تمثل مدينة حديثة العراقية غربي الأنبار حالة منفردة عن مثيلاتها من المدن المجاورة لها والكبيرة نسبيا مثل هيت وعنة وراوة والقائم، والتي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في وقت سابق من عام 2014، حيث صمدت المدينة أمام محاولات التنظيم المستمرة للسيطرة عليها.
لكن المدينة تعيش منذ أكثر من عام ونصف العام حصارا خانقا من جهاتها الأربع ضرب كافة نواحي الحياة فيها. فأسعار المواد الغذائية فيها ترتفع بشكل جنوني، ويعاني سكانها من عدم القدرة على الخروج منها إلا عن طريق قاعدة عين الأسد الجوية في ناحية البغدادي القريبة.
وتسيطر على المدينة حاليا قوات الجيش العراقي وصحوات عشيرة الجغايفة الأكثر نفوذا هناك، ورغم كل هذه الظروف المحيطة يبدو سير الحياة داخل القضاء شبه عادي، فقد تعود السكان على الحصار إلى حد كبير وتأقلموا معه، لكنهم يواجهون صعوبات في الحصول على الغذاء والدواء، حيث لا تستطيع الحكومة المركزية تلبية متطلبات المدينة بشكل كامل، رغم الإمدادات والشحنات الغذائية التي تصلها بين الفينة والأخرى.
ويروي قائمقام المدينة مبروك حميد مهدي للجزيرة نت صورا من معاناة السكان، والمخاوف من انتشار الجوع واقتحام تنظيم الدولة للمدينة.
لكنه يؤكد أنهم تجاوزوا الجزء الأخطر في هذا الحصار، حيث بدأت المواد الغذائية تتوفر في الأسواق وبأسعار أقل بكثير مما كانت عليه قبل شهور، بالإضافة إلى أن السلطات الحكومية بدأت تقدم تسهيلات أكثر للراغبين بالسفر باتجاه بغداد للعلاج أو العمل أو الدراسة عن طريق تسهيل شروط الموافقات الأمنية.
وأضاف أن القضاء بجميع نواحيه آمن اليوم بعد صد هجوم التنظيم الأخير على منطقتي بروانة والحقلانية التابعتين للمدينة وبعض القرى المحيطة بهما.
ملامح انفراج
وبسبب الحصار الخانق الذي تعيشه المدينة، فإن المسؤولين والتجار يواجهون صعوبات كبيرة في إدخال المواد الغذائية والأدوية إلى المدينة، فيضطرون أحيانا إلى سلوك طرق مهجورة في أعماق الصحراء والتنقل عبرها وصولا إلى المدينة، كما يحكي للجزيرة نت الصحفي حسن الراوي الذي يعيش داخل حديثة.
ويؤكد حسن أن أحد أسباب ارتفاع أسعار هذه المواد هو صعوبة إيصالها عبر الصحراء أو عن طريق الجو، بالإضافة إلى بعض تجار الأزمات الذين استغلوا حاجة الناس وانقطاع الطرق فرفعوا أسعار الطعام ومشتقاته لدرجة أن سعر كيس الطحين بلغ قبل أشهر حوالي مليون دينار (أكثر من 800 دولار)، لكن سعره انخفض اليوم كثيرا بعد وصول شحنات غذاء كبيرة من بغداد وعدد من المحافظات.
مقاتلون متأهبون
وعلى السواتر المحيطة بالمدينة ينتشر مقاتلو عشيرة الجغايفة بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، خوفا من اقتحام تنظيم الدولة للقضاء، وتصفية ثاراتهم مع العشيرة، التي كانت من أوائل من حمل السلاح ضد تنظيم القاعدة إبان الاحتلال الأميركي مع بعض العشائر الأخرى.
ورغم أن التنظيم استطاع سحق العشائر التي تصدت له في المنطقة مثل البونمر والبومحل والكرابلة وغيرهم، فإن الجغايفة ظلوا حجر عثرة أمام تمدده في بيئة يعتبرها مجالا حيويا له جغرافيا وديمغرافيا.
وقد جاء تهديد الناطق باسم تنظيم الدولة أبو محمد العدناني قبل عدة أشهر موجها بشكل خاص إلى هذه العشيرة، متوعدا إياها بالحرب والإبادة.
ويُظهر أبو سطام الجغيفي، وهو أحد مقاتلي العشيرة، الكثير من الاستهانة بهذه التهديدات مع إقراره بقدرة التنظيم على إحداث مفاجآت في المنطقة، قائلا للجزيرة نت إنهم لن يتهاونوا في القتال حتى آخر رجل منهم -على حد تعبيره- لمنع التنظيم من اقتحام المدينة، ملقيا باللوم على بعض القيادات العسكرية والأمنية لتأخرها في إرسال الإمدادات العسكرية لهم وفكّ الحصار عن القضاء، مقارنة مع مدن أخرى تعرضت لحصار التنظيم كآمرلي وغيرها.
الجزيرة نت