حديث وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن تأييده لدعم المعارضة السورية بصواريخ أرض جو أعطى أملاً كبيرًا من أجل تصحيح كفة الحرب التي شهدت انقلابًا سيئًا لصالح نظام دمشق وقوات إيران وروسيا في الآونة الأخيرة. الأمل هو في إنهاء الحظر المفروض على «الجيش الحر»، كمعارضة معتدلة، حتى يتمكن من حماية مناطقه، ومواجهة عمليات القتل والتشريد الواسعة التي تستهدف المدنيين ضمن مشروع واضح يهدف إلى تغيير الخريطة الديموغرافية في سوريا. وثانيًا، دعم المعارضة من أجل إجهاض مشروع فرض حل سياسي في المفاوضات، التي على وشك أن تبدأ، يهدف للإبقاء على بشار الأسد ونظامه رغم الجرائم التي ارتكبها.
ولأنه لن تتدخل قوات تركية، أو عربية، أو دولية لحماية الشعب السوري الأعزل في مواجهة قوات نظام الأسد وإيران، والقوات الروسية المتفوقة عسكريًا، يبقى الحل المعقول هو رفع قدرات مقاتلي المعارضة بالأسلحة النوعية التي طالما حرموا منها لأسباب مختلفة، بعضها بداعي الخوف من أن تتسرب منهم وتقع في أيدي تنظيم إرهابي مثل «داعش»، التي غالبًا سيوجهها بالاتجاه الخاطئ.
ولا أتصور أن الحكومات الموالية للمعارضة ترغب في توسيع دائرة الحرب، ولا الخروج عن قواعد الاشتباك المتعارف عليها مسبقًا، بحيث لا تمتد إلى تركيا، أو تدفع بالروس بشكل تام في صف الإيرانيين وحلفائهم. لهذا تحدث الوزير الجبير عن صواريخ تستهدف الطائرات ثم حدد بأنها تستهدف التي ترمي البراميل المتفجرة، وتقصف الأحياء المدنية بالغازات والمواد الكيماوية المحرمة، المسؤولة بشكل كبير عن إلحاق الدمار الرهيب بالمدن.
إنما الوضع الجديد صار أخطر على أرض المعركة من ذي قبل بما يفرض إعادة النظر في تلك السياسة الحذرة. والمعارضة الوطنية السورية لا تزال قادرة على تغيير كفة الحرب لو مكنت من صواريخ أرض جو، وزودت بالمزيد من الصواريخ ضد الآليات المدرعة، مع المعلومات الاستخباراتية.
ويجب ألا نقلل من حجم الدعم الذي يرد من دول المنطقة، ونادرًا ما يعلن عنه، لدعم المعارضة السورية، لأنه لعب، ويلعب دورًا فاعلاً في بقاء ونجاح المعارضة المعتدلة في وجه قوات النظام، وكذلك في وجه التنظيمات الإرهابية. فمنذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد دخول الروس عسكريًا في صف الأسد، والتقارير المستقلة تؤكد نجاح المعارضة السورية في تدمير أعداد أكبر من الآليات السورية المدرعة بأكثر مما حققته في السنوات الماضية، بعد حيازتها المزيد من الصواريخ النوعية. وهذا يفسر التوازن الذي استمر على الأرض على الرغم من نجاح الروس في تدمير مناطق كانت دائمًا أرضًا معتمدة للمعارضة.
ولو أن ما طرحه الوزير الجبير يتحقق بتسليح المعارضة سواء بالصواريخ الصينية، إن لم تتوفر الأميركية، لاستهداف طائرات النظام السوري ومروحياته، وإجبار الطائرات الروسية على طلعات أقل وعلى ارتفاعات أعلى تجنبًا للصواريخ، فإن هذا سيصب في مصلحة التعجيل بالحل السياسي الوسط المقبول لمعظم الأطراف.
فقد كانت من الحجج التي سيقت لرفض تزويد المعارضة بصواريخ أرض جو، هي الخشية من تكرار تجربة صواريخ «ستينغر» الأميركية التي تسربت من أفغانستان بعد مواجهة القوات السوفياتية، واستخدمت لتهديد الدول التي اشترتها وزودت بها المعارضة الأفغانية، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتم الإمساك بكثير منها في حوزة تنظيم القاعدة. والشك مبرر في أن المعارضة السورية، بما فيها المعتدلة، قد تكون مخترقة من قبل النظام السوري، أو الجماعات الإرهابية، أو أن يحدث بين صفوفها تمرد على التعليمات المشددة حول طبيعة الأهداف المسموح بضربها عند استخدام هذه الصواريخ. وقد دار نقاش متكرر حول هذه المحاذير، منذ ارتفاع نشاط الحرب في سوريا قبل ثلاث سنوات، وطرح عسكريون في المعارضة المعتدلة فكرة أن يتم ضبط هذا النوع من الأسلحة برقائق إلكترونية تحد من استخدامها في غير أغراضها، وقيل لهم إن هذا غير مضمون وغير كاف. كما طرح اقتراح بأن توضع الصواريخ في عهدة نخبة من المعارضة، تحت إشراف عسكريين من دول لها وجود استخباراتي معهم على الأرض. أيضًا، رفض هذا الاقتراح بحجة أنه غير مقنع.
لكن الحرب تمددت، وصارت أخطر على عموم الشعب السوري، وعلى الدول المجاورة، وبلغت مخاطرها أوروبا. فالروس يمنحون قوات النظام الغطاء الجوي للزحف نحو الحدود التركية، والإيرانيون بدعم الروس جوًا، أيضًا تقدموا جنوبًا واستولوا على بلدة الشيخ مسكين، وما حولها، بما يهدد أمن الأردن. وهنا لا يمكن الاكتفاء بالاتصالات السياسية لوقف دائرة الخطر، ولا بد من تعديل كفة الحرب مرة أخرى حتى تميل لصالح المعارضة المعتدلة، في وقت تجتمع القوى الكبرى، والأخرى المعنية بالصراع في جنيف من أجل إقرار مشروع سياسي، وفق توازنات الوضع الحالي، يقرر مستقبل سوريا. وبين التورط في الحرب في سوريا ضد قوات النظام السوري وإيران وروسيا من جهة، وبين تعزيز وضع المعارضة عسكريًا ومعلوماتيًا، فإن الخيار الثاني يبدو أهون الخطرين وأكثرهما استعجالاً.
عبد الرحمن الراشد
نقلاً عن الشرق الأوسط