يشهد الاقتصاد العالمي حالياً تباطؤا هو الأشد منذ الأزمة المالية العالمية العام 2008. إذ يتسبب برنامج التحول الاقتصادي الذي تنفذه الصين للتخفيف من اعتمادها على الأسواق التصديرية، وتعزيز اعتمادها على الاستهلاك المحلي، في تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجع النمو فيه إلى أدنى مستوى له منذ بداية القرن الواحد والعشرين.
وقد تجاوز التباطؤ حدود الصين، فطال اقتصادات الدول الغنية بالموارد الطبيعية، والتي لطالما اعتمدت على النمو المتسارع في الاقتصاد الصيني، مثل كندا وأستراليا والبرازيل.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، جاءت تصريحات “لجنة السوق المفتوحة” الفيدرالية لتعزز الشكوك بشأن قدرة الاقتصاد الأميركي على النمو وسط التقلبات الاقتصادية العالمية، والتراجعات الحادة التي طرات على الأسواق العالمية، لاسيما الناشئة منها. ولم تكن النتائج المخيبة للشركات الأميركية وأرقام الناتج المحلي الإجمالي الأميركي للربع الأخير من العام 2015، إلا تأكيدا على صحة مخاوف الفيدرالي بشأن النمو الاقتصادي.
أما في اليابان وأوروبا، فتخوض البنوك المركزية حربا ضارية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، دفعت بالبنكين المركزيين؛ الياباني والأوروبي، إلى استخدام أسلحة غير تقليدية، كتخفيض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر بالمائة.
إقليميا، تبدو الصورة أكثر قتامة. إذ ما يزال المشهد الجيوسياسي والتحول الجذري في موقف الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة، إزاء الملف السوري، يلقي بظلال ثقيلة على اقتصادات المنطقة. فالمؤشرات تشي بأن السعودية، ومن خلفها منظمة “أوبك”، ماضية في سياسة حرق أسعار النفط، إلى حين تحقيق مكاسب سياسية في سورية واليمن. وهو ما يعني أن اقتصادات الخليج ستكون بمواجهة عجوزات مالية كبيرة ونكوص في النشاط الاقتصادي في دول الخليج العربي. ويشار هنا إلى أن صندوق النقد الدولي كان توقع مؤخرا أن يراوح معدل النمو الاقتصادي (غير النفطي) في السعودية مستوى 1 %.
السؤال الذي يطفو على السطح: ما هي الانعكاسات المحتملة لما سبق على الاقتصاد الأردني؟
يعتمد الاقتصاد الأردني، إلى حد كبير، على اقتصادات دول الخليج. ويتجلى هذا الاعتماد في ملفات عدة، أبرزها المساعدات والمنح المالية التي توفرها دول الخليج لموازنة الدولة، وحوالات الأردنيين العاملين في أسواق الخليج والتي تضم النسبة الأكبر من الأردنيين العاملين في الخارج؛ حيث يبلغ عدد الجالية الأردنية في السعودية وحدها حوالي 400 ألف أردني من أصل 750 ألف مغترب أردني حول العالم. وتصوروا لو خسر جزء يسير فقط من هؤلاء وظائفهم وعادوا إلى الأردن لينافسوا طالبي العمل في سوق العمل الأردنية المتخمة بالعاطلين على العمل. وحتى لو لم نذهب إلى افتراض الأسوأ، فالأكيد أن ميل العاملين في دول الخليج، وعائلاتهم التي تعتاش على حوالاتهم، إلى الإنفاق سينخفض بشكل كبير، تحسبا للأسوأ.
يضاف إلى ملفي المساعدات الخارجية وحوالات الأردنيين العاملين في أسواق الخليج، الأهمية الاستراتيجة للأسواق الخليجية بالنسبة للصادرات الأردنية، لاسيما في ظل الانسدادات الحدودية التي تواجه صادراتنا شمالا. وتشير الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة للـ11 شهرا الأولى من العام 2015، إلى أن صادراتنا لأسواق الخليج شكلت 29 % من إجمالي الصادرات المحلية؛ حصة السعودية وحدها منها تبلغ حوالي 60 %.
من جهة أخرى، من المستبعد في ضوء الظرف السياسي والاقتصادي العالمي أن يحرز القطاع السياحي نتائج إيجابية. ذلك أن الحراك السياحي (باستثناء الديني والعلاجي)، يعد مظهرا من مظاهر الرخاء الاقتصادي، ناهيك عن أن كلف السياحة في الأردن قد ارتفعت على الكثير من السياح جراء الارتفاع المطرد في سعر صرف الدولار، خصوصا أمام عملات دول الاقتصادات الناشئة.
وتراجع السياحة لا بد أن يؤثر على قطاع العقار الذي يشهد أصلا تراجعا ملموسا، ظهرت إرهاصاته منتصف العام الماضي عبر مؤشري رخص البناء والمساحات المبنية. وهو التراجع الذي أثار قلق الحكومة إلى الحد الذي دفعها إلى إعفاء الشقق السكنية (بمساحات معينة) من رسوم التسجيل، بالرغم من ظرفها (أي الحكومة) المالي الصعب.
أما حالة عدم الاستقرار الإقليمي، فمن شأنها أن تضعف المملكة كوجهة للاستثمار الأجنبي. إذ بالرغم من الاستقرار الذي تنعم فيه المملكة، فإن نظرة رأس المال الأجنبي للأردن لا تعدو كونه جزءا من منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالاضطرابات السياسية والأمنية. وإلا فكيف يمكن تفسير تراجع الاستثمار الاجنبي المباشر خلال العام 2015 بنحو 40 %، بالمقارنة مع العام 2014؟
بدوره، لم يبد القطاع الخاص المحلي الرغبة في الاستثمار والتوسع، فهو الآخر يعيش حالة من الترقب يصعب أن تتبدد قبل أن يبدأ ضباب عدم الاستقرار في المنطقة بالانقشاع. لذلك، نجد أن طلب القطاع الخاص على التسهيلات الائتمانية خلال العامين 2014 و2015 قد هبط إلى مستويات هي الأقل منذ 10 سنوات.
العام 2016 سيكون عاما صعبا على الاقتصاد المحلي؛ فاقتصادنا ليس بمعزل عما يجري حوله، بل هو منفتح على العالم، يتأثر به ولا يؤثر عليه نظرا لصغر حجمه. ومن كان يعول على انخفاض سعر النفط، عليه أن يعيد حساباته. كيف لا، واقتصادنا يعتمد كل هذا الاعتماد على الدول المصدرة للنفط؟
محمد عاكف الزعبي
صحيفة الغد الأردنية