كمن فسّر الماءَ، بعد الجهدِ، بالماءِ، طلع علينا “التحالف الوطني” (الشيعي) ببيان هو أقرب إلى ثرثرة روّاد المقاهي منه إلى كلام ذي مضمون يتناسب مع الأوضاع الخطيرة التي تشهدها البلاد والمفتوحة على أسوأ الاحتمالات، والموجبة لاتخاذ قرارات جدّية من جانب القوى السياسية، صاحبة النفوذ والهيمنة في السلطة في المقام الأول.
قيادة التحالف الوطني عقدت أول من أمس اجتماعاً، هو الثاني لها في غضون أربعة أيام. وهذا الاجتماع كما الاجتماع الأول المنعقد الخميس الماضي، تكرّست أعماله لبحث الوضع السياسي، وبخاصة ما تعلّق منها بقضية الإصلاح المطروحة الآن من أدنى خلية في المجتمع إلى أعلى مؤسسة في الدولة. فبماذا نطقت قيادة التحالف الوطني لا فُضَّ فوه كل واحد من أعضائها؟
البيان الصدر عن الاجتماع قال “انطلاقاً من مسؤوليّة التحالف الوطنيِّ في إنجاز مَهمّة الإصلاحات الشاملة، وفي غمرة التواصل الهادف إلى إيجاد الحلول العمليّة للأزمة الراهنة، واستكمالاً للنقاشات والحوارات السابقة، أكدت الهيئة القياديّة على ضرورة التمسُّك بالإصلاحات الجذريَّة على المُستويات السياسيَّة والاقتصاديّة والتشريعيّة، مُشدِّدة على أهمّـية مبدأ التفاهم والتشاور والتنسيق مع الكتل السياسيّة والمُؤسَّسات الدستوريّة، للإسراع بتحقيق عمليّة الإصلاح المطلوبة، واختزال الزمن والجهد”.
وكما نسأل باللهجة العامية عندما نستوضح أمراً أو لا نفهم كلاماً أسألُ: “شنو يعني؟!”.. لم أفهم شيئاً مما ورد في البيان الذي ليس فيه حق ولا باطل، فهذا الكلام معاد ومكرر مرات ومرات من التحالف الوطني ومن سائر القوى السياسية المتحكمة بالسلطة التي لا تريد حلّاً للمشكلات والأزمات المتسببة هي فيها فتعقد اجتماعات وتصدر بيانات لا تتضمن غير الهمهمات والتأتآت… كلام التحالف الوطني غير مفهوم ،لأنّ ما كان متوجباً على التحالف الوطني، وسائر القوى السياسية المتنفّذة في السلطة، أن يعطي رأياً محدّداً في الوضع الراهن والتطورات الجارية، وأن يقترح برنامجاً أو خريطة طريق للخروج من المأزق الشامل الذي تواجهه الدولة والمجتمع سواء بسواء.
بهذا البيان وبيان اجتماع الخميس الماضي يبدو التحالف الوطني كمن يسعى للاختباء في زاوية معتمة أو يهرب إلى الأمام لكي لا يؤدي ما عليه من مستحقات.
التحالف الوطني أكبر كتلة في البرلمان والحكومة وفي الدولة كلها، فهو يستحوذ على أغلبية مصادر السلطة والثروة، ويرتّب عليه هذا مسؤولية رئيسية في حل الأزمة الراهنة التي يتحمل هو المسؤولية الأساس عنها، ليس فقط لأنه يقود الحكومة ويحتل اغلبية مقاعد مجلس النواب، وإنما أيضاً لأنه هو الذي ألحّ وأصرّ منذ 13 سنة على إنشاء نظام المحاصصة الطائفية والحزبية والإثنية وعلى كتابة دستور ناقص بأحكام ملتبسة، وهو الذي تمسّك بأن يكون الكتلة الأكبر في البرلمان ليضع الحكومة في ايدي أشخاص لا يصلحون لإدارة دكان.
بيانات اللاّحقّ ولا باطل الصادرة عن قيادة التحالف، والتصريحات والبيانات التهديدية لبعض مكوناته واستقالات وزراء مكونات أخرى، كلها، لن تعفي التحالف الوطني ولن تخفّف من مسؤوليته الكبرى عما جرى لنا من ويلات وما حلّ في بلادنا من خراب.
والآن فإن إلغاء نظام المحاصصة في يد التحالف،إن أراد، وتعديل الدستور في يده، والتغيير الحكومي في يده، وتشريع القوانين في يده، وإعادة تشكيل “الهيئات المستقلة” في يده أيضاً.. ولا مجال للتنصّل.
عدنان حسين
موقع المدى