بدلاً من إلحاق الهزيمة بالإرهاب، خدمت الحرب لصالح تفاقمه؛ حيث أصبح تنظيم القاعدة وخليفه “داعش” يتمددان في 16 بلداً على الأقل.
* * *
ما يزال برني ساندرز يتعرض للانتقادات على نحو غير عادل لكونه صاحب الملاحظة الواحدة حول السياسة الخارجية، لأنه يذكر الناخبين باستمرار بمعارضته المبكرة للحرب الأميركية على العراق.
ولتفسير السبب في استمراره بالتشديد على أهمية قراره بمعارضة تلك الحرب، أشار ساندرز إلى الكلمة التي كان قد ألقاها وراءً في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2002، والتي كان قد طرح فيها خمسة أسباب مهمة لخشيته من توجه إدارة بوش نحو الحرب.
وكان المنتقدون والساخرون قد استبعدوا بصفاقة فهمه للشؤون الخارجية، وتجاهلوا بذلك تلك الكلمة المهمة.
ولأن تلك الكلمة كانت دقيقة جداً، فإنها تستحق الانتباه وليس الاستهزاء. وفيما يلي، أذكر باختصار تلك المسوغات الخمسة التي طرحها ساندرز في العام 2002 لمعارضة حرب العراق:
1 – لم توفر إدارة بوش أي “تقديرات عن كم من الرجال والنساء الأميركيين الشباب الذين قد يموتون… أو كم من عشرات الآلاف من النساء والأطفال في العراق قد يقتلون”.
2 – ثم هناك الخوف “من السابقة التي قد يؤسسها غزو العراق من جانب واحد فيما يتعلق بالقانون الدولي، ودور الولايات المتحدة والأمم المتحدة”.
3 – ولأن الولايات المتحدة كانت “منخرطة في حرب صعبة جداً ضد الإرهاب الدولي”، ردد ساندرز أصداء مخاوف برنت سكاوكروفت من أن “هجوماً على العراق… من شأنه أن يخل، على نحو خطير، إن لم يكن مدمراً، بحملة مكافحة الإرهاب العالمية”.
4 – ومع تحمل الولايات المتحدة “6 تريليونات دولار كدين قومي وعجز متنام… فإن حرباً واحتلالاً أميركياً طويل الأمد للعراق قد يكونان مكلفين جداً”.
5 – وأخيراً أعرب ساندرز عن قلقه من “التداعيات غير المقصودة” للحرب. “من سيحكم العراق (بعد) صدام، وما هو الدور الذي ستضطلع به الولايات المتحدة في الحرب الأهلية التي ستتبع، والتي يمكن أن تتطور؟”. وفي رد الفعل على الحرب، هل سيزعزع المتطرفون استقرار الحكومات الأخرى في المنطقة؟ وهل سيتفاقم “الصراع الدموي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟”.
لفهم مغزى هذه النقاط الخمس، من المهم استحضار السرد الزائف الذي وظفته إدارة بوش، وكيف كانت تعد العدة في التهيئة للغزو، وماذا حدث بالفعل نتيجة لقرارها الكارثي القاضي بالذهاب الى الحرب.
في التحضير للأعمال العدوانية، أنشأ حشد بوش شبكة كبيرة من الخداع لتسويق خططهم. ولم تكن الأكاذيب الأكبر التي لفقوها هي الخاصة بالبرنامج النووي لصدام. لكن ما كان أكثر إزعاجاً هو الصورة الوردية التي رسموها عن مدى السهولة التي ستكون عليها الحرب، والمحصلات الايجابية التي ستتبعها.
كان مسؤولو وزارة الدفاع قد أكدوا للكونغرس أن الجهد سيتطلب فقط التزام ما يتراوح بين 60000 و90000 من القوات الأميركية. وتنبأوا بأنه سيتم قلب النظام في غضون ستة أسابيع، وبأنه سيتم كسب الحرب في غضون ستة أشهر، ما يكلف الولايات المتحدة مجرد مبلغ يتراوح بين مليار وملياري دولار؛ حيث ستتم تغطية الباقي من خلال العوائد النفطية العراقية. وسوف يرحب العراقيون بالقوات الأميركية باعتبارها قوات تحرير، و”ستسطع منارة الحرية بألق منيرة الشرق الأوسط برمته”.
