مع أنه ليس شخصية دينية شيعية ولا شهيداً، رُفع قاسم سليماني، القائد الحي لفيلق القدس النخبوي في إيران إلى مكانة البطل القومي. طهران، إيران – على مدى سنوات، عمل قائد فيلق القدس الإيراني لقوات النخبة من الظلال؛ حيث أدار المعارك التي يخوضها البلد من أفغانستان ولبنان.
لكن قاسم سليماني أصبح اليوم جنرال إيران المشهور، ورجلاً رفعته آلة دعاية وسائل الإعلام الاجتماعية إلى مرتبة بطل قومي؛ حيث إن هناك الآن ما لا يقل عن 10 حسابات “إنستغرام” تقوم بنشر صوره وصور السلفي الخاصة به في خطوط القتال الأمامية في سورية والعراق.
حولت “الجمهورية الإسلامية” منذ زمن طويل عبادة البطل إلى شكل من أشكال الفن، بإجلالها المتفاني للشخصيات الدينية الشيعية وشهداء الحرب. لكن عبادة الشخصية المتنامية التي ترسم هالة الجنرال سليماني تختلف: ذلك أن الجنرال رمادي الشعر الذي يخدم في قوات الحرس الثوري الإيراني حيٌّ جداً، ويتزامن صعوده إلى النجومية مع صعود اتجاه قومي متعاظم في إيران.
يقول محلل محافظ من مدينة قُم الإيرانية، والذي طلب عدم ذكر اسمه: “الدعاية في إيران تتغير. تحتاج كل أمة إلى بطل حي”.
ويضيف المحلل وهو يستعرض سلسلة من الأسماء: “لم يعد الأبطال القتلى مفيدين الآن. الناس في إيران يحبون القادة العظام، القادة العسكريين في التاريخ. وأعتقد أن قاسم سليماني هو الشخص المناسب لسياستنا الدعائية الجديدة -الشخص المناسب في الوقت المناسب”.
ظهر وجه سليماني في المشهد العام بعد أن اجتاحت قوات “الدولة الإسلامية” المعلنة ذاتياً طريقها من سورية إلى العراق في حزيران (يونيو) 2014. وفي ذلك الحين، انتشرت صور الجنرال وهو يختلط مع المقاتلين في خطوط الجبهة مثلما ينتشر الفيروس.
ويذكر الإيرانيون أسبابا عدة لصعود سليماني، من “إنقاذ” بغداد من جهاديي “الدولة الإسلامية” وإعادة تنشيط الميليشيات الشيعية في العراق، إلى حفظ حكم الرئيس السوري حافظ الأسد خلال نحو ست سنوات من الحرب.
ولا يهم أن بعض المحللين يشيرون إلى أن الإخفاقات السابقة في منع الاضطرابات الداخلية في العراق وسورية -حيث كان هذان البلدان طوال سنوات جزءا من مسؤولية سليماني- هي التي تسببت في تورط إيران العميق اليوم.
من جانبه، يحيل سليماني “انهيار النفوذ الأميركي في المنطقة” إلى “التأثير الروحي” لإيران في تعزيز المقاومة ضد الولايات المتحدة، وإسرائيل وحلفائهما.
ويقول مراقب من المحاربين القدامى في العاصمة الإيرانية، طهران، والذي طلب عدم ذكر اسمه: “إنه أمر غير عادي تماماً. من غيره يستطيع أن يقترب إلى هذا الحد؟ لا أعرف كم ذلك مقصود؛ إنك ترى الناس من كل مشارب الحياة يحترمونه. ويبين ذلك أنه يمكن أن يكون لدينا بطل شعبي جداً، والذي ليس من رجال الدين”. ويضيف المراقب: “ليست هناك أي وصمة على صورته”.
في الحقيقة، أصبح سليماني مصدراً للفخر ورمزاً للإيرانيين من كل المشارب بسبب النفوذ الذي أصبح لبلدهم في الخارج. وفي تظاهرة مؤيدة للنظام، تعهدت حتى نساء شابات غربيات النمط ويضعن المكياج بأن يكن “جنديات” لسليماني. وفي بطولة لكمال الأجسام أقيمت على شرفه مؤخراً، عرض الرجال عراة الصدور عضلاتهم بجوار صورة عملاقة له.
وبين المؤمنين الحقيقيين بالثورة الإسلامية، يتغنى رواة القصص الدينية بمآثر سليماني ويبثونها على الإنترنت. وتغرق كتابات سليماني الشخصية عن الحرب بين إيران والعراق في اللغة الدينية أيضاً.
في فيلم فيديو مصور في الخطوط الأمامية، والذي بُث على شاشة محطة تلفزة تابعة للدولة الشهر الماضي، يخاطب سليماني المقاتلين متحدثاً عن المتطوعين الإيرانيين الذين قتلوا: “إن الله يحب الذي يجعل الجهاد طريقه”.
وعندما ظهرت تقارير خاطئة مؤخراً عن موت سليماني (فقدت إيران العشرات من قادة الحرس الثوري الإيراني الرفيعين في سورية والعراق، ومئات “المستشارين”)، ضحك وقال: “هذه (الشهادة) هي شيء تسلقت الجبال وقطعت السهول حتى أجده”.
البعض يقولون إن عبادة الفرد في إيران ذهبت شوطاً بعيداً جداً؛ فقبل بضعة أشهر، أمر الحرس الثوري الإيراني وسائل الإعلام بعدم نشر صور السلفي الخاصة بسليماني، والقادمة من خطوط الجبهة. وعندما أراد مخرج صغير صناعة فيلم مستوحى من بطله، قال الجنرال إنه يعارض ذلك وكان مُحرجاً.
ومع ذلك، يبدو أن سليماني رضخ مؤخراً لرغبة إبراهيم حاتمي كيا، صانع أفلام الحرب الشهير. والآن، أصبح فيلم “الحارس الشخصي” قيد العرض الأول في مهرجان في طهران. وقال المخرج لأحد المواقع الإلكترونية: “لقد صنعت هذا الفيلم بدافع الحب للحاج قاسم سليماني”، مضيفاً أنه بمثابة “الأرض تحت قدمي سليماني”.
علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد