في الوقت الذي تناقش فيه المملكة العربية السعودية علناً خياراتها للتدخل المباشر في سوريا، ستحتاج الرياض وشركاؤها إلى النظر في الطريقة التي قد تردّ فيها إيران على مثل هذه الخطوة. قد يكون الجواب واضحاً في الجهود الجريئة على نحو متزايد التي تبذلها الجماعات المسلحة الشيعية التي تدعمها إيران لتهريب العبوات الناسفة المتطورة ليس إلى البحرين فحسب، بل أيضاً إلى المنطقة الشرقية المجاورة في المملكة العربية السعودية، وهي منطقة ذات غالبية شيعية تضم أكثر من 20 في المائة من إجمالي احتياطي النفط المؤكد في العالم وتشكل مركز الصناعات النفطية والبتروكيميائية في المملكة. أما ما لم يلحظه المجتمع الدولي تقريباً، فهو أن طهران قد بدأت تكثف من سلوكها القائم على المخاطرة وسط تزايد الاستقطاب الطائفي في المنطقة والمنافسة المتزايدة مع الرياض. فمن بين جملة من الاستفزازات، بدأت طهران بإرسال عبوات ناسفة خارقة للدروع متطورة إلى السعودية العام الماضي، وقدمت إلى الخلايا في البحرين المهارات اللازمة لتصنيع هذه الأسلحة بنفسها، مما شكل تحذيراً شديد اللهجة للسعوديين ونذيراً على ما قد يتكشف إذا عززوا في الواقع التزامهم العسكري في سوريا.
التصعيد الإيراني في الخليج
إلى جانب دعم القوات التي تحارب بالوكالة في اليمن والعراق وسوريا، هناك شكل آخر من أشكال التصعيد الإيراني ضد المملكة العربية السعودية تجلّى في تهريب العبوات الناسفة الخارقة للدروع وأسلحة أخرى مباشرة إلى دول الخليج، وهي عمليات يقوم بها عملاء عراقيون لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. وعلى الرغم من أن حكومة البحرين قد بالغت في دور إيران في الاضطرابات الداخلية في الماضي، إلا أن وكالات الاستخبارات في البلاد قد أصدرت باستمرار معلومات تستند إلى أدلة كافية على وجود خلايا ميليشياوية وإرهابية محلية، وعلى علاقاتها بـ «الحرس الثوري» الإيراني، وجهودها لاستيراد المتفجرات المتطورة.
وفي 28 كانون الأول/ ديسمبر 2013، تعقبت الرادارات الساحلية قارباً سريعاً واعترضته فيما كان يحمل كميات كبيرة من مكونات القنابل المتطورة، بما فيها واحد وثلاثين لغماً من الألغام القابلة للنثر المضادة للمركبات من طراز “كلايمور” واثني عشر متفجرة من العبوات الناسفة الخارقة للدروع، بالإضافة إلى إلكترونيات خاصة بتسليح الأجهزة وإطلاقها. وفي اليوم التالي – وبعد أن تم القبض عليه – قاد الطاقم المحققين إلى ورشة عمل لصناعة القنابل في قرية القُريّة.
لا بد من الإشارة إلى أن أحدث اعتراض بحري تم مؤخراً جرى في 25 تموز/ يوليو 2015، عندما أوقفت القوات البحرية البحرينية وخفر السواحل وأفراد الشرطة قارباً سريعاً كان قد تلقى أسلحة من على متن سفينة خارج المياه الإقليمية للجزيرة. وقد كان القارب يحمل ثلاثة وأربعين كيلوغراماً من مادة “سي فور” المتفجرة وصواعق وثماني بنادق من طراز “كلاشنكوف” مع اثنين وثلاثين عبوة من الذخيرة. وقد شهد أحد الرجلين البحرينيين في القارب على الحصول على أسلحة وتلقي تدريبات حول استخدام المتفجرات في معسكر لـ «الحرس الثوري» في إيران قبل عامين.
وخلال العام الماضي، كشفت العمليات الأمنية للمملكة عن مجموعة من المؤشرات الأخرى تدل على أن إيران تكثف استعداداتها لشن حرب بالوكالة داخل البحرين وحتى المملكة العربية السعودية:
· زيادة عدد ورش صناعة القنابل. في النصف الثاني من عام 2015 كشفت البحرين ثلاث ورش لصناعة القنابل. وكانت واحدة منها في غرفة تحت الأرض وُجدت في قرية “دار كُليب” في 6 حزيران/ يونيو تحتوي على مكونات لصناعة القنابل المتقدمة وعلى مكبس صناعي لتصنيع العبوات الناسفة الخارقة. كما وتم العثور على ورشتين إضافيتين في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر. وكُشفت هذه الورشة الأخيرة داخل غرفة سرية تحت الأرض.
· التوسع نحو المملكة العربية السعودية. في 8 أيار/ مايو 2015، تم اعتراض سيارة تقل عبوات ناسفة خارقة أثناء محاولتها عبور جسر الملك فهد من البحرين إلى المملكة العربية السعودية. وفي النهاية تم ربطها بورشة صناعة القنابل التي وجدت في “دار كُليب”، حيث تلقى المهربون العبوات الناسفة الخارقة.
· تزايد الروابط مع الشبكات الإيرانية والعراقية. تضمنت ورشة العمل التي تم الكشف عنها في “دار كُليب” أسلحة مرتبطة عبر بصمات الأصابع بالقارب السريع الذي تم اعتراضه سابقاً في كانون الأول/ ديسمبر 2013. وفي حزيران/ يونيو 2015، ذكر رئيس الأمن العام في البحرين اللواء طارق الحسن أن جماعة «كتائب حزب الله» العراقية الشيعية، وبدعم من «الحرس الثوري» الإيراني، (بقيادة الإرهابي المدرج على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب أبو مهدي المهندس)، وفرت تدريباً على العبوات الناسفة الخارقة في مخيم في العراق و”قدمت الدعم اللوجستي والمالي” لجماعة إرهابية بحرينية تُسمى «سرايا عشتار».
· التهديدات الأمنية المحتملة للموانئ. ادعى اللواء الحسن أيضاً أن الإرهابيين الشيعة المحتجزين تلقوا “مهارات غطس تحت الماء لزرع الألغام والمتفجرات في البحر”، الأمر الذي يشكل تهديداً محتملاً للسفن الحربية الأمريكية في البحرين، حيث مقر الأسطول الأمريكي الخامس. (وقد تم كشف الخلايا المدعومة من إيران وهي تقوم بعمليات رصد للأرصفة البحرية الأمريكية والبنية التحتية الساحلية في الكويت منذ عام 2011).
· استخدام القنابل المضادة للمركبات. في 28 تموز/ يوليو 2015، استهدفت قنبلة مزروعة على جانب الطريق سيارة تابعة للشرطة في سترة في البحرين، مما أسفر عن مقتل اثنين من رجال الشرطة وإصابة ستة آخرين بجروح. وقد شكلت الألغام المرفقة مغناطيسياً من هذا النوع سمة ثابتة للأسلحة التي وجدت في البحرين. وتم تهريب هذه التقنية وبعض الأجهزة المغناطيسية إلى الجزيرة من العراق، حيث تستخدمها المليشيات الشيعية في الاغتيالات وغيرها من الهجمات على المركبات غير المسلحة.
