طالبان. واستغرق أمر وصول فرقة إنقاذ لهذا الفريق في النهاية عدة ساعات بعد حلول الظلام.
وأبرزت العملية المخاطر والصعوبات التي تواجهها راهنا القوات الخاصة فيما هي تنفذ غارات بوجود استخبارات غير كاملة لديها وقوة جوية محدودة وموطئ قدم عسكري صغير.
وتقول تقارير أخيرة أن وحدة صغيرة من القوات الخاصة الأميركية قامت بعمليات في القاعدة الجوية، أرميمين، في المنطقة الكردية السورية بالقرب من الحدود مع العراق وتركيا، لكن مسؤولين أميركيين امتنعوا عن التعليق. وقال الكولونيل ستيف وارن، المتحدث العسكري الأميركي في بغداد للصحفيين: “بسبب الطبيعة الخاصة لهذه القوات، من المهم جداً أن لا نبحث بشكل محدد مكان تموضعها، فذلك يضع تلك القوات تحت مزيد من الخطر”.
قبل خمس أو عشر سنوات، كان هناك عشرات الآلاف من القوات الأميركية في أفغانستان أو العراق، وكانت وحدات الكوماندوز تعمل بكامل طاقتها.
وتم تنفيذ ما يقدر بنحو 12 غارة من العمليات الخاصة في عموم أفغانستان في نفس الليلة التي قتل فيها الفريق 6 من قوات الفقمة أسامة بن لادن في أيار (مايو) من العام 2011. كما أن عملية ملاحقة الزرقاوي الناجحة في حزيران (يونيو) 2006 جاءت فقط بعد أن “طاردت الولايات المتحدة عشرات من الأشخاص لاصطياده”. كما قال بيرز. وحتى في حرب غير متوقفة بذلك الحجم، والتي قتل فيها عدد من القادة المتشددين أو ألقي القبض عليهم، فإن الولايات المتحدة فشلت في القضاء تماما على القاعدة في العراق، والتي تحولت منذئذٍ الى “الدولة الإسلامية”.
وقال بيريز: “لن تكون عملية صرفة لمكافحة الإرهاب لن تكون فعالة –ما لم تكن لديك قطع الاستخبارات لدعمها”.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد