لا يعكس العداء المذهبي الظاهر بين إيران وتنظيم داعش حقيقة ما يجري على الأرض من توافق ثنائي صامت يلتزم فيه كل طرف بتجنب استهداف مصالح الطرف الآخر، لكنهما يشتركان في السعي إلى تفتيت المنطقة وتغذية النزاعات الطائفية.
ويدفع العرب أضعاف ما أنفقته إيران في تقوية تنظيم داعش عبر تصاعد الاضطرابات في المنطقة واستنزاف الموارد.
ورغم أن أدبيات داعش تعتبر إيران والمجموعات الشيعية المرتبطة بها “روافض” وجب قتالهم، إلا أن منظري التنظيم حاليا، أو حتى قبل انشقاقه عن “القاعدة” كانوا يحثون على تجنب استهداف مصالح إيران التي سهلت دخول قيادات “القاعدة” ومقاتليها بعد التدخل الأميركي في أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001 إلى أراضيها، ولاحقا مهدت لهم الطريق لدخول العراق بعد غزو 2003.
وكشفت تقارير مختلفة أن طهران تغاضت عن عبور مقاتلي التنظيم لأراضيها وسمحت بتجمعهم في العراق، وسهلت وصول الأسلحة والدعم لهم ليتحولوا إلى قوة قادرة على الاشتباك مع ميليشيات الأحزاب الدينية المرتبطة بها، لتبرر تدخلها الواسع في العراق وانتشار الحرس الثوري على أراضيه.
ومنذ انشقاقه عن “القاعدة” في 2012، لم يهاجم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أي هدف إيراني، وتجنب الدخول في مواجهة مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومع الميليشيات المرتبطة بإيران والتي تدخلت إلى جانب الأسد في سوريا، مثل حزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق العراقية.
لكن إيران تعتمد خطابا لشيطنة داعش لتبرر تدخلها في سوريا تماما مثلما بررت تدخلها في العراق بشيطنة القاعدة، وهي تضخ أموالا كثيرة لدعم حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن بدعوى قطع الطريق أمام القاعدة وداعش.
ويحمل الإعلام الإيراني المملكة العربية السعودية مسؤولية انتشار التنظيم، والمفارقة هنا أن القاعدة وداعش اللذين يلتزمان بعدم استهداف المصالح الإيرانية، يركزان على استهداف أمن السعودية من خلال استهداف المساجد ورجال الأمن.
وفي اليمن، يقيم التنظيمان هدنة دائمة مع الحوثيين حلفاء إيران، وفي الوقت نفسه يهاجمان حلفاء السعودية، وخاصة بعد تحرير عدن حيث كثفا من استهداف رموز الشرعية اليمنية، في خطوة الهدف منها تأكيد عدم الاستقرار، وهو ما يخدم مزاعم الحوثيين.
وسبق أن وصف وزير الخارجية السعودية عادل الجبير تفجيرات داعش في بلاده بأن الهدف منها إشعال الفتنة الطائفية، وقال إن “تنظيم داعش يرتكب جرائمه ضد كل العرب ولكنه لم يهاجم إيران”.
وعبر الكاتب الأميركي توماس فريدمان عن شكوكه بقدرة العرب السنة على تحطيم تنظيم داعش، طالما استمرت إيران في التصرف كدولة شيعية مارقة لا كدولة طبيعية.
وأكد في مقال تحت عنوان “حلول الشرق الأوسط الكثيرة” نشرته صحيفة نيويورك تايمز أنه “سوف تتغذى دولة اللادولة المسماة بدولة داعش والدولة الشيعية المارقة إيران على بعضهما البعض”.
وطالب فريدمان الرئيس الأميركي القادم بأن يفكر في ما أسماه “دولة اللادولة في سوريا” وهي الدولة التي بات يسيطر عليها بشار الأسد وداعموه من الروس والإيرانيين، لأنها ستكون جرحا غائرا في الصدر ينزف لاجئين إلى أوروبا.
وتعيد إيران إنتاج داعش بشكل آخر، بالمساعدة في تقوية الميليشيات المتشددة في العراق لضمان استمرار القلق والاضطراب في العراق والمنطقة ككل، والدفع نحو إلهاء المحيط الإقليمي في المعارك الدينية والمذهبية واستنزاف موارد دول الجوار في قضايا هامشية بدل استثمارها في التنمية والتطوير.
وأغدقت إيران أموالا بمئات الملايين في العراق على المجلس الإسلامي الأعلى، والتيار الصدري، وحزب الدعوة، وحزب الفضيلة، وهي أحزاب تسيطر على المؤسسات الحساسة، وتوظف أموال النفط في تقوية الميليشيات التابعة لها، لتسير ضمن مشروع إيران الذي يستعدي دول الجوار ويعمق حالة العداء الطائفي بين مكونات المجتمع العراقي.
وتحتاج إيران إلى 500 مليون دولار أو مليار كأقصى حد في لبنان تقدمها لحزب الله كي تستنزف موارد سعودية وعربية ولبنانية بالمليارات لمواجهة أنشطته التخريبية وتسلل شبكات تابعة له إلى دول خليجية، وهو ما كشفت عنه تحقيقات مع خلايا تم ضبطها في السعودية والكويت والبحرين.
صحيفة العرب اللندنية