دور القطاع المصرفي العراقي في النشاط الاقتصادي

دور القطاع المصرفي العراقي في النشاط الاقتصادي

630

تدعو الأوساط المصرفية والنقدية في العراق منذ فترة، إلى ضرورة إعادة النظر في الخطط المعتمدة لتنمية إمكانات القطاع المصرفي العراقي وتعزيز فرص مساهمته في تعبئة المدخرات واستقطاب الودائع. ويعتقد المعنيون أن إعادة النظر هذه أصبحت ضرورية، في ظل الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد والتي يتوقع أن ت=تفاقم وتستمر لفترة غير قليلة مقبلة، في ضوء التدهور الحاصل في أسعار النفط.

وصرح أحد رؤساء المصارف الخاصة بأن المصارف العراقية تستطيع استقطاب رؤوس أموال من داخل البلد وخارجه إذا توافرت العناصر الجاذبة، خصوصاً ثقة المواطن بالمصارف. فالمواطن حالياً ليس لديه وعي كافٍ بالعملية المصرفية، وليست لديه ثقة بالقطاع المصرفي. كما أن المواطنين لا يميلون في شكل عام إلى إيداع أموالهم في المصارف. وطالب بضرورة إلزام الدوائر الحكومية بإيداع نسبة من أموالها لدى المصارف الخاصة لمساعدتها في تقديم الائتمانات. كما يعتبر تأسيس شركة لضمان الودائع خطوة مهمة إلى جانب توافر إدارات مصرفية كفوءة وقادرة على مواكبة الظروف الصعبة التي يمر بها اقتصاد البلد وقطاعاته المالية. ويتركز السجال على افتقار معظم المصارف العراقية إلى وحدات إدارة الأخطار،

ضمن هياكلها التنظيمية، تعتمد المعايير الدولية والمؤشرات المطبقة في شأنها، إضافة إلى غياب البعد الاستراتيجي للإدارات المصرفية وضعف الوعي بأهمية إدارة الأخطار. يضاف إلى ذلك ضعف مراكز الاستعلام الائتماني وافتقارها إلى الآليات الحديثة والفاعلة وتحليل الجدارة الائتمانية لزبائن المصرف.

وبلغ عدد المصارف العاملة في العراق في نهاية 2014 نحو 56 مصرفاً تتشكل من 6 مصارف حكومية (تجارية ومتخصصة)، و50 مصرفاً خاصاً تنقسم إلى 24 مصرفاً تجارياً محلياً و18 مصرفاً تجارياً أجنبياً و8 مصارف إسلامية.

ويشير تصنيف الودائع لدى المصارف التجارية في 2013 إلى أن 64 في المئة منها تعود للمؤسسات العامة (42 في المئة مؤسسات حكومية) وإلى الحكومة المركزية (22 في المئة). وارتفعت النسبة الكلية في 2014 إلى 67 في المئة. وهذا يعني أن ودائع القطاع الخاص كونت (36 في المئة) من مجموع ودائع المصارف التجارية في 2013 و33 في المئة عام 2014، ما يشير إلى أن المصارف التجارية في العراق تستقي مواردها من الدولة في شكل رئيس ولا تستقطب مدخرات الأفراد وودائعهم وتعيد تدويرها لتمويل النشاط الاقتصادي كما يجب. فهي في حقيقة الأمر مصارف للحكومة المركزية والمؤسسات العامة وهي حالة غريبة في أدبيات دور المصارف التجارية. وفي 2014 كان 76,4 في المئة من ودائع المصارف التجارية وودائع جارية غالبيتها تعود إلى الحكومة المركزية ومؤسسات عامة، في مقابل 10,1 في المئة ودائع ثابتة (يعود بعضها للمؤسسات العامة) و13,5 في المئة ودائع توفير. وبلغت نسبة الودائع الجارية في 2013 نحو80,8 في المئة مقابل 5,1 في المئة ودائع ثابتة، و14,1 في المئة ودائع توفير.

وهنا لا بد من السؤال: إذا كانت غالبية ودائع المصارف التجارية ودائع جارية وتعود للحكومة والمؤسسات العامة، فكيف تستطيع المصارف المساهمة في شكل فاعل في تمويل أنشطة اقتصادية يحتاجها البلد؟

في عام 2014 بلغ حجم الائتمان الممنوح من المصارف التجارية لكل القطاعات 34,1 تريليون دينار (29 بليون دولار)، في مقابل 30 تريليوناً في 2013. ومن المبلغ الأول أخذت الحكومة والمؤسسات العامة 48 في المئة، بينما أخذ القطاع 52 في المئة أو ما يعادل 17,7 تريليون دينار. وحتى من هذا المبلغ القليل والذي لا يعادل أكثر من (6,8 في المئة) من إجمالي الناتج المحلي، كانت نسبة القروض والسلف منه 82,6 في المئة فقط أو 14,6 تريليون دينار. أما الأنواع الأخرى من الائتمان النقدي مثل ديون متأخرة التسديد والأوراق التجارية المخصومة والسحب على المكشوف فكونت نسبة 17,4 في المئة أو 3,1 تريليون دينار. وما زالت المصارف التجارية الحكومية، وبخاصة مصرفي الرافدين والرشيد، تقدم 80 في المئة تقريباً من التسهيلات الائتمانية في مقابل 20 في المئة تقدمها المصارف التجارية الخاصة.

أما عن توزيع التسهيلات الائتمانية بين القطاعات، فلم تحصل القطاعات الإنتاجية كالماء والكهرباء والغاز والصناعة التحويلية والتعدين والزراعة والصيد، إلا على 2,6 في المئة عام 2014، في مقابل نسبة مشابهة في 2013.

تظهر هذه الصورة عن وضع القطاع المصرفي العراقي، أن ليس هناك ما يشير إلى مساهمة حقيقية من جانب المصارف الخاصة في النشاط الاقتصادي المنتج، على رغم مرور نحو 13 سنة على السماح لها بالعمل في العراق. فهي اعتمدت أساساً في السنوات الماضية على شراء الدولار من مزاد العملة اليومي للبنك المركزي وتمويل عمليات استيراد، أظهرت الوقائع أن الجزء الأكبر منها كان وهمياً، وأن القطاع المصرفي في العراق لا يزال في حقيقته قطاعاً عاماً. وإذا أخذنا في الاعتبار أن نحو 25 في المئة من الشعب العراقي هو تحت خط الفقر وليس لديه ما يتعامل به مع المصارف، فإن القطاع الخاص العراقي الذي يتعامل مع المصارف يفضل التعامل مع بنوك حكومية لاطمئنانه على وضعها أكثر من المصارف الخاصة. لذلك، فإن أية خطط يتم تبنيها في الوقت الحاضر لتعزيز مساهمة القطاع المصرفي الخاص في النشاط الاقتصادي، قد تبقى في إطار التمنيات التي يستبعد تحقيقها في ظل الظروف الراهنة في العراق.

ذكاء مخلص الخالدي
نقلا عن الحياة