مشكلة العبوات الناسفة الخارقة للدروع
يشكل توفير العبوات الناسفة الخارقة وأدوات إطلاقها ظاهرة خطيرة للغاية. فالعبوات الناسفة الخارقة هي شكل من أشكال العبوات التي تزرع على الطرق وتتمتع بقدرات استثنائية خارقة للدروع، كما أنه من السهل إخفائها وتفجيرها. فالمتفجرات القوية معبأة في اسطوانة تشبه علبة طلاء مع إزالة الغطاء عنها. وبعد ذلك يتم وضع بطانة مقعرة من النحاس أو الصلب المضروب بشكل محترف على الجهة المفتوحة من الاسطوانة. وعندما يتم تذخير المتفجرات، فهي تؤدي إلى حدوث انفجار مركز من المعدن المنصهر الفائق السرعة الذي يمكن أن يخترق حتى أثقل دروع الدبابات من على مسافة قريبة. ففي العراق، أدّت 1,526 عبوة ناسفة خارقة إلى مقتل ما مجموعه 196 جندياً أمريكياً وجرح 861 آخرين خلال الفترة الممتدة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 وكانون الأول/ ديسمبر 2011؛ كما وتم استهداف القوات البريطانية بشكل مكثف وأدى ذلك إلى سقوط العديد من الضحايا في صفوفها.
وقد سعت قوات «الحرس الثوري» الإيراني على ما يبدو، إلى وضع العبوات الناسفة الخارقة في البحرين وتهيئتها منذ عام 2013 على الأقل. وأشارت اكتشافات قوات الأمن في العام الماضي إلى أن «الحرس الثوري» الإيراني يساعد البحرينيين الشيعة المحليين أيضاً على إنتاج العبوات الناسفة الخارقة بكميات كبيرة. فقد تضمنت ورشة العمل في “دار كُليب” مكبساً صناعياً يستخدم قوالب تقطيع متخصصة (وربما مستوردة) لصناعة بطانات العبوات الناسفة. كما تم العثور على مجموعة من هذه العبوات في ذلك المشغل، يتراوح قطرها ما بين ستة وثمانية واثني عشر بوصة، مما يدل على استخدام مجموعة متنوعة من القوالب. إلى جانب ذلك، تم الكشف عن اثني عشر جهازاً على الأقل من أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء السلبية (التي تستخدم لإطلاق الجهاز بمرور المركبات) والعديد من مفاتيح التسليح التي يتم التحكم بها عن بعد (لتشغيل أجهزة الاستشعار)، مما يشير إلى أن الأجهزة كانت تَستخدم نفس التكوين الذي تمتعت به العبوات الناسفة الخارقة العراقية وأنها ستكون دقيقة للغاية. وكانت خطوط النحاس عالية الجودة متواجدة إلى جانب الخطوط الصلبة الأقل فعالية. بالإضافة إلى ذلك، كان قد تم تركيب المكابس والمعدات الكبيرة الأخرى في الطابق السفلي السري، وهو عمل لوجيستي كبير.
وكما ذُكر أعلاه، تم اعتراض عبوات ناسفة خارقة بنيت في “دار كُليب” وهي في طريقها إلى المملكة العربية السعودية في شهر أيار/ مايو الماضي. ويشكل ذلك تصعيداً كبيراً لأن العبوات الناسفة الخارقة قد تسمح للمقاتلين الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة بالإبقاء على العربات السعودية المدرعة خارج المدن الرئيسية، مما يجعل الانتفاضات المصغرة أكثر عملية إذا رغبت إيران بإثارة مثل هذه الحوادث. وفي عام 2008 أدت العبوات الناسفة الخارقة التي استخدمت بالإجمال إلى خلق محيط دفاع هائل في مدينة الصدر في بغداد، الأمر الذي تطلب جهداً واسع النطاق من قبل الولايات المتحدة لنزع الألغام. فإذا كانت مثل هذه المتفجرات متوفرة أثناء ثورة شباط/ فبراير 2011 في المنامة، لربما كانت الحملة البحرينية، المدعومة من القوات المدرعة السعودية والإماراتية، مستحيلة.
وباختصار، إن إدخال العبوات الناسفة الخارقة إلى البحرين، ناهيك عن المملكة العربية السعودية، يشكل عاملاً عسكرياً يغيّر قواعد اللعبة بالنسبة إلى قوات الأمن الخليجية. وبالنظر إلى أن البلدات الشيعية المضطربة واقعة بين بعض أكبر حقول النفط والمصافي وخطوط الأنابيب وموانئ التصدير في العالم، فبإمكانها تغيير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أمن الطاقة العالمي أيضاً. لهذا السبب فإن تصرفات إيران، من خلال وكلائها العراقيين، تحمل في طياتها مثل هذه الإمكانات لزعزعة الاستقرار. وبالتزامن مع الاستفزازات الأخيرة التي قام بها السلاح البحري في «الحرس الثوري» الإيراني في الخليج العربي، زادت العبوات الناسفة الخارقة من نزعة المخاطرة الأكثر جرأة لـ «الحرس الثوري».
التداعيات على السياسة الأمريكية
إذا تدخلت المملكة العربية السعودية بشكل مكثف وبدرجة أكبر في سوريا، من المرجح أن تواجه رد فعل سلبي في الداخل. فتدخل الرياض في البحرين والدعم المبكر للمعارضة السورية في عام 2011، ربما قد ساهما في محاولة إيران اغتيال السفير السعودي في واشنطن في وقت لاحق من ذلك العام، فضلاً عن قرار طهران في النهاية على العمل على زيادة دعم القوات شبه العسكرية لعملائها في اليمن والبحرين والآن في المنطقة الشرقية.
في ضوء هذه المخاطر، يجب على واشنطن أن تزيد من المساعدة الاستخبارية التي تقدمها إلى المملكة العربية السعودية والبحرين من أجل وقف تدفق الأسلحة التي يقدمها «الحرس الثوري» الإيراني. كما وينبغي أن تساعد أيضاً في الإعلان عن عمليات اكتشاف مخابئ الأسلحة بحيث يمكن للمجتمع الدولي أن يقتفي أثر الأدلة التي تشير إلى طهران. وعلى نطاق أوسع، ينبغي على واشنطن أن تنظر إلى عمليات نقل إيران للعبوات الناسفة الخارقة ولمهارات صناعة القنابل إلى عناصر المعارضة في هذه الدول على أنها عبارة عن تصعيد يغيّر من قواعد اللعبة، وليس تعديل تكتيكي تدريجي. وستنظر الرياض بالتأكيد إلى تسليح الشيعة في أكبر محافظة تشمل المخزون النفطي في المملكة على أنه تهديد لوجودها.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن التحدث مع السعوديين بشأن تعزيز التعاون العسكري حول سلامة المركبات والتكتيكات الدفاعية. فبإمكان الولايات المتحدة مساعدة القوات السعودية بشكل كبير على صعيدين هما: الحد من خسائرها الفادحة التي تسببها صواريخ الحوثيين المضادة للدبابات على الحدود الجنوبية، والتحضير للتهديد المتقدم الناشئ الذي تطرحه القنابل المضادة للدروع على الطرقات في المنطقة الشرقية. ويمكن لهذه الجهود أن تشمل توفير مستلزمات التدريع والفائدة الكبيرة للتكتيكات الأمريكية وعمليات التدريب – ضد العبوات الناسفة الخارقة – التي اكتُسبت بشق الأنفس.
وأخيراً، يجب على واشنطن الجمع بين المساعدات الأمنية المماثلة وبين الحوار حول إنهاء الصراع والحد من الخسائر في صفوف المدنيين في اليمن. وينبغي عليها أيضاً أن تحث البحرين والرياض على زيادة تدابير بناء الثقة والأمن مع المجتمعات الشيعية المحلية. وكما تعلمت الولايات المتحدة مباشرة، تكمن أفضل طريقة للدفاع ضد شبكات التفجير في عمل قوات الأمن مع المجتمعات المحلية التي يمكنها أن توفر معلومات استخبارية ضرورية للتقليل من الهجمات أو وقفها نهائياً.
مايكل نايتس
معهد واشنطن