تحرص دولة الإمارات منذ تأسيسها على مد جسور الصداقة والإخاء مع مختلف دول العالم، فهي تنقل رسالتها للسلام والمحبة، وتعلي من قيم الإخاء والتعاون المشترك، وتأتي في مقدمة هذه الدول دولة الهند التي تجعمها علاقات ثنائية متميزة بدولة الإمارات، وتتميز هذه العلاقة بأنها محصلة لتاريخ طويل مميز، وعلى الرغم من أن تلك الخصوصية، وإن ارتبطت في بعض تجلياتها بما هو ثنائي، فإنها لم تكن يوماً مقتصرة على ذلك الجانب من دون نظر واسع وشامل إلى الهموم الكبرى، والقضايا المصيرية التي تواجه منطقة آسيا في عالم كثير التحديات، وكثير المتغيرات.
وقد ظلت تلك الرؤية الثاقبة توجهاً ثابتاً في سياسة دولة الإمارات تجاه قضايا العالم، تسهم بكل جهد لتتجاوز تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق، تصح قراءة العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات والهند، التي تستمد خصوصيتها أصلاً من حقائق التاريخ. والزيارة التي بدأها يوم الأربعاء الموافق 2016/2/10 صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي تعكس هذا الاستيعاب الإماراتي الرفيع للسياسة باعتبارها عبقرية فهم الجغرافيا والتعامل مع حقائقها.
فالجغرافيا هي بيئة السياسة، أما السياسة ذاتها فهي في بعض أوجهها عبقرية فهم الجغرافيا واستيعاب حقائقها. وفق هذه الاستراتيجية تنطلق الأمم التي تتطلع إلى أن يكون لها دور فعال في صناعة التاريخ، وبلورة المستقبل، من خلال تفعيل حقائق الجغرافيا على خريطة العلاقات السياسية، فالجوار الجغرافي يظل، إلى جانب عوامل أخرى، أحد أبرز المدخلات في العلاقات الدولية، مع ما يرافقه من قضايا أمنية وبيئية وثقافية تفرضها حقائق المشترك الجغرافي، ما بين دولة الإمارات وجمهورية الهند، والذي يتجاوز مجرد الجوار في المكان، فبينهما شراكة التاريخ ومصالح كبيرة، وزيارة سموه تعكس حرص القيادة في الدولة على تنمية المصالح المتبادلة بين الدولتين، باعتبار تلك المصالح السياج الحقيقي للأمن الإقليمي.
كما تعكس أيضاً حيوية السياسة الخارجية الإماراتية، ورسوخ مبادئها في الوقت نفسه، فضلاً عن أنها تعبر عن روح المبادرة التي تعكس ثقة بالذات، واستعداداً رفيعاً للتحاور والتفاهم والتعامل مع الآخر، حيث إن لقاءات سمو ولي العهد المتعددة مع قادة وزعماء العالم تعكس مكانة وثقل دولة الإمارات، ما يجعلها رقماً صعباً في تشكيل خريطة المنطقة، ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية، وتكشف عن قدرة دبلوماسيتها على احتواء الأزمات، وبلورة تفاهمات مع الأطراف الإقليمية والدولية كافة، من أجل استقرار المنطقة.
وتحرص دولة الإمارات في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى، التي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت كانعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والدولي. وللهند مكانة خاصة في الموروث الثقافي العربي والإسلامي، ففيها نشأت أعظم الإمبراطوريات الإسلامية، وهي إمبراطورية المغول، واختلطت على أرضها الثقافة العربية الإسلامية مع الثقافة الهندية.
وعندما ظهرت الهند الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، بادرت إلى مد جسور التواصل مع الدول العربية، وأسست معها علاقات دبلوماسية، وكانت العلاقة بينها وبين دولة الإمارات إحدى أهم تلك العلاقات نظراً لأنها قديمة وضاربة في أعماق التاريخ، ومبنية على أسس من الأهداف والقيم المشتركة.
وقد فتحت دولة الإمارات، منذ تأسيسها، ذراعيها لاستقبال جالية هندية كبيرة، وتقوم هذه الجالية بدور رئيسي ضمن الشرائح الاجتماعية الأخرى في الدولة. وكانت زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى الإمارات بتاريخ 16 أغسطس/آب 2015 نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين، لأنها تميزت بتخطيطها المسبق، وبرنامجها المكثف وأجندتها الثرية، وتمخضت عن تفاهم استراتيجي مهم، خاصة في مجال الطاقة والاستثمار، وإقامة حوار استراتيجي أمني بين حكومتي البلدين، والاعتراف ببروز الهند كوجهة جديدة لفرص الاستثمار الإماراتي، وإنشاء الصندوق الإماراتي الهندي لجمع 75 مليار دولار من أجل دعم خطط الاستثمار في الهند، خاصة في مشاريع البنى الأساسية مثل: قطاع الطاقة، والسكك الحديدية، والموانئ، والطرق، والمطارات، والمناطق الصناعية.
والواقع أن الإمارات سعت دوماً لتعزيز علاقاتها مع مختلف الدول، ولاسيما مع جمهورية الهند، كونها دولة محورية في آسيا، ولها دور متعاظم على صعيد توازن القوى العالمية، خاصة أنها إحدى دول تجمع «بريكس» الذي يهيئ نفسه ليكون نظاماً اقتصادياً وسياسياً عالمياً بديلاً عن النظام العالمي الغربي الراهن. ورغم أن الدور العالمي للهند مازال متواضعاً بسبب اهتمام هذه الدولة بالتنمية الداخلية لشعبها، لكنها تضع الأسس المطلوبة لتتحول إلى قوة عالمية عظمى في المستقبل القريب، وهي اليوم تملك مقومات هذه القوة، سواء من حيث عدد السكان الذي تجاوز المليار نسمة، أو من حيث القوة الاقتصادية، فالناتج المحلي الإجمالي فيها يُصنف كواحد من الأسرع نمواً في العالم، أو من حيث القوة العسكرية، إذ تملك قدرات نووية، ولديها برامج عسكرية متقدمة، وتلتزم الهند بالوقوف إلى جانب القضايا العربية والإسلامية، خاصة قضية فلسطين.
وقد تبوأت الإمارات مركز الشريك التجاري الأول للهند في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والثالث عالمياً، كما حلت في المركز الثاني عالمياً بالنسبة للصادرات الهندية، وبحصة مساهمة بلغت 10.6%، بحسب أحدث تقرير لوزارة الاقتصاد حول العلاقات التجارية والاقتصادية بين الإمارات والهند.
ومن هذا المنطلق، جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الهند لتؤكد عمق العلاقات الإماراتية الهندية وآفاقها الواعدة، ولتمنح البلدين الفرصة لمناقشة القضايا المشتركة، ولاسيما قضايا الطاقة والاستثمار والتنمية الاقتصادية، ومن دون شك سوف تؤسس هذه الزيارة لعلاقات راسخة بين الدولتين، وفي مختلف الجوانب، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إذ تملك الإمارات رأس المال القادر على الاضطلاع بدور رئيسي في تنمية الاقتصاد الهندي وتنويع مصادر دخله، كما تملك البيئة المناسبة لتتحول إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا المتقدمة القادمة من الهند، وهناك إرادة سياسية إماراتية هندية مشتركة لتعزيز الاستقرار في منطقة بحر العرب والخليج العربي، وبما يعود بالفائدة على الهند، وعلى مختلف الشعوب العربية في منطقة الخليج.
محمد خليفة
صحيفة الخليج