مع كل سنة تمضي على اندلاع الثورة السورية يعد المتابعون تبعات هذه المرحلة، وبعد مرور خمس سنوات على هذا الحراك يبدو أن الحصيلة المجمعة إلى حد الآن تؤكد أن الشعب السوري مازال يدفع فاتورة رغبته في التغيير غاليا. وفي هذا الإطار أنجز المركز السوري لبحوث السياسات، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا، تقريراً رصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015.
ويرى التقرير أن خسائر الاقتصاد السوري في عام 2015 وصلت إلى درجة يمكن وصفه بالاقتصاد المتشظي، فقد قدر حجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية الصراع حتى نهاية 2015 بـ 254.7 مليار دولار أميركي، موزعة بين خسارة الناتج المحلي الإجمالي 64.1 بالمئة، وتضرر مخزون رأس المال 26.4 بالمئة، والإنفاق العسكري الإضافي للحكومة 5.7 بالمئة والإنفاق العسكري للمجموعات المسلحة 2.3 بالمئة، والإنتاج غير الرسمي للنفط والغاز 1.5 بالمئة.
أما خسارة الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية الأزمة فبلغت 163.3 مليار دولار، منها 49.7 مليار دولار للعام 2015 وحده. وشهد قطاع السياحة انهيارا كاملا، وتراجع القطاع الزراعي بشكل كبير، خاصة القطاع الحيواني.
وتراجع متوسط إنفاق الأسرة إلى مستوى غير مسبوق، وترافق تراجع دخل الأفراد مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك خلال 2015، أما الاستهلاك العام، فقد بلغ نسبة 33.1 بالمئة.
كما تراجع الاستثمار العام والخاص ليشكلا نسبة 9.2 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وبات الاقتصاد السوري في حالة من الانكماش واستهلاك الاحتياطات الأجنبية، فقد بلغ العجز التجاري 27.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. أما معدل البطالة فقد زاد من 14.9 بالمئة عام 2011 إلى 52.9 بالمئة نهاية 2015؛ إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل 2.91 مليون شخص ما يعني أن 13.8 مليون شخص قد فقد مصدر دخله.
وأدى النزوح والهجرة واللجوء وزيادة الوفيات إلى تراجع عدد السكان في الداخل من 21.8 مليون عام 2010 إلى 20.44 مليون نهاية 2015، لكن في حال عدم حصول الأزمة كان سيصل إلى 25.59 مليون.
معدل الفقر العام بلغ 85.2 بالمئة من السكان، منهم 69.3 بالمئة في فقر شديد، غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية
وغادر 45 بالمئة من السكان أماكن سكنهم بحثا عن الأمان والظروف المعيشية نهاية 2015، 6.36 مليون نسمة نزحوا داخلياً (منهم من نزح عدة مرات)، و3.11 مليون عدد اللاجئين خارج البلاد، منهم 1.17 مليون مهاجر.
وأما معدل الفقر العام فقد بلغ 85.2 بالمئة من السكان، منهم 69.3 بالمئة في فقر شديد، غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، و35 بالمئة هم في فقر مدقع، أي غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
ومن المفترض أن تكون سوريا من الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة عام 2015 لولا الأزمة، لكنها توضع في الدول المنخفضة، إذ تراجع ترتيبها العالمي من 121 إلى 173 بين 187 بلدا.
ووصلت نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي من إجمالي أطفال الفئة العمرية إلى 45.2 بالمئة خلال العام الدراسي 2015-2016. وبلغت نسبة خسارة الأرواح بين قتلى وجرحى 11.5 بالمئة من السكان نهاية 2015، فيما تراجع متوسط العمر من 70.5 سنة عام 2010 إلى 55.4 سنة عام 2015.
لكن التقرير لا يركز على أهمية أن السياسات الليبرالية الجديدة للحكومة السورية كانت تقود البلاد، منذ عام 2000، إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وأن تلك السياسات كانت المسبب الأساسي لانتفاضة الشعب خاصة في الأرياف والمناطق الفقيرة. التقرير أيضا يتجنب إدانة النظام السوري على دوره الأساسي في الوصول إلى حالة التشظي هذه، ربما لأسباب تتعلق بأمان معدّيه، حيث يتواجد بعضهم في الداخل، أو أن عدم الإدانة هذه سمحت بالحصول على معلومات أكثر دقة من جهات حكومية أو قريبة منها، كما يتجنب التقرير ذكر أسماء القوى المسيطرة على الصراع في الداخل، والمستفيدة منه، ويكتفي بتسميتها بقوى التسلط، دون الإشارة إلى أنها من جانب النظام أو المعارضة.
وهناك هوة يغفلها التقرير تتعلق بالآلية التي ستتحقق بها التوصيات التي ذكرها. وردم هذه الهوة يقع على عاتق الشعب وحده، فهذا يحتاج إلى نضالات طويلة، وضد نظام الحكم القائم والمدعوم دولياً، وضد القوى البديلة التي ستعيد إنتاج النظام القديم، وذلك يحتاج إلى أن يبني الشعب نفسه مجدداً في مؤسسات سياسية محددة الأهداف، وتملك أدوات الضغط والقوة والمحاسبة، وهو عمل منوط بالنخب السورية، اليسارية تحديدا.
ومن المهم أن نذكر أن التخلي عن سياسات اقتصاد السوق واستبدال الاقتصاد الريعي باقتصاد منتج أمر أساسي للخروج من حالة التشظي الاقتصادي والاجتماعي، والتي تنعكس إيجاباً على الحالة السياسية والثقافية والمؤسساتية وعلى كل مؤشرات النمو الاقتصادي والسكاني.
رانيا مصطفى
صحيفة العرب اللندنية