لا يشك رئيس الحكومة اللبنانية السابق ورئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، ومعاونوه لحظة بحجم الصّعوبة التي سيواجهها طرح انتخاب رئيس جديد للبنان، ولا هو يتوهّم في ظل الاصطفاف الحاد في المنطقة أنّ وجوده سيحتّم حصوله.
هو يدرك تماماً أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في إطلالته الأخيرة تحديداً، أرسى قواعد جديدة للاشتباك، عبّر عنها بوضوح، وكانت بمثابة رد صريح على خطاب الخريري في ذكرى اغتيال والده. فبالنّسبة إليه كلامه موجّه لمن يعنيهم الأمر، أي للخواص دون العوام، واللّبيب من الإشارة يفهم، فسماحته صاحب لسان عربي حسن المخارج، استبدل سريعاً وبحنكةٍ كلمة عروبة الواردة في مداد كلمات الشّيخ بمصطلح التّحالف السني-السني (الرسمي المتخاذل، والداعشي المنبوذ) والسني- الأميركي اليهودي، في محاولة منه لتهشيم مكامن القوّة في خطاب زعيم تيار المستقبل الهادر، مع إصرار منه على تدعيم أو تظهير أو الإقرار بعظيم التّحالف المقابل الممانع الذي ينتمي هو إلى أحد أطرافه، والمتمثّل بالتّلاقي الروسي- الإيراني، والذي يأمل نصرالله أن يمتد ليشمل كامل الجغرافيا العربية، بدءا من شبه الجزيرة ودول الخليج، وصولاً إلى بلاد ما بين شمال إفريقيا والشّام.
عودة الحريري، الواثق الخطى، بالنّسبة لحزب الله، تؤسّس لجبهةٍ جديدةٍ نشطةٍ، يقودها هذه المرة العائد بنفسه مستفيداً من القرار السّعودي (أحد أطراف الصّراع الإقليمي) الاستغناء عن فكرة الاستثمار في القطاع العام التي، وبالتجربة، لم تجد نفعاً بالنسبة إليه لصالح الإستثمار في الخاص والأشخاص التي تؤمن مصالحه. جبهة على ما يبدو ستكون مهمّتها إزعاج حزب الله، وإعاقة تحرّكاته سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً في عقر داره، على أمل إسقاطه، أو تعطيل فعاليته لاحقاً في مراحل مقبلة، أو لربما في مواقع المواجهة، بعد اكتمال التّدخل العسكري المطلوب لها في سورية في مقابل الوجود النّافذ قبلاً لآلة القتال الإيرانية.
استعرض نصرالله كامل قوّته اللغوية، وقالها، محذّراً، إنّ المساس بقرار استعادة السّيطرة على مواقع الممانعة أو محاولة إعاقته في المنطقة سيواجه بقسوةٍ، وهو وحزبه اليوم كما أكد أقوى من قبل، ولا ندري هنا حقيقة امتلاكه السّلاح النّووي، هل هي زلّة فائض القوّة المتخيّلة، أم أنّها العبارة التي أوجبتها العودة المدجّجة وغير المتوقّعة لسعد الحريري بالمعنويات؟
ولربما هو الأمر نفسه، على ما يبدو، دفع بنصرالله، وبحماسة، إلى إلقاء الحرم بفعل العمالة على مواجهيه، وهي بالمناسبة تهمة تستوجب في علم الفقه القصاص، وفي دراسة اللاهوت، هي لا تقل قداسة عن واجب مقاتلة المغضوب عليهم، وفي العادة هي مهمة تضطلع بها الفئة النّاجية تقيمها بحق الفئة الباغية وأتباعها الضّالين .
هي فائدة العدد القليل التي لجأ إليها نصرالله لتأمين رد فعل جماعي أو جماهيري متين، أراد أن يُحيي بها فيهم مبدأ الأمر والطّاعة. شبّههم من دون أن يقول بالأيتام على مائدة اللئام، بل وأكثر هو صوّر لهم البحر أمامهم والعدو وراءهم وليس لهم إلا الصّبر والقتال، ذلك أنّه (أي العدو) قد سبقهم بجيوشه وبالأقوات الموفورة، وأنّ لا وزر لهم بعد ما أفاض إلا غيض السّلاح، ولا أقوات إلا ما يغنموه من الأعداء. وحذّرهم من أنه لو امتدت الأيّام، ولم ينجزوا ما أمرهم به ذهب ريحهم، وتعوضت القلوب من رعبها بالجرأة عليها، ولم يكتف، بل أتبع التّحريض بالقول للمقلدين والأتباع أن ادفعوا الخذلان وباشروا بمناجزة من وصفهم بالطّغاة. هي، باختصارٍ، دعوة للصّبر على الحرب التي لا تحسب أي حساب، لا لوزيرٍ إنتهازي حالم، ولا حتّى لشهوة مرشح لمنصب رئيسٍ، إنّما لإنجاز ما عقد العزم عليه، حتى لا يتسرّب الوهن، ويدخل الشّقاق فيكتب الفراق والتّشتت، وتقرأ عليه وعليهم آيات الخسران.
قراءة الأخوة في الحزب كما يحلو لنصرالله أن يناديهم، كانت في صالح تحصين خطوط المواجهة ضد فريق تيّار المستقبل الذي يقيناً وبعد عودة زعيمه من الرّياض أخذ المبادرة، وهذه المرّة بحزم سليمان ودعم الأمراء وإجماع الكوادر والأنصار، إلى إعادة القلق إلى قواعد إنطلاقته الأساسية في لبنان.
كرم محمد السكافي
صحيفة العربي الجديد