تتطلع اليابان في أعقاب الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية 5+1، إلى تعزيز علاقاتها بإيران من جهة، وإلى أن تتقدم على المنافسين الدوليين الذين قد يزاحمونها في اقتناص الفرص التي توفرها السوق الإيرانية المُشرَعة من جهة أخرى. لذلك تُعد اتفاقية الاستثمار الثنائي المبرمة بين البلدين مؤخرًا بداية جيدة يُنتظر منها أن تُمكِّن الشركات اليابانية من إيجاد موطئ قدم لها في هذه السوق. وبالإضافة إلى التجارة والاستثمار، تُبقي كل من طوكيو وطهران على ارتباطهما من خلال التجارة في مجال الطاقة، فضلًا عن أنهما طوَّرتا صلات قوية بين شعبيْهما. وبينما تتحسن الروابط الثنائية بين البلديْن، فإن اليابان تخشى من سلوك إيران في الشرق الأوسط، لأنه أحد مصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب تمويل طهران لحزب الله ونشاطاته في كلٍّ من سوريا واليمن.
مقدمة
حافظت كل من اليابان وإيران تاريخيًّا على صلات قوية بينهما لاسيما بسبب التعاون الوثيق بين البلديْن في مجال الطاقة وفرص الاستثمار المشتركة، إضافة إلى العلاقة الجيدة بين الشعبين. ولكن هذا لا يمنع أن العلاقات بينهما شهدت خلال العقد الماضي توترًا ملحوظًا بسبب ما أُثير من أسئلة حول سعي إيران الحثيث لتطوير برنامجها النووي ورغبتها الكامنة في امتلاك برنامج أسلحة نووية خاص بها، والواقع أن اليابان تعارض بشدة في المحافل الدولية ومنذ عقود انتشار الأسلحة النووية، وتتبع سياسة صارمة في هذا المجال تتلخص في “المبادىء الثلاثة ضد الأسلحة النووية”: حظر امتلاكها أو إنتاجها أو السماح بإنتاجها. كما تُعد اليابان حليفًا مهمًّا للولايات المتحدة الأميركية؛ لذا يتوجب عليها أن تكون حذرة في علاقتها مع إيران لاستيعاب أي نقد محتمل من قِبل واشنطن، ما يجعل من الموازنة بين مصالحها في هذا الإطار تحديًا للعلاقات اليابانية-الإيرانية خاصة في السنوات الأخيرة، ويبدو الآن أن الاتفاق النووي جعل هذا التحدي أسهل.
استئناف الاستثمارات والتجارة
وقَّع كل من وزيريْ خارجية اليابان وإيران بطوكيو، في 5 فبراير/شباط 2016، اتفاقية للاستثمار الثنائي، في خطوة متقدمة لتطوير العلاقات اليابانية-الإيرانية، وهي ليست بعيدة عن التعهدات التي التزمها الطرفان خلال لقاء عُقد على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2015، بين كلٍّ من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي ركَّز على الروابط الاقتصادية بين البلديْن، والسعي من أجل تسهيل استثمارات الشركات اليابانية في إيران. هذا ولطالما اعتبر آبي الاستثمار مُحفزًا يدفع إيران إلى الامتثال للاتفاق الذي يحدُّ من برنامجها النووي والمُوقَّع مؤخرًا بين إيران والقوى الكبرى الستة. غير أن اليابان تبدي اهتمامًا كبيرًا أيضًا باستئناف تدفق وارداتها من الطاقة من إيران، والتي انخفضت بشكل كبير بسبب العقوبات التي أقرَّها مجلس الأمن الدولي قبل توقيع الاتفاق النووي.
تُشجِّع الاتفاقية الاقتصادية الجديدة بين اليابان وإيران الاستثمارات في كلا البلدين، وتشمل إقرار وحماية المشاريع الاستثمارية(1)، وإعطاء اليابان وضعًا تفضيليًّا فيما يتعلق بالاستثمارات المستقبلية في إيران، كما تمكَّنت طوكيو من إدخال شرط في الاتفاقية يشير إلى أنها لا تغفل أهمية الإشكالات الأمنية الأخرى لحماية مصالحها من المخاطر: “لا يوجد في هذه الاتفاقية ما يمكن تفسيره على أنه يمنع الطرف المتعاقد (أي اليابان) من تبني أو تعزيز أي من الإجراءات:
- المتَّخذة في أوقات الحرب أو الصراع المسلح أو غيرها من الضرورات المتعلقة بالطرف المتعاقد أو العلاقات الدولية.
- التي تتعلق بتطبيق السياسات الوطنية أو الاتفاقات الدولية التي تحترم منع انتشار الأسلحة.
وفي أعقاب الانسحاب الياباني، تحركت الصين لانتزاع الفرصة في آزادغان، في منافسة مثيرة لخطط الاستثمار اليابانية، وحصلت مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) في سنة 2010 على حصص في تطوير حقول آزادغان. ورغم ذلك فقد كان الاتفاق الصيني-الإيراني قصير الأمد، نظرًا لتكرار تأخر المؤسسة الصينية في تنفيذ الاتفاق؛ ما دفع طهران إلى إنهاء العقد في إبريل/نيسان 2014، ما شكَّل فرصة أخرى لليابان لتعود إلى آزادغان، خاصة وأن إيران تبحث عن مستثمرين يتمتعون بخبرات تقنية عالية.
ومع وضع الاتفاقية اليابانية-الإيرانية الجديدة موضع التنفيذ، فإنها ستوفر ظروفًا مواتية للشركات اليابانية لانتزاع حصة من السوق الإيرانية. وبالفعل فقد شرعت السلطات الإيرانية في محادثات مع شركات يابانية مثل موربيني وإنبيكس بخصوص مشاريع مستقبلية لتطوير آزادغان. ومع ذلك، يُشار إلى أن اليابان لا تزال تواجه منافسةً شديدة في آزادغان؛ حيث شركة هيونداي الكورية الجنوبية، وشركات فرنسية مثل: توتال، وفينسي، وإنتربوز، تخوض محادثات للحصول على حصة في مشاريع آزادغان.
والجدير بالذكر أن اليابان حصلت على ضمان مالي من طهران قيمته 10 مليارات دولار بموجب ملحق خاص بالاتفاقية، وسيتم توفيره، حسب المجلة الآسيوية-نيكي، من خلال شركة نيبون لتأمين التصدير والاستثمار وبنك اليابان للتعاون الدولي على أن تكفل الحكومة الإيرانية هذا التمويل، وهو ما يُمكِّن الجانب الياباني من تجنب الخسارة(4).
أمن الطاقة
لا عجب من أن علاقات أفضل بين كلٍّ من اليابان وإيران سيؤطِّرها في الغالب القضايا المتعلقة بأمن الطاقة. فاليابان، في النهاية، تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الأجنبية، وخاصة تلك التي في منطقة الشرق الأوسط. استوردت اليابان في السنة الماضية ما يزيد على 80% من حاجاتها من النفط الخام من المنطقة، والمورِّد الرئيسي دول من مجلس التعاون الخليجي، مثل: السعودية (34%)، والإمارات العربية المتحدة (24%)، وقطر (11%)، والكويت (7%). ويُذكر أن حصة صادرات إيران من النفط إلى اليابان قد تراجعت وبشكل مطَّرد خلال العقد الماضي؛ وذلك من ذروة كانت تبلغ 16% من مجموع واردات النفط اليابانية في سنة 2003، إلى 5% فقط من هذا المجموع في سنة 2015.
الاعتبارات الأمنية والجيوسياسية
إن العلاقات اليابانية-الإيرانية لا تقتصر على الطاقة فقط وتأتي في سياق آخر، فإذا وضعنا جانبًا حرص اليابان على تأمين حاجاتها من نفط الشرق الأوسط بشكل مستديم، فإن إدارة آبي بذلت جهودًا خلال السنوات الأخيرة من أجل تعزيز دور اليابان الدولي، وتبديد مفهوم الجزيرة المعزولة الذي ارتبط بصورة اليابان على مستوى العالم. وباعتبار هذه الخلفية، قام آبي بثلاث رحلات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ انتخابه في ديسمبر/كانون الأول 2012، تضمنت زيارات مكثفة لعدَّة دول: تركيا (مرتين)، ومصر، وإسرائيل، وفلسطين، والأردن، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين. هذا، ومن المحتمل أن يتطلع آبي إلى زيارة إيران في السنوات القادمة، أو على أقل تقدير، قد نشهد تبادلًا للزيارات بين كبار الدبلوماسيين ورجال الأعمال من كلا البلديْن، وذلك بالطبع نتيجة للاتفاق النووي وإمكانية تحسن العلاقات بين طهران والمجتمع الدولي.