في الساعة 300 من فجر يوم الاثنين الموافق 17 أذار 2016 شهدت مدينة (بن قردان) التونسية التابعة لولاية (مدنين) والتي تقع أقصى الجنوب الشرقي بالقرب من الحدود الليبية-التونسية قتالا عنيفا ومواجهات عسكرية كبيرة لم تشهدها المدينة من قبل ، وفاجئت القوات العسكرية والامنية التونسية المتواجدة في المنطقة والتي قامت بها عناصر تابعة لتنظيم الدولة من المتواجدين على الاراضي الليبية قدمت عبر الحدود واشتبكت مع قوات تابعة للحرس الوطني والامن التونسي والمكلفين بحماية المدينة وأدت هذه المواجهات الى حدوث حالة من الخوف والذعر بين اهالي المدينة تمثل في محاولات القيام باقتحام الثكنات العسكرية والمقرات الامنية واستهداف المتواجدين فيها والسيطرة على المدينة واعلانها (ولاية) تابعة للتنظيم المتواجد على الاراضي الليبية وتحقيق الغرض السياسي والاعلامي من هذه العملية والمتمثل في استهداف مواقع سيادية ومراكز أمنية ومنشآت عسكرية لم يفلح التنظيم سابقا في الوصول اليها ، وتعزيز تواجده وامتداده في منطقة الحدود التونسية-الليبية بغية ارباك الوضع السياسي والامني في داخل الاراضي التونسية .
بداية الهجوم انطلق من منطقة الحدود مستهدفا منطقة (جلال) الواقعة وسط مدينة (بن قردان) لأهميتها وكونها تشرف على جميع المواقع والاماكن المهمة ،ومنها حاول مقاتلي التنظيم والبالغ عددهم (15) مقاتل ،ويستقلون سيارات دفع رباعي مستخدمين الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات في هجومهم على المدينة ، وكانت أهم أهدافهم السيطرة على مناطق (الامن والحرس الوطني ومقرات الجيش) في المدينة وأتسم الهجوم بصيغة حرب شوارع في أزقة وأحياء المدينة ولعدة ساعات عاشها أبناء المدينة ،الأمر الذي أدى الى استنفار جميع القوى والقيادات الامنية والعسكرية التونسية المتواجدة بالمدينة التي استخدمت جميع الاسلحة والمعدات العسكرية في مواجهة هذا الهجوم الارهابي الذي قامت به مجاميع قتالية بالتنسيق مع خلايا نائمة وعناصر داخل المدينة .
وشكل هذا الحدث خرقا أمنيا تعاملت معه الاجهزة التنفيذية بكل حزم وشدة وكانت لها رد فعل حاسم تمثل في القضاء على هذه المحاولة وقتل (36) ارهابيا والقبض على (7) آخرين .
وبقراءة هادئة وواقعية لهذا الحادث الارهابي يمكن لنا أن نحدد أهم الاهداف التي سعى اليها التنظيم بعمليته الارهابية هذه وهي :
1.ان قيادة التنظيم والمتواجدة في مدينة (سرت) الليبية اعادت للأذهان فكر وأهداف التنظيم بالتمدد والزحف للسيطرة على مدن وعواصم بلدان أخرى والانتشار في شمال أفريقيا وهذا ما سبق وأن أشرنا اليه بمقالنا الموسوم(تنظيم الدولة في ليبيا: الأهداف والغايات) بتاريخ 15 كانون الاول 2015 .
2.اعتماد قيادي التنظيم مبدأ الانتشار والتوسع باتجاه شمال أفريقيا خاصة بعد ان سيطر على أهم المدن الليبية (سرت وصبراتة) وأجزاء مهمة من مدينة أجدابيا واثبات وجوده وتحقيق أهدافه في التقدم والزحف باتجاه أراضي ومناطق استراتيجية.
3.محاولة التنظيم تعزيز قواعده القتالية وتنفيذ فعالياته الهجومية والتعرضية في بعض المدن الحدودية ومنها مدينة (بن قردان) والتي أثبت الاحداث أن خلايا نائمة تتواجد فيها وتعمل لصالح التنظيم وهي التي أعانته في هجومه الارهابي على المدينة .
4.تعزيز امكانية التنظيم في السيطرة على مواقع مهمة من المناطق القريبة من ليبيا وابتدأ بمدينة (بن قردان) التي يبلغ عدد سكانها أكثر من (75) ألف نسمة وبشريط حدودي مع ليبيا بمسافة 97 كم لتحقيق غايته بالوصول لمنطقة الجنوب التونسي .
5.جاءت هذه العملية بعد الغارة الجوية التي قامت بها الطائرات الامريكية على احد المعسكرات التدريبية التابعة لتنظيم الدولة في مدينة (صبراتة) الليبية وأدت الى مقتل العديد من مقاتلي التنظيم ومعظمهم من المقاتلين العرب والملتحقين بالتشكيلات القتالية للتنظيم .
