عندما تأتي «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (آيباك) إلى واشنطن الأسبوع الجاري لعقد مؤتمرها السياسي السنوي، يتصدر أجندة قضاياها دفع الكونجرس إلى التصديق على قوانين من شأنها «محاربة مقاطعة إسرائيل». وهذه الحملة الرامية إلى إحباط جهود «المقاطعة وسحب الاستثمارات أو فرض العقوبات» ضد إسرائيل، أصبحت حركة واسعة الانتشار من خلال مبادرات تؤيدها «آيباك»، تنشط ليس فقط في الكونجرس، ولكن أيضاً في عشرات المجالس التشريعية في الولايات.
وهذه القوانين، على المستوى الفيدرالي والولايات، على اختلافها، تهدف إلى معاقبة أية حكومات أو شركات أو منظمات أو أفراد يقاطعون إسرائيل أو يسحبون استثماراتهم منها أو يفرضون عقوبات بحقها أو بحق أي إسرائيليين أو منتجات مستوردة من «الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي».
وثمة أسباب كثيرة تجعل من الضروري التصدي لهذه الحملة، فهي في المقام الأول تُخضع الحكومة الفيدرالية الأميركية وحكومات الولايات لابتزاز ومزايدة من قبل دولة أجنبية هي إسرائيل. والقوانين المنظورة أمام الكونجرس والمجالس التشريعية في الولايات، تقتفي أثر تشريع تم تمريره في إسرائيل نفسها عام 2014. وهو ما يجعل المؤسسات الحكومية مجرد امتدادات لـ «الكنسيت»، وهذا في أفضل الأحوال أمر غير لائق ومحرج. وفي حين أن إسرائيل وحلفاءها كثيراً ما يشتكون من أن الأمم المتحدة منحازة، فقد حولت الكونجرس الأميركي والمجالس التشريعية في الولايات إلى مجرد «أتباع» يتصرفون بحصانة لتنفيذ رغبة الحكومة الإسرائيلية.
وستجعل القوانين المناهضة «للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» الولايات المتحدة متعاونة مع إسرائيل في انتهاكاتها للقانون الدولي، وذلك بحماية المستوطنات الإسرائيلية التي بنيت بصورة غير قانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبضم «الأراضي الفلسطينية المحتلة» للقوانين، فإن الكونجرس والمجالس التشريعية التي تمرر هذه القوانين تحاول تغيير السياسة الأميركية القائمة منذ وقت طويل بعدم إضفاء الشرعية على المستوطنات التي بنيت على أراضٍ ضمتها إسرائيل بعد عدوان عام 1967.
وتنتقد مشروعات القوانين المنظورة أمام الكونجرس بصورة خاصة سياسات الاتحاد الأوروبي، التي أعلنت أن المنتجات الواردة من الأراضي المحتلة لن توضع عليها بطاقة تعريفية مكتوب عليها «صنع في إسرائيل»، وبدلاً من ذلك، يقتضي القانون تمييزها بأنها «صنعت في الضفة الغربية المحتلة». وبمعاقبة هذا الإجراء الأوروبي، يقامر المشرعون الأميركيون بالإضرار بالعلاقات التجارية للولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين.
ولا بد أيضاً من النظر إلى معارضة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بحق إسرائيل» على أنها انتهاك لحق الأفراد والمنظمات في السعي بالوسائل غير العنيفة إلى الاحتجاج ضد أي سلوك يستقر في وجدانهم أنه غير قانوني. وقد كفلت المحكمة العليا الأميركية حق المقاطعة أثناء حركة الحقوق المدنية. وفي الحملة ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، دخل المشرعون الأميركيون في عصيان مدني لإجبار حكومة الولايات المتحدة على فرض عقوبات على حكومة جنوب أفريقيا في عهد التمييز العنصري. وما دامت أنشطة البناء الاستيطاني الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تمثل انتهاكاً للقانون والمواثيق الدولية، فأي مسار أفضل كي يسلكه المعترضون على هذا السلوك من أن يقوموا بحملة «مقاطعة وسحب استثمارات وفرض عقوبات» غير عنيفة ضد هذه المستوطنات ومنتجاتها ومن بنوْها واستثمروا فيها؟
وزعم إسرائيل ومؤيديها أن «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» هي «تصرف أحادي الجانب يتعارض مع البحث عن السلام» أمر مضحك حقاً، لأن الواقع هو أن «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» ليست سوى مجرد رد على الإجراءات الأحادية الإسرائيلية التي تتعارض مع البحث عن السلام، خصوصاً مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وإنشاء مستعمرات إسرائيلية وشق طرق في الأراضي المحتلة التي جعلت من شبه المستحيل قيام دولة فلسطينية متماسكة.
وفي نهاية المطاف، لا بد أن يكون من الواضح أن التشريعات المناهضة «للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل» التي تدعمها «آيباك» هي نفاق وقح، لأنها من الناحية العملية تفرض عقوبات على أولئك المتهمين بالمقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على الاحتلال.
والمثير للقلق بشكل كبير حقيقة، أن هذه الحملة المناهضة «للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» اكتسبت زخماً كبيراً، وأصبحت عناصرها أشد جرأة. فهم يستخدمون لهجة أشد قسوة تصف من يدعمون «المقاطعة» بأنهم معادون للسامية ويساوون مساعيهم بالنازية. وقد أنشأت الحملة موقعاً إلكترونياً يعرض ملفات الطلاب النشطاء الذين يؤيدون المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، ويحذرون أصحاب العمل المحتملين بشأن مخاطر توظيفهم عند تخرجهم. وتعكف الحملة الآن على محاربة «المقاطعة» في الحرم الجامعي بزعم أنها شكل من أشكال «معاداة السامية» التي يجب حظرها.
ويكشف ذلك انتهاك قوة السياسة في أسوأ صورها. وتفعل «آيباك» ما تفعله لأنها تستطيع ذلك دون وازع أو رادع
جيمس زغبي
صحيفة الاتحاد