من الطبيعي أن ما حدث كان قريباً مما كان ساندرز قد تنبأ به. فبعد ثمانية أعوام دموية من الحرب والاحتلال، ومقتل أكثر من 4600 أميركي، وحيث تمزقت حياة عشرات الآلاف الآخرين بسبب الإصابات الموهنة واضطرابات ما بعد اضطرابات الصدمة.
ولعل من التداعيات الأكثر إزعاجاً لهذه الحرب، هي التي تتجلى في المحاربين القدامى الـ22 الذين ينتحرون في كل يوم -ما يعني أننا نفقد المزيد من الرجال والنساء الشباب في كل عام بسبب الانتحار الناجم عن اضطرابات ما بعد الصدمة أكثر مما فقدنا على مدار الحرب برمتها. أما تكلفة الحرب والاحتلال والرعاية طويلة الأمد للمحاربين القدامى الجرحى، فتقترب من الوصول إلى 3 تريليونات دولار.
وما يفاقم هذه المأساة هم مئات الآلاف من العراقيين الذين قتلوا في الحرب وفي الصراع الأهلي الذي أعقبها. ومن خلال تفكيك المؤسسات العراقية ومحاولة خلق حكومة عراقية من لا شيء، والتي تستند إلى الطائفية، أذكت إدارة بوش التوترات الطائفية التي أفضت الى حملات من التطهير العرقي وإلى نظام سياسي غير عامل.
وبدلاً من إلحاق الهزيمة بالإرهاب، خدمت الحرب في مفاقمته؛ حيث يتمدد تنظيم القاعدة وخليفته “داعش” في 16 بلداً على الأقل. وفي الوقت نفسه، فإن الحرب وسلوكنا الذي مارسناه في الحرب (أبو غريب وغوانتانامو) أفضت إلى تدن خطير فيما يتعلق بدعم أميركا في عموم الكرة الأرضية “ما وضع بلدنا تحت خطر أكبر”، وثمة “تداع غير مقصود” نهائي للحرب، والذي لم يتمثل في نمو التيارات المتطرفة في العالم العربي فحسب، وإنما تجسد أيضاً في ظهور إيران متجاسرة ومستأسدة على المنطقة. وحيث هزم صدام وهزمت طالبان، كانت إيران قادرة على بسط نفوذها في العراق، وهي تدعي بأنها قائدة “المقاومة ضد الغرب”.
كما يلاحظ بيرني ساندرز محقاً، فإنها لم تكن إدارة بوش وحدها هي التي دعمت هذه الحرب الكارثية. فقد مرر مجلس الشيوخ تحت القيادة الديمقراطية مشروع قرار استخدم لتسويغ الغزو. وهكذا أعزائي المنتقدين والمستهزئين، وقبل القول إن ساندرز يفتقر إلى الحكمة لتسيير السياسة الخارجية، ينبغي أن تولوا الانتباه للحكم وللبصيرة اللذين أظهرهما فيما وصفه محقاً بالقرار الأكثر حسماً، والذي دعي مجلس الشيوخ إلى اتخاذه على مدار قرن.
وفي تصعيد معارضته للحرب، لم يميز ساندرز نفسه فحسب عن هيلاري كلينتون، التي دعمت الغزو، لكنه يرسي على نحو صحيح أساس سياسة خارجية تستند إلى الواقعية، والمنطوية أكثر على الأفكار المتجذرة في القانون والمؤسسات الدوليين والتعاون مع الشركاء والانخراط الدبلوماسي.
جيمس زغبي* – (واشنطن ووتش) 15/2/2016
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
*واشنطن ووتش: عمود أسبوعي يكتبه رئيس المعهد الأميركي العربي جيمس زغبي، مؤلف كتاب “الأسواق العربية: ماذا يقولون للولايات المتحدة، ولماذا يهم ذلك، كتاب يجلب إغاثة صادمة للخرافات والافتراضات والانحيازات التي تمنعنا دون فهم شعب العالم العربي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Sanders is Right: Iraq is Important
نقلا عن صحيفة الغد الاردنية