6.سبق الهجوم على مدينة (بن قردان) أن قامت السلطات الامنية التونسية بعملية واسعة في العاصمة التونسية وتحديدا في حي (التضامن) الذي يعتبر من أكبر الاحياء في العاصمة أدت الى تفكيك خلية ارهابية تابعة لتنظيم الدولة تتكون من (6) عناصر وافشال مخططاتهم في استهداف مناطق عسكرية وأمنية حساسة ومهمة داخل العاصمة وتم خلالها السيطرة على عدد من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وكراسات لتعليم صنع العبوات الناسفة
وبعد أن سلطنا الاضواء على حقيقة الاهداف التي سعى التنظيم اليها من عمليته التعرضية على مدينة (بن قردان) علينا أن نحدد الابعاد الاستراتيجية التي تلت تنفيذ العملية والتي يمكن تحديدها بالاتي :
1.ان العملية أثبت النوايا والاهداف الحقيقية للتنظيم وسعيه الجاد في تأسيس ولايات اسلامية في جميع الاقطار العربية الواقعة شمال أفريقيا بعد نجاحه وتمكنه من السيطرة على بعض المدن الاستراتيجية في ليبيا .
2.تمكن التنظيم من الاعتماد على الخلايا النائمة والهادئة داخل العمق التونسي والتي شاركت في الهجوم على مدينة(بني قردان) وتعزيز قوته اثناء التعرض عليها وتمثلت في عدة قيادات ومقاتلين أهمهم :
أ.مفتاح بن حسين بن محمد مانيطة :وهو العقل المدبر لتنفيذ عملية الهجوم ومن الاوائل الذين وضعوا الخطوط الاولى لاقتحام المدينة والسيطرة عليها وهو من مواليد عام1977 من سكنة مدينة (مدنين) التونسية انضم للعمل مع تنظيم الدولة عام 2009 ويعتبر من أبرز العناصر التي تقوم باستقطاب الشباب التونسي واقناعهم للالتحاق بالتشكيلات القتالية التابعة لتنظيم الدولة في سوريا وليبيا ،تم قتله من قبل السلطات الامنية في التعرض الذي قام به التنظيم على مدينة (بني قردان) فجر يوم السابع من أذار عام 2016 .
ب. عادل بن محمد بن حنو الغندوري مواليد 1986 وهو من خطط لعملية التسلل للأراضي التونسية عبر الحدود مع ليبيا وصولا لمركز مدينة (بني قردان) ويرتبط بتنظيم الدولة منذ عام 2011 وهو من زود التنظيم بمعلومات كافية ووافية عن المدينة من حيث مخارجها وأزقتها وشوارعها ومفاتيح الدخول عليها ومن العناصر الفعالة والنشطة في التنظيم ،ولديه علاقة وثيقة مع القيادي التونسي (نور الدين شوشان) الذي تم استهدافه بغارة جوية من الطيران الامريكي أتناء تواجده في أحد معسكرات التدريب التابع للتنظيم بمدينة (صبراته) الليبية وأدت العملية الى قتله بتاريخ 19 شباط 2016 وهو من المتورطين بالاعتداءات على متحف باردو بمدينة تونس في 18 اذار 2015 أدت الى مقتل (21) سائحا أجنبيا .
ج.العز بن عبد القادر الفراني من مواليد 1969 ويعتبر حلقة الوصل بين جميع الخلايا الارهابية التي ترتبط بقيادات التنظيم في مدينة سرت الليبية والمسؤول عن نقل التعليمات والتوجيهات الى جميع عناصر التنظيم داخل الاراضي التونسية وتحديدا المدن الحدودية منها ،ويعتبر من أبرز قيادي تنظيم الدولة ولع علاقة ب(كتيبة الفرقان) المتواجدة في الاراضي الليبية والمسؤولة عن العديد من العمليات التي نفذت داخل العمق الليبي ،
3.أكدت العملية أن التنظيم عمل بشكل جاد على ايجاد قاعدة ارهابية له في مدينة (بني قردان) وتمكن من زرع العديد من عناصره فيها وتزويدهم بالأسلحة والرشاشات الخفيفة والمتوسطة وهذا ما أكدته عمليات المتابعة والمواجهة والتي قامت بها قوات الامن التونسي وتمكنت من تفكيك عدد من الخلايا الارهابية في المدينة وسيطرتها على شاحنة كبيرة تحوي أسلحة وأعتدة كان التنظيم ينوي استخدامها داخل المدينة .
4.اتسم الهجوم بالشمولية والتنظيم الجيد ولكنه فشل أمام عمليات التصدي والمواجهة التي قامت بها عناصر الامن والجيش التونسي المنتشرة في المدينة وبأسلوب علمي ومتقدم ينم عن وعي وادراك وحسن تدبير ومعرفة لخطورة الأحداث الجارية في ليبيا والتأهب لأي طارئ أو حدث جسيم فكانت صورة اليقظة والرد السريع الحاسم الذي أفشل نوايا التنظيم وقتل العديد من عناصره القيادية والمسؤول عن قيادة العملية والمخطط لها .
ان هذه العملية تؤشر لدينا الابعاد الخفية لتوجهات تنظيم الدولة وسعيه لبسط نفوذه وانتشار مقاتليه على أكبر مساحة من الارض يرى فيها إمكانياته وتخدم الطبيعة اللوجستية لتحركات عناصره وانتشاره وتنقيذ خططهم ، فهل نرى في الأيام القادمة ما يثبت حقيقة التوجهات التي تسعى اليها الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية في سعيهم الحقيقي لمواجهة التنظيم وايقاف زحفه في شمال أفريقيا بتعاون إقليمي ودولي غايته الحفاظ على الامن والاستقرار في منطقه تعتبر من المناطق المهمة والمواجهة للعمق الاوربي قبالة البحر الابيض أم سنرى استمرار العمليات الارهابية والتعرض على المدن الساحلية ومحاولة اختراق مناطق الحدود من داخل العمق الليبي وتمكين التنظيم من توسيع دائرة تأثيره على الاحداث في شمال أفريقيا .
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية