استطاع تنظيم الدولة الإسلامية منذ التسجيل الأول لقائد ما عرفت بـ”دولة العراق الإسلامية” أبو بكر البغدادي في أبريل/نيسان 2013 الذي أعلن فيه دمج تنظيمه مع تنظيم جبهة النصرة وحتى يونيو/حزيران 2014 لحظة إعلان “الخلافة الإسلامية” على لسان الناطق الرسمي في تنظيم الدولة أبو محمد العدناني أن يسيطر على أكثر من نصف المساحة الجغرافية للعراق وسوريا.
رفض البغدادي الرسالة التي وجهها أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري التي طلب فيها بقاء جماعة “دولة العراق” في العراق وجماعة النصرة في سوريا، مع توقف الطرفين عن نشر الرسائل الإعلامية، لكن البغدادي رد في رسالة صوتية منتصف يونيو/حزيران 2013 معبرا عن موقع حازم لا لبس فيه يقول إن “الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، ولن نساوم عنها حتى يظهرها الله تعالى أو نهلك دونها”.
التمكن والتوحش
بعد الرفض بدأت علاقة تنظيم الدولة تتوتر مع كل فصائل الجيش الحر واتهمها بالردة عن الدين، وبدأ باعتقال النشطاء واغتيال قادة في الجيش الحر، مما دفع الفصائل إلى حرب ضد التنظيم بدأ أول فصولها في بلدة الأتارب بريف حلب وجبل الزاوية في ريف إدلب، ثم انتقلت شرارتها إلى الرقة ودير الزور، وسرعان ما بدأ التنظيم بسحب مقاتليه إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي، وتثبيت خطوط مواجهة مع باقي الفصائل في ريف حلب الشمالي بقيت مستمرة حتى اليوم.
خاض تنظيم الدولة حربا ضروسا مع جبهة النصرة في المنطقة الشرقية للسيطرة على حقول النفط التي تعد المصدر الرئيس في تمويله، وأجبر الشرعي العام في النصرة (رأس هرم المرجعية الدينية في الجبهة) أبو ماريا القحطاني على الانسحاب إلى درعا عبر البادية السورية، مما اضطر الفصائل الصغيرة إلى مبايعة التنظيم الذي قام لاحقا بقتل المئات من شباب عشيرة الشعيطات التي وقفت في وجهه.
بعد شهور قليلة بدأ تنظيم الدولة بمحاولة مأسسة دولته فأنشأ الدواوين وقسم المناطق إلى ولايات وغير أسماءها، وزاد مساحات سيطرته باتجاه الحسكة ومنطقة القلمون وغوطة دمشق ليصل إلى تخوم محافظة السويداء والحدود الأردنية.
إعلان الخلافة
أعلن الناطق الرسمي أبو محمد العدناني قيام “الخلافة الإسلامية” في نهاية يونيو/حزيران 2014، وجاء في رسالته الصوتية التي بثها تنظيم الدولة أن “الدولة الإسلامية ممثلة بأهل الحل والعقد فيها من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى قررت إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة دولة المسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد أبو بكر البغدادي فقبل البيعة، وصار بذلك إماما وخليفة للمسلمين”.
تعد هزيمة تنظيم الدولة في عين العرب (كوباني) أول خسارة فعلية لمعركة يخوضها التنظيم بعد إعادة تكونه في شرق سوريا، حيث استمات في محاولة السيطرة على المدينة.
يعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور عبد الرحمن الحاج أن التحالف الدولي بقيادةأميركا أظهر إصرارا وجهدا كبيرا على كسب هذه المعركة واستطاع تكبيد تنظيم الدولة خسائر كبيرة.
هل انحسر تنظيم الدولة؟
وأشار الحاج إلى أن تنظيم الدولة بدأ بالتقلص في سوريا مرجعا ذلك إلى “عدم وجود حاضنة في سوريا بعكس العراق الذي يعيش السنة فيه مظلومية واضحة سياسيا، فضلا عن عمليات التطهير المذهبي التي تقوم بها المليشيات العراقية الشيعية”.
وتدلل خرائط العمليات العسكرية -التي يقوم بها التحالف الدولي مع قوات سوريا الديمقراطية– على الرغبة الأميركية الشديدة في حرمان تنظيم الدولة من المناطق النفطية بريفي دير الزور والحسكة حيث تتركز العمليات الآن.
ولفت الحاج إلى أن الصراع بين القوى هو صراع على المناطق النفطية، ورجح أن مستقبل السيطرة بعد طرد تنظيم الدولة سيكون لقوات جيش سوريا الجديد بسبب تركيبته العشائرية وكون أغلب مقاتليه هم من أبناء العشائر التي ارتكب التنظيم بحقها عمليات إعدام وإقصاء.
ومع ذلك فقد أشار الحاج الى أن تنظيم الدولة يتمدد عالميا رغم بداية انحساره في سوريا، معتبرا أن “محاولات القضاء على فروعه ستستمر وقتا طويلا جدا”.
من الناحية القتالية، طور تنظيم الدولة أساليبه القتالية بشكل كبير مستفيدا من النزعة الجهادية لمقاتليه والمبنية أساسا على رغبة “الشهادة” واعتبارها الطريق إلى الجنة.
ولفت الباحث العسكري والإستراتيجي عبد الناصر العايد إلى أن تنظيم الدولة “عمل على أدلجة المجتمعات المحلية، ونجح إلى حد ما في خلق جيل سني متعصب ولعبت معسكراته دورا كبيرا في هذا التكوين، خصوصا لدى الفتية”.
ويبدو أن تنظيم الدولة الذي أغلق كل نوافذ الحياة على المدنيين في مناطق سيطرته ترك لهم نافذة وحيدة هي النافذة الجهادية كخيار وحيد، ويساعده في ذلك القتل اليومي والغارات اليومية التي ذهب ضحيتها آلاف المدنيين.
وأكد العايد على تشابه التكتيكات القتالية في عدة معارك خاضها تنظيم الدولة مؤخرا، واعتمدت على المفخخات المركزة، ومئات “الانغماسيين” الذين يفجرون أنفسهم كما حصل في معركة مستودعات عياش قرب دير الزور.
ويبدو أن تنظيم الدولة عمل على تعميق العقيدة الجهادية للمقاتلين الأجانب، ودربهم بشكل كبير على الأعمال القتالية في معسكراته، وفي جبهات القتال الكثيرة في سوريا والعراق، وكسب المزيد من الأنصار المحليين، كل تلك المعطيات تشير إلى أن “دولة الخلافة” باقية إلى أمد غير قصير ولكنها لم تعد تتمدد كما كان شعارها.
منهل باريش
الجزيرة نت