في الثامن من شهر نوفمبر من العام الماضي، نشرت لي جريدة إيلاف مقالا بعنوان “هل بدأ التنازل لحل المشكلة السورية؟”. ذكرت في المقال أن: “التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية الذي بدأ في الثلاثين من شهر سبتمبر 2015م، لا بد ان يكون محكوما بسقف زمني لا يتعدى نهاية السنة نفسها (أي عام 2015م). هذا السقف تحكمه اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية أكدها الرئيس الروسي نفسه في اكثر من مناسبة، لعلمه ان الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تريد له ان يغرق اكثر فأكثر في المستنقع الروسي، وعندما يفشل في تحقيق نصر عسكري على الأرض – وهو الاحتمال الأكبر – سوف تتبخر احلامه ببسط نفوذه في الشرق الأوسط. كما ان الاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات المفروضة عليه من قبل الدول الغربية وانخفاض اسعار النفط لا يتحمل كلفة هذه الحرب التي تترواح بين 2.5 مليون وأربعة ملايين دولار يوميا”.
ها هو الرئيس “فلاديمير بوتين” يفاجئ العالم يوم الاثنين من الاسبوع الماضي، انه اوعز لوزير دفاعه بالبدء في سحب القوات الروسية من سوريا اعتبارا من اليوم التالي (أي يوم الثلاثاء مباشرة)، مدعيا ان التدخل حقق اهدافه على نطاق واسع، ولم يذكر الأهداف التي تم تحقيقها.
في اعتقادي الشخصي المتواضع، ليس صحيحا ان التدخل العسكري الروسي قد حقق اهدافه، فما زال الصراع العسكري في سوريا بين النظام والمعارضة المسلحة غير محسوم لصالح أي طرف. كما ان المنظمات التي تصنف إرهابية – داعش واخواتها – لا زالت مسيطرة على جزء كبير من سوريا، وتملك القدرة على الحركة والتحدي.
التدخل العسكري الروسي لم يقض لا على المعارضة العسكرية ولا على المنظمات الارهابية، والانجاز الوحيد الذي حققه هذا التدخل هو انه عزز الى حد كبير موقف نظام “الأسد” الذي كان على حافة السقوط قبل التدخل الروسي، واضعف الى حد ما المعارضة العسكرية الوطنية. بعد اسابيع على بدء الضربات الجوية الروسية، اظهر تحليل نشرته “وكالة رويترز” ان 80% من الغارات الجوية الروسية لم تكن موجهة ضد مواقع داعش او مقاتليه بل كانت موجهة ضد مواقع المعارضة العسكرية الوطنية.
يبدو ان قرار الحل والربط بشأن الأزمة السورية اصبح في ملعبي روسيا والولايات المتحدة، بعدما ثبت عجز كل من النظام الحاكم والمعارضة على الحسم العسكري. كما يبدو ان القوتين الكبريين قد اتفقوا فيما بينهم على فرض نظام حكم فيدرالي في سوريا أولا، ثم تعميمه على دول اخرى في المنطقة كالعراق وليبيا واليمن.
الحديث عن الفيدرالية في سوريا ليس بجديد، لكنه يعود بقوة هذه الأيام، وهناك مراكز ابحاث غربية تتدوال منذ فترة تقارير عن نقاشات امريكية – روسية في هذا الشأن. سواء صحت هذه التقارير او لم تصح، سوريا لن تعود كما كانت قبل انتفاضة عام 2011م، سوريا الدولة القومية لم يعد لها وجود، ما هو موجود حاليا هو إقتتال بين اطراف متنافسة، وكيانات غير تابعة للدولة، وقادة فصائل متناحرة. سيكون من الصعب جدا إعادة سوريا لتكون دولة واحدة. لقد إنفصمت عرى النسيج الاجتماعي والصلات القوية التي تحافظ على تماسكه. وهذا ينطبق على كل من العراق وليبيا واليمن. نجحت الفيدرالية في الدول الغربية المتحضرة لأنها، أولا: فصلت الدين عن الدولة. وثانيا: شعوبها اكثر وعيا منا بمصالحها.
كشفت انتفاضات الربيع العربي ان الشعوب العربية شعوبا كارهة لبعضها البعض وكارهة لأوطانها، وهذا الكره المتبادل ناتج من التكوين القبلي والعشائري والديني والمذهبي المتجذر في الشخصية العربية. القوى الاستعمارية التي سيطرت على العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى عبر اتفاقية سايكس بيكو عملت على تغذية هذه النعرات لتتمكن من السيطرة على الشعوب العربية واستغلال ثرواتها. اما انظمة الحكم العربية العسكرية والقبلية التي خلفت الاستعمار في اواخر الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، والتي حكمت شعوبها بالحديد والنار لم تعمل على القضاء على هذه النعرات، بل تركتها تستعر كالجمر تحت الرماد.
اعتقد ان الدول الكبرى تعمل على رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية، مشابهة الى سايكس بيكو الأولى ولكن بصيغة جديدة، تقوم على تقسيم بعض الدول العربية على أسس دينية ومذهبية وقومية وإثنية. الأوضاع المضطربة في الدول العربية المستهدفة تساعد على تحقيق ما تصبوا اليه الدول الكبرى. تبقى اسرائيل هي الدولة الوحيدة المستفيدة من كل ما يجري في الشرق الأوسط.
هل نحن على أعتاب سايس بيكو بصيغة جديدة؟
نقلا عن ايلاف