في 10 حزيران/ يونيو 2014 أصدر آية الله العظمى علي السيستاني فتوى تلقي مسؤولية جماعية على عاتق جميع العراقيين لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، وتجيز التعبئة الشعبية لأكبر عدد من المقاتلين ولأي مدة من الزمن تكون ضرورية لدرء خطر هذا التنظيم. وفي الوقت نفسه، تم تأسيس “لجنة” لـ «وحدات الحشد الشعبي» منبثقة عن مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئة الشعبية والطابع الرسمي داخل “قوات الأمن العراقية”.
وكانت «وحدات الحشد الشعبي»، بقيادة السياسيين الأقوياء ذوي الخلفيات العسكرية مثل أمين عام «منظمة بدر» هادي العامري وأبو مهدي المهندس، قد لعبت في البداية دوراً رئيسياً في حماية سامراء وبغداد وكربلاء، وفي تخفيف الحصار عن آمرلي، وتحرير جرف الصخر وحماية طرق الحج، وتطهير تنظيم «داعش» من مساحات واسعة من ديالى. ومع انحسار التهديد الذي يطرحه تنظيم «الدولة الإسلامية» لاجتياح المناطق ذات الأغلبية الشيعية في العراق بدأت «وحدات الحشد الشعبي» بالانقسام.
نقطة انطلاق لتحقيق مكاسب
تعمل «منظمة بدر» بقيادة هادي العامري، التي تضم حوالي 20 ألف مقاتل، على إحكام سيطرتها على محافظة ديالى، التي تشكل على نحو متزايد إمارة تابعة لـ «منظمة بدر» تقع جزئياً خارج سيطرة الدولة. وتسيطر المنظمة ببطء على وزارة الداخلية التي يديرها محمد الغبان، أحد مساعدي العامري. وتريد «بدر» الحصول على حصة كبيرة من مقاعد مجالس المحافظات في الانتخابات التي ستُجرى في عام 2017 وتريد استخدام ذلك كنقطة انطلاق لتحقيق مكاسب في مجلس النواب ومجلس الوزراء في الانتخابات العامة في عام 2018.
هناك مهمة أكبر تقع على عاتق أبو مهدي المهندس، الذي يقود قوة تضم 20 ألف جندي إضافي. وكونه إرهابياً مدرجاً على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب فإنه يحاول تأمين الموارد اللازمة لتحويل “لجنة” رئيس الوزراء لـ «وحدات الحشد الشعبي» إلى وزارة دائمة، على نحو مشابه لقوات «الباسيج» أو «الحرس الثوري الإسلامي» في إيران.
وتسعى الجماعات المدعومة من إيران مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق»، إلى استخدام التعبئة الشعبية كعملية لمحو سمعتها السابقة كعميلة لإيران أو الميليشيات الطائفية والإجرامية. أما ما تبقى من مقاتلي «وحدات الحشد الشعبي»، الذي يبلغ عددهم حوالي 40 ألف جندي – نحو نصف عدد عدد مقاتلي هذه «الوحدات» – فيركزون على العمل تحت قيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع خالد العبيدي. وتشمل هذه [الجماعة] ما يُسمى بـ “قوات الفتوى” التي لم تكن تشكل ميليشيات مسلحة قبل حزيران/ يونيو 2014 وهي: المتطوعون في الضرائح المقدسة المجندين من قبل المؤسسات الدينية التي تدفع رواتبهم أيضاً، وميليشيات أصغر حجماً تابعة لأحزاب سياسية، وحتى أتباع مقتدى الصدر الذين تمت إعادة تعبئتهم.
وهناك وحدة صغيرة مكوّنة من أقل من 17 ألف [شخص من المقاتلين] السنة من «وحدات الحشد الشعبي»، التي تهدف إلى زيادة عدد أفرادها ليصل إلى 50 ألف شخص [من القوات الشبه عسكرية]، تدين أيضاً بالولاء في الغالب للعبادي والعبيدي.
