يبدو أن ثمة توسعًا في وتيرة إنشاء وزارات معنية بشئون الهجرة والمهاجرين في عدد من دول الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، وإن اتخذت مسميات مختلفة، لا سيما في مصر، والمغرب، وتونس، والجزائر، والأردن، وإسرائيل، وتركيا، والعراق، وإيران؛ حيث اتسع نطاق دورها بشكل ملفت للانتباه لتشمل العديد من المهام أبرزها التعامل مع مشكلات المواطنين في الخارج، واستقطاب الكفاءات من المهاجرين، وتشجيع التحويلات المالية وتيسير إجراءاتها، والإشراف على تدريب اللاجئين والنازحين، وتوطين المهاجرين والعناصر البشرية. لكن على الرغم من ذلك لا تزال أدوار تلك الوزارات تواجه حزمة كبيرة من التحديات التي من شأنها عرقلة قدرتها على تأدية مسئولياتها.
مستجدات دافعة:
دفعت حزمةٌ من المستجدات بعض دول الإقليم لتوسيع دور الوزارات والهيئات المعنية بشئون المهاجرين والجاليات في الخارج؛ ويأتي في مقدمتها تزايد أعداد الرعايا خارج الحدود بشكل واسع، فبعيدًا عن دول الصراعات المسلحة التي أفرزت ملايين اللاجئين والمهاجرين، فإن أعداد المهاجرين من الدول المستقرة قد باتت متزايدة إلى حد بعيد، فقد بلغ عدد المصريين في الخارج -وفقًا لتقديرات الاتحاد العام للمصريين في الخارج- ما يقارب 9,7 ملايين من بينهم 86 ألف عالم موزعين على كافة دول العالم تقريبًا.
كما بلغ عدد المغاربة في الخارج، وفقًا لتصريحات رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ما يربو على 4,5 ملايين مغربي، فضلا عن تزايد عدد التونسيين أيضًا خارج بلدهم وفقًا لتقديرات الحكومة إلى نحو 1,3 مليون شخص، في الوقت الذي بلغ فيه عدد المغتربين الأردنيين ما يقارب مليون شخص. وامتد الوضع ذاته للدول غير العربية في إقليم الشرق الأوسط، حيث بلغ عدد الأتراك في الخارج حوالي 2,9 مليون وفقًا لتقديرات الحكومة التركية، وهو الأمر ذاته في إيران، فوفقًا لتقديرات جواد قوام شهيدي أمين عام المجلس الأعلى لشئون الإيرانيين المقيمين في الخارج، فقد بلغ عدد الإيرانيين المهاجرين ما يقارب 5,4 ملايين شخص.
ويُضاف لذلك حدوث تغير في طبيعة المشكلات التي باتت تواجه هذا الحجم الضخم من الجاليات الخارجية، بحيث اتسعت لتشمل ليس فقط المشكلات التقليدية للعمالة كالأجور والحقوق والواجبات وشئون الإقامة، وإنما أيضًا تضمنت قائمة كبيرة من المهددات تجلت في اعتداءات مستمرة على العمالة والجاليات الأجنبية، فضلا عن تعرض بعضهم للاختطاف من جانب التنظيمات الإرهابية المسلحة في بعض دول الإقليم، وهو ما بدا جليًا على سبيل المثال في قيام تنظيم “داعش” باختطاف وقتل بعض العاملين المصريين في ليبيا في يناير 2015، وهو ما دفع العديد من دول الإقليم لتطوير أدوار الوزارات المعنية بشئون الهجرة لمعاونة وزارات الخارجية في التعامل مع مشكلات الجاليات في
أدوار جديدة:
اتسعت وظائف وأدوار الوزارات المعنية بشئون المهاجرين والرعايا في الخارج بشكل لافت؛ حيث لم تعد مقتصرةً على الوظائف التقليدية؛ بل امتدت لتأدية وظائف جديدة، بحيث يُمكن تلخيص أبرزها، فيما
1- التعامل مع مشكلات المواطنين في الخارج: اتخذ التعامل مع مشكلات المواطنين والرعايا في الخارج بُعدًا جديدًا في اختصاصات وزارات الهجرة. فعلى سبيل المثال قامت وزيرةُ الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج نبيلة مكرم بدور رئيسي في فتح قنوات اتصال متعددة مع العديد من المسئولين السودانيين للإفراج عن طلبة مصريين تم التحفظ عليهم على خلفية تسريب امتحانات الثانوية العامة، وهو ما حدث بالفعل في النهاية.
2-استقطاب الكفاءات من المهاجرين: تعد العراق من أولى الدول التي اهتمت بذلك؛ حيث بدأت وزارة الهجرة والمهاجرين العراقية في عام 2014 بعقد المؤتمر الأول لعودة الكفاءات العراقية المهاجرة إلى الخارج لكونها تمثل القاطرة الحقيقية التي يمكن أن تضع العراق على الطريق الصحيح، لكن تدهور الأوضاع الأمنية بشكل مستمر وغياب حالة الاستقرار السياسي والمجتمعي حال دون تحقيق هذا الهدف، خاصة بعد سيطرة تنظيم “داعش” على العديد من المناطق العراقية، مما أوقف كافة التحركات الحكومية في هذا الصدد.
3- تشجيع التحويلات المالية وتيسير إجراءاتها: بدأت وزارات شئون المهاجرين في القيام بدور جديد يتمثل في محاولات استقطاب وحث رؤوس الأموال على العودة والاستثمار في الداخل بهدف توفير العملات الأجنبية. وقد تجلى ذلك بوضوح في حالة مصر؛ حيث رعت وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج حملة لحثِّ المصريين في الخارج على شراء شهادات دولارية أطلقها البنك المركزي تحت مسمى “شهادة بلادي” لدعم الاقتصاد المصري. كما تبنت السلطات التونسية النهج ذاته، ففي منتصف عام 2015، أعلن بلقاسم الصابري، وكيل وزارة الشئون الاجتماعية الذي كان مكلفًا بشئون الهجرة والإدماج المجتمعي آنذاك، بأن بلاده بدأت في تبني استراتيجية جديدة تهدف إلى تحويل أموال التونسيين المقيمين في الخارج إلى مشروعات واستثمارات داخلية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في إطار التوجهات العامة للمخطط الخماسي 2015-2020.
4- الإشراف على تدريب اللاجئين والنازحين: ففي بدايات عام 2015 قامت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية بالإشراف على الدورات التدريبية التي أعدتها بعض المنظمات الإنسانية، لا سيما المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في كربلاء للنازحين من مدنهم نتيجة الحرب الدائرة فيها. كما أشرفت الوزارة على عمليات توزيع المساعدات العينية والغذائية للأسر النازحة في المحافظة ذاتها. وبالتالي، فقد تحول دورها ليشمل ليس فقط اللاجئين في الخارج، وإنما النازحين في الداخل أيضًا.
5- توطين المهاجرين والعناصر البشرية: ويتركز هذا الدور بشكل رئيسي في إسرائيل، حيث تؤدي وزارة الهجرة الإسرائيلية بالتعاون مع الوكالة اليهودية، وهي مؤسسة شبه حكومية مكلفة بشئون الهجرة إلى إسرائيل، دورًا بالغ الأهمية في حشد وحث اليهود في كل دول العالم للهجرة إلى إسرائيل، وقد استطاعا معًا زيادة عدد المهاجرين إلى إسرائيل، حيث بلغ عدد الذين هاجروا في عام 2014 نحو 26 ألفًا و500 شخص، بزيادة تُقدر بـ32% عن عام 2013. ويبدو أن تلك المؤسسات قد نشطت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، لا سيما في مارس الفائت، حيث أعلنت عن نقل 19 يهوديًّا من اليمن إلى إسرائيل.
تحديات متعددة:
لكن على الرغم من محاولات تطوير أدوار ووظائف تلك المؤسسات، إلا أنها في الوقت ذاته تواجه حزمة أكبر من التحديات التي تعوق عملها. ولعل أبرز تلك التحديات يتمثل في غياب الثقة بين المواطنين ودولهم فيما يتعلق بالسبب الحقيقي وراء تشكيلها، بخلاف الطابع الموسمي لتلك الوزارات المعنية بالهجرة، إذ يتعرض بعضها للإلغاء بعد فترة زمنية، ويعود بعضها الآخر للاندماج داخل وزارات أخرى، فضلا عن عدم وجود قدر من التنسيق بين تلك الوزارات والهيئات في الدول المختلفة، والتي يعد بعضها حديث النشأة نسبيًّا، والافتقاد لتوصيف واضح ومحدد لنطاق عملها ووظائفها الجديدة، مما يجعلها مرهونة بتغير سياسات الدولة، دون توافر استراتيجية عمل وإطار حاكم لعملها، بما يعني أن الخطوات التي اتخذتها بعض تلك المؤسسات والهيئات هي مجرد إرهاصات جنينية في طور التكوين، أي أنها لم تصل إلى درجة النضج الكافي، بحيث يمكن الاعتماد عليها في حل المشكلات التي تواجه الجاليات الخارجية، لا سيما مع تعاظم التحديات واتساع نطاقها وتصاعد تأثيرها.
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية