ليس هناك في السنتين الماضيتين ما أزعج «حزب الله» قدر مقارنته بـ»داعش». ليست المقارنة سالكة، مع ذلك، ومعظم دروبها مسدودة. للحزب كتلة برلمانية، وحدث ذات مرة أن زار الأمين العام للأمم المتحدة أمينه العام، وحدث أيضاً ذات مرة أن حضر أمينه العام القمة الفرنكوفونية، وله «تفاهم» مع تيار مسيحي عريض، هو تيار العماد ميشال عون. وللحزب مسيحيوه ودروزه وسنته، ولا شيء من هذا، قياساً، في «داعش».
الحزب استصلح لنفسه مفهوم «المقاومة»، بأن استلفه من تاريخ حركات التحرر الوطني في القرن الماضي، أو من تجربة المقاومات في سني الحرب العالمية الثانية، وتحديداً المقاومة الفرنسية. تماماً مثلما استلفت الثورة الاسلامية الايرانية مفهومي الثورة والجمهورية من الغرب الذي ناهضته ثقافياً.
يبقى مع ذلك عنصر مشترك. لعبة الادغام. اللعب على الاسم، في الحالتين. في حالة «حزب الله»، استخدام المصطلح القرآني هذا، وتوظيفه لقول «الحزب السياسي» بالمعنى الحديث أيضاً. في حالة تنظيم «الدولة الاسلامية»، اللعب أيضاً على التباس مفهوم الدولة، بين الدولة المراد بعثها، «دولة المدينة»، وبين «الدولة الأمة». فـ»داعش» كثيراً ما يحاول اظهار انه يملك دولة بشروط الدولة الأمة، أي أرض وشعب ومؤسسات، قبل أن يستدرك ويرفض منطق «الوطنية» ويعتبر الوطنية من صنع الاستعمار الغربي.
في حالتي «حزب الله» و»الدولة الاسلامية» نحن اذاً أمام كيانين سياسيين، لا الأول يستقيم فهمه اذا نحن عرفناه كحزب سياسي، وعبثية التفريق الاوروبي بين جناحين للحزب خير دليل على ذلك، ولا الثاني يمكن الاستدلال عليه بمفهوم الدولة، قديمها وحديثها، ليس الا. في حالة «داعش» نحن أمام دولة «وكأنها حزب»، وفي حالة الحزب نحن أمام حزب «وكأنه دولة».
المقارنة بين الحزب والتنظيم لا تعني المماثلة، رغم ان «داعش» ينظر الى نفسه على انه «حزب الله» الحقيقي، والحزب ينظر الى نفسه على أنه يتبع «الدولة الاسلامية الحقيقية».
لكن هذه المعادلة بحد ذاتها تعطي للمقارنة قيمتها الأساسية: لم يعد ممكناً بعد تمرغ الحزب في الحرب السورية، وتحول «داعش» الى واقع كابوسي مزمن، فهم ماهية أحدهما بمعزل عن الآخر، ولم يعد ممكناً أيضاً طرح السؤال «ما هو الحل مع داعش؟» على حساب سؤال «ما هو الحل مع حزب الله؟».
قليلة هي المعارك التي خاضها الاثنان أي «الدولة الاسلامية التي هي أيضاً حزب الله» و»حزب الله الذي هو أيضاً الدولة الاسلامية» حتى الآن. التعويض الرمزي عن ذلك لدى الحزب هو «دعشنة» كل أخصامه، حتى بدت الامور عندها كما لو ان خيار الانسانية محصور بين خلافة داعشية وبين ولاية الفقيه.
للكيانين، الحزب و»داعش»، وجهة مهدوية، ولو تضادت وجهة هذا مع وجهة ذاك. المهدوية في التاريخ الاسلامي لم تكن حكراً على مذهب دون مذهب، ومهدوية «داعش» لا تقل في شيء عن مهدوية «حزب الله». وفي الحالتين، تعجيل لنهاية التاريخ الأرضي.
يصعب، بل يستحيل، تكرار مشهدية حضور أمين عام «حزب الله» افتتاح القمة الفرنكوفونية ذات يوم. يستحيل تماماً، أن يتطبع العالم مع فكرة وجود «داعش»، أو يعامله كما يعامل «طالبان» اليوم.
في الحالتين، القصة تتخطى «تغيير السلوكيات». صحيح ان لكل حالة سياقها المختلف تماماً، لكن ما يجمع بين الحالتين عملياً، وما هو النقطة الوحيدة للعمل المفيد في الفترة المقبلة، هو معادلة أنه لإضعاف هذا ينبغي إضعاف ذاك.
وسام سعادة
صحيفة المستقبل