أعلن المتحدث باسم قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية ستيف وارن عن استعدادات الفرقتين الـ15 والـ16 في الجيش العراقي لانطلاق عمليات نقل قواتها إلى معسكر مخمور شمال العراق، ضمن الترتيبات الجارية لاستعادة مدينة الموصل.
وفي 19 فبراير الماضي، كشف مسؤول كبير في القيادة المركزية الأميركية تفاصيل حول الهجوم العسكري الأكثر توقعا على نطاق واسع في العالم العربي، وهي المعركة لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. وقال المسؤول إن العمليات القتالية قد تبدأ في أبريل، وإنها ستضم قوات تتألف مما يصل إلى 25 ألف عراقي وكردي.
ومطلع هذا الشهر، وجّه وزير الدفاع الأميركي آشن كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد رسالة تفيد بأن القوات متعددة الجنسيات بدأت بقطع خطوط الإمداد والاتصالات في مدينة الموصل، وأنها حاصرت وعزلت مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من خلال هجمات سيبرانية وجوية وبرية.
وقال دانفورد إن قوات التحالف سوف تتعقب مقاتلي داعش داخل الموصل، وفي النهاية سوف تسعى إلى استعادة المدينة في القريب العاجل وليس في المستقبل البعيد. وجاءت تصريحات كارتر ودانفورد بعد أيام من قول الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه أعطى توجيهاته للجيش من أجل تسريع الحرب ضد داعش على كل الجبهات، بما في ذلك مدينة الموصل العراقية.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد تعهّد في 28 يسمبر 2015، بأن يكون العام الحالي 2016، عام استعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. ثم عاد العبادي وكرّر، في ذكرى تأسيس الجيش العراقي في 6 يناير 2016، أن استعادة كل أراضي العراق ومن بينها الموصل، من تنظيم داعش باتت قريبة. لكن قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، نفى ذلك وقال إنه من غير المرجّح أن يشنّ العراق هجوما لاستعادة الموصل من قبضة داعش في 2016 لأن قواته المسلحة غير جاهزة للقيام بهذه المهمة.
المتابع لسير التصريحات الواردة بشأن عملية استعادة الموصل، يلحظ أن تعهّد العبادي وتصريحات المسؤولين الأميركيين، يتعارضان مع تقديرات أميركية سابقة (صدرت في 2015) أشارت إلى أن الموصل، المعقل الأهم للتنظيم في الأراضي العراقية، لن تكون استعادتها ممكنة قبل ثلاث سنوات. لذلك، استقبلت التصريحات بتشكيك وتساؤل، فهي ليست المرّة الأولى التي يقرع فيها المسؤولون الأميركيون طبول الحرب على أبواب الموصل ويتحدّثون عن قرب انطلاق معركة استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية.
ولا يزال الخبراء والمسؤولون السياسيون يؤكّدون أنه رغم إعلان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش عن بدء العمليات التحضيرية لاستعادة المدينة، إلا أن حسم المعركة لا يزال غير ممكن قريبا.
ويشهد على ذلك المبعوث الأميركي الخاص بريت ماكورك، الذي قال إن معركة الموصل بدأت من خلال قطع الطريق بين الرقة والموصل، لكن من الضروري الاعتراف بأنها عملية “معقدة”.
ويقول قادة أميركيون إن الموصل، إلى جانب مدينة الرقة السورية، هما المعقلان الرئيسيان لتنظيم الدولة الإسلامية. وذكرت مجلة “ديفينس ون” الأميركية أن معركة استعادة الموصل ستكون من أكبر العمليات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة في العراق.
ولا يخفي الخبراء أن معركة استعادة الموصل ستكون من أصعب المعارك ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وستكون بمثابة المغامرة التي قد يصعب النجاة من عواقبها في حال فشل الهجوم لاستعادة الموصل، وفق مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي يوضّح أن التساؤلات الأهم الذي تطرح نفسها في أعقاب التصريحات الأخيرة حول اقتراب معركة الموصل هي، كيف يجب استعادة المدينة لضمان استقرارها على المدى الطويل؟ والأهم، وماذا لو انهارت الموصل لتصبح عبارة عن مناطق يسيطر عليها أمراء الحرب الطائفية على غرار العاصمة الليبية طرابلس اليوم؟
استعدادات ولكن..
مع تمكن القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية من استعادة مناطق واسعة في محافظة نينوى خلال الأشهر الماضية وفي مقدمها قضاء سنجار، لا يزال هدف استعادة الموصل خلال العام الحالي غير واقعي برأي الكثير من القادة الميدانيين والساسة، حيث تقول النائبة عن محافظة نينوى نورة البجاري إن “معركة استعادة الموصل ستستغرق أكثر من سنة ونصف وفقا لتقديرات القادة الميدانيين التي أبلغونا بها رغم تهيئة كل مستلزمات هذه المعركة”.
وتؤكد البجاري في تصريحات لـ”العرب”، أن “الرؤية الأمنية الحالية تركّز على استعادة أطراف محافظة نينوى تمهيدا لبدء معركة استعادة الموصل، وهو ما يجعل الكلام عن استعادة ثاني أكبر المدن العراقية خلال العام الحالي غير ممكن التحقق”.
وهذه الرؤية الأمنية، التي تحدثت عنها النائب عن محافظة نينوى، تعود إلى إدراك القادة الميدانيين لصعوبة المعركة المقبلة ليس فقط لكون الموصل هي أهم معاقل تنظيم داعش في العراق، بل لكون القوات التي ستشارك في المعركة لا تزال غير مهيأة، فضلا عن أن مدينة الموصل الكبيرة تضم داخلها ما لا يقل عن مليوني مدني سيصبحون بصورة أو بأخرى دروعا بشرية للتنظيم تعيق إنهاء وجوده بالسرعة التي تحدث عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ويعلم التحالف الدولي أن القوات التي ستنفذ الهجوم على الموصل لم تتهيأ بعد، الأمر الذي يدعم الرؤى التي ترى في تصريحات المسؤولين الأميركيين مزيجا من الارتباك والتردّد، وقد ذهب البعض إلى اعتبارها تحذيرا للخصوم.
وبدل إرسال لواء من القوات الأميركية لدخول الموصل، نشرت الإدارة الأميركية قوات خاصة لاستهداف قادة داعش وأرسلت الآلاف من المستشارين، الذين قضوا شهورا في إعداد قوات محلية من العراقيين والأكراد للقيام بهذه المهمة.
الجهات المشاركة
تلعب هوية الجهات المشاركة في المعركة المرتقبة دورا مهما في تحديد المدة الزمنية لانطلاق العملية وانتهائها. فالاتفاق الأخير بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان أكد على أن أي قوات غير تابعة لوزارتي الدفاع المركزية والبيشمركة الكردية، لن تشارك في عملية استعادة الموصل.
وأكد ذلك كفاح محمود، المستشار الإعلامي في مكتب رئيس إقليم كردستان، حيث قال في تصريحات لـ”العرب“ إنه “تم الاتفاق بين وزارة الدفاع الاتحادية ووزارة البيشمركة في إقليم كردستان والتحالف الدولي على وضع خطط لاستعادة مدينة الموصل من قبل الأطراف الثلاثة”، مشيرا إلى أن الاتفاق “أكد على عدم وجود أي جهة أخرى في عملية وضع خطة استعادة الموصل”.
وتعني تصريحات المسؤول الكردي عدم مشاركة الحشد الشعبي بفصائله المختلفة، فضلا عن عدم مشاركة ما يعرف بالحشد الوطني، المكون من متطوعين ينتمي أغلبهم إلى مدينة الموصل، وهو ما يفسر رغبة الحكومة العراقية في إبعاد الخلافات السياسية عن المعركة المرتقبة وبالتالي سيؤدي هذا العامل أيضا إلى تأخر انطلاق المعركة وحسمها. غير أن هذه القوات (الحشد الشعبي والحشد الوطني) ستكون جهات داعمة لعملية استعادة الموصل لكن بمهام ثانوية كقطع طرق الإمداد ومسك الأرض وغيرها. تدرك السلطات العراقية أن عامل وجود المدنيين داخل الموصل سيلعب الدور الأهم في حسم المعركة ومن أجل ذلك تتعامل الجهات الحكومية بحذر شديد مع هذا الأمر خصوصا أن التنظيم يستخدم المدنيين دروعا بشرية ويستغلهم في مهاجمة القوات الأمنية العراقية من خلال تجنيدهم جبرا.
وتحاول القوات الأمنية العراقية منذ فترة تأمين خروج المدنيين من الموصل رغم إدراكها أن داعش لن يسمح لهؤلاء بسهولة ترك (أرض الخلافة) لا سيما وأنه يفرض شروطا تعجيزية لمن يريد المغادرة لضمان عودته، كرهن أحد أفراد أسرته أو تقديم مبلغ مالي هائل لا يمتلكه أغلب الموصليين اليوم.
وتحاول هذه القوات إقناع سكان الموصل بأن المعركة باتت قريبة لحثهم على مقاومة تنظيم داعش أو التزام الحياد على الأقل من خلال المنشورات التي تلقيها الطائرات العراقية على المدينة، فضلا عن طريق إذاعة أطلقت بثها لهذا الغرض وهي “إذاعة الصندوق”.
وكما يشير الخبير الأميركي مايكل نايتس، فإن استعادة السيطرة على الموصل وتحقيق الاستقرار الأساسي فيها سيكونان عمليتين أطول مدى وأكثر تعقيدا مما هو متوقع. وإن الأمر لن يكون سهلا وبالسرعة المنتظرة، حيث أن استعادة السيطرة على الموصل يظل مسعى يستحق العمل من أجل تحقيقه، وأن تحقيقه لا يكون إلا باتباع طريقة مثلى. لقد كانت قبضة داعش المسيطرة على ثاني أكبر مدينة في العراق تشكل رمزا لنجاح التنظيم. وبالتالي فقد تكون معركة الموصل المعركة الوحيدة في العراق التي يمكن أن تثبت بشكل حاسم أن تنظيم داعش قضية خاسرة
إبراهيم صالح
صحيفة العرب اللندنية