المؤسسة السياسية تدفع بالاتجاه المعاكس
على مدى عدة أشهر كان رئيس الوزراء حيدر العبادي وشخصيات أخرى في الحكم يدرسون إمكانية تقليص حجم قوات «وحدات الحشد الشعبي» التي تخضع لقيادة «منظمة بدر» وأبو مهدي المهندس. وفي آذار/ مارس 2015 شجّع عمار الحكيم، رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، العبادي على قطع رواتب 30 ألف من مقاتلي «وحدات الحشد الشعبي» التي يبلغ عدد افرادها 110 آلاف شخص لاختبار رد الفعل الذي سينجم عن ذلك. وفي الوقت نفسه، وثّق العبادي، وبهدوء، علاقاته مع اللواء الركن عبد الأمير الشمري، قائد عمليات بغداد والمعارض النشط لتوسيع نطاق وجود «وحدات الحشد الشعبي» الخاضعة لـ «منظمة بدر» والمهندس في العاصمة.
إلا أن هذا الانخفاض المؤقت في تجنيد أفراد «وحدات الحشد الشعبي» لم يدم طويلاً. فمع التفاوض على الميزانية العراقية لعام 2016 في أواخر العام الماضي، وضع أبو مهدي المهندس وهادي العامري، رئيس الوزراء حيدر العبادي تحت ضغوط هائلة للموافقة على ميزانية أكبر لـ «وحدات الحشد الشعبي» تبلغ 2 مليار دولار على الرغم من التخفيضات الشاملة التي تم إقرارها في ظل برنامج التقشف في العراق. وبالتالي، ارتفعت رواتب أفراد «وحدات الحشد الشعبي» المقررة لعام 2016 لتشمل 120 ألف شخص.
والآن، في أوائل عام 2016، تعمل المؤسسات الدينية والسياسية الشيعية على تنشيط جهودها لتصغير حجم «وحدات الحشد الشعبي» الخاضعة لـ «منظمة بدر» والمهندس. وفي 28 كانون الثاني/ يناير أصدر قادة الكتل السياسية في العراق تحذيراتهم الأكثر وضوحاً حتى الآن ضد أعمال الجماعات المسلحة الشيعية غير الحكومية التي تقع خارج نطاق السيطرة [الرسمية].
وفي تداولاتهم [دعا القادة] أيضاً إلى تعزيز الجهود لمحاربة “الجريمة المنظمة، وخاصة عمليات خطف العراقيين والأجانب والسرقة والسطو المسلح.” كما حرّموا “احتجاز الأشخاص من دون مذكرة اعتقال، أو في أماكن غير قانونية”، وهي ممارسات تقوم بها «وحدات الحشد الشعبي» التي تخضع لقيادة «منظمة بدر» والمهندس. وأخيراً دعا القادة الحكومة إلى “اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان أن تكون القوات الحكومية هي الوحيدة التي تحمل السلاح، وتراقب بيع الأسلحة واستخدامها خارج النطاق القانوني”. وقد ردد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بعض هذه النقاط في بيان الإصلاح الذي أصدره في 13 شباط/ فبراير.
وإزاء تنامي الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الميليشيات في بغداد والبصرة وديالى وطوز خورماتو وبيجي، ذهب رئيس الوزراء العبادي أبعد من ذلك في 15 شباط/ فبراير عندما دعا إلى إجراء تدقيق في عدد أفراد «وحدات الحشد الشعبي» وشكك فيما إذا كان أكثر من 60 ألف مقاتل من هذه الوحدات يشاركون فعلياً في القتال مضيفاً: “لا بد لي من دعم المقاتلين الحقيقيين في «وحدات الحشد الشعبي»”. وبعد ذلك بيومين قام العبادي بتعيين الفريق الركن محسن الكعبي، الفريق الأقدم في حرس الحدود العراقي و”الشرطة الاتحادية”، نائباً إدارياً له، ليكون من الناحية النظرية مساوياً في منصبه للمهندس. وقد انطلقت هذه المعركة بالفعل الآن: فالعبادي يريد تخفيض 60 إلى 80 ألف من عدد أفراد «وحدات الحشد الشعبي»، في حين أن «منظمة بدر» والمهندس يريدان قوات مؤلفة من أكثر من 120 ألف مقاتل وميزانية لوجستية مستقلة عن وزارة الدفاع.
فض الحشد بصورة بطيئة
إن التعافي التدريجي لقوات الأمن العراقية الدائمة (الجيش و”الشرطة الاتحادية” والقوات الخاصة والشرطة) يشكل عاملاً آخر قد يسرّع الدعوات لدمج «وحدات الحشد الشعبي» في إطار القوات المسلحة. إن فعالية «وحدات الحشد الشعبي» التابعة لسلطة «بدر» والمهندس على أرض المعركة بدأت تنخفض ببطء على مدى الاثني عشر شهراً الماضية.
إلا أن النجاح في الدفاع [عن الأراضي] لم يعطِ «وحدات الحشد الشعبي» القدرة على انتهاك دفاعات تنظيم «الدولة الإسلامية» في مدن مثل تكريت أو بيجي أو الرمادي أو الفلوجة. ففي معركة تكريت على سبيل المثال، توجب على قوات الأمن العراقية أن تنقذ «وحدات الحشد الشعبي» التابعة لسلطة «بدر» والمهندس بدعم مدفعي إيراني بعد أن منيت بأكثر من ألفي قتيل خلال فترة جمود دامت ثلاثة أسابيع. أما الجيش العراقي و”الشرطة الاتحادية” ومتطوعي «وحدات الحشد الشعبي» من المؤسسات الدينية المدعومة من وزارة الدفاع وبدعم من القوة الجوية للائتلاف، فقد اخترقت دفاعات تنظيم «داعش» في غضون خمسة أيام فقط بأقل تكلفة ممكنة.
لا بد من الإشارة إلى أن الأمر نفسه حدث في مدينة بيجي حيث استغنت «وحدات الحشد الشعبي» التابعة لسلطة «بدر» والمهندس عن جهود مكلفة دامت أربعة أشهر لتطهير المدينة من جانب واحد، الأمر الذي ترك لقوات الأمن العراقية ولقوات التحالف قيادة العملية الناجحة لاستعادة بيجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2015. يُذكر أن هناك اعتراف متزايد بأن قوات الدولة العراقية المدججة بالسلاح والمدعومة دولياً هي فقط القادرة على استرجاع مدينة الموصل من يد تنظيم «الدولة الإسلامية».
إن فض حشد مقاتلي «وحدات الحشد الشعبي» وضمهم إلى وزارة الدفاع هي عملية مدعومة من الزعماء الدينيين والسياسيين الشيعة الذين يدركون قيمة الحشد الشعبي والدَيْن الكبير الذي يدين به جميع العراقيين لمقاتلي الوحدات، ولكنهم مع ذلك يعتقدون أن الوقت قد حان لدمج هذه القوات في إطار الوزارات الأمنية القائمة في الدولة.
وأحد الأمثلة المستخدمة بالفعل في هذا الإطار هو “فرقة العباس القتالية”، التي تم تشكيلها لدمج «وحدات الحشد الشعبي» غير التابعة لـ «بدر» ولا للمهندس ضمن جهود وزارة الدفاع. وتعمل وحدات هذه “الفرقة” بصورة كاملة تحت سلطة وزارة الدفاع، وتتلقى أسلحتها الثقيلة وأوامرها من الحكومة، ولا تسعى إلى التمتع بسلطة الاعتقال، وهي ملتزمة بحل نفسها بناء على طلب الحكومة.
وفي مرحلة ما خلال العامين المقبلين قد نشهد نهاية رسمية للفتوى التي تفرض مسؤولية جماعية على التعبئة الشعبية المسلحة. فالمجموعات التي تم جمعها في إطار “فرقة العباس القتالية” هي في وضع جيد يؤهلها للمشاركة في العمليات المدعومة دولياً، في حين أن «وحدات الحشد الشعبي» التي تخضع لقيادة «بدر» والمهندس عادة ما تنسحب من مثل هذه العمليات. كما أن عناصر “فرقة العباس القتالية” في وضع جيد ليتم دمجها في قوات الأمن العراقية الدائمة إذا كانت تريد الانضمام وهي مؤهلة لذلك.
مايكل نايتس
معهد واشنطن