أن يكون لله حزب فهي فكرة مجازية وردت في القرآن الكريم، بالرغم من أن الأحزاب قد تم نبذها في غير مكان من الكتاب المقدس نفسه.ومن الصعب التكهن بما تنطوي عليه الكتب السماوية من ألغاز. فهناك سيل من العبارات التي يمكن أن تؤدي إلى معان مختلفة.
فـ“حزب الله” اللبناني مثلا هو عصابة طائفية. فهل يُقبل أن تتماهى عصابة قامت باختطاف طائفة من المسلمين في بلد صغير مثل لبنان كما ورد في كتاب مقدس، كان الغرض منه هداية البشرية إلى الصراط المستقيم؟ وفي سنوات سابقة وقع الكثيرون في غرام حزب الله. اللبنانيون كانوا الأشد بلاهة حين اصطفوا وراءه في مغامرته المدمرة عام 2006.
وقد وقع الكثيرون يومها في شركه. كان من غير المعقول أن يقف المرء مع إسرائيل كرها في حزب الله الذي استفز الدولة العبرية لكي تشن عدوانها الذي دفع اللبنانيون ثمنه. وكما يبدو فإن اللبنانيين كانوا في حاجة إلى أن تقوم ميليشيا الحزب باحتلال بيروت عام 2008 ليتأكدوا من أن الوحش الذي احتضنوه لن يمتنع عن التهامهم.
لقد أيقظتهم الصدمة، لكن بعد فوات الأوان. بعدها اختلفت لغة سيد المقاومة، فصار يوجه عصاه مرة في اتجاه إسرائيل، ومرات في اتجاه اللبنانيين الذين ارتفعت أصواتهم منددة بالسلاح الذي يقع خارج سيطرة الدولة التي استباحها حزب الله. وفي حقيقة الأمر فلبنان لم يعد دولة مستقلة في قرارها السياسي، سواء في ما يتعلق بشؤونها الداخلية أو في علاقتها بالعالم الخارجي.
وهو ما لا يعني أن حزب الله الذي صار يملي قراراته على الدولة اللبنانية كان يتخذ تلك القرارات ليكون لبنان تحت هيمنته المستقلة والحرة. فبعد أن صار لبنان بمثابة رهينة بيد منظمة تتلقى التعليمات حرفيا من إيران، صار عليه أن يفاجئ الآخرين بتبعيته المفضوحة للقرار الإيراني. فعلى سبيل المثال كشف اللبنانيون عن عجزهم عن انتخاب رئيس لدولتهم. لا لشيء إلا لأن الولي الفقيه لا يملك الوقت للالتفات إلى تلك المسألة الثانوية، في خضم الصراع الذي يديره ضد العرب.
قد تكون مسألة انتخاب رئيس هي أقل مشكلات لبنان تعقيدا في ظل الهيمنة الإيرانية التي سببت حرجا للدول العربية، وبالأخص تلك التي كانت حريصة على دعم لبنان. فهل كان من المقبول أن تستمر تلك الدول في ضخ الأموال خدمة للمشروع الإيراني في لبنان؟
لقد تبيّن لتلك الدول أن الفصل بين لبنان وذلك المشروع الخبيث لم يعد متاحا. فزعيم الحزب يجاهر بولائه لنظام ولاية الفقيه وهو ما لم يفعله مريدو إيران في العراق، بالرغم من أنهم لا يخفون غرامهم بإيران. ناهيك عن أن المرجعيات الدينية الشيعية كلها (باستثناء عدد من المرجعيات الإيرانية في قم) لا تعترف بولاية الفقيه.
ولم يكن نصرالله غامضا في مسألة تبعيته لخامنئي. لقد قال غير مرة “أنا جندي في جيش الولي الفقيه”. وهو ما يعني أن الرجل قد حسم انحيازه في حالة وقوع خلاف إيراني- عربي. ومثله في ذلك مثل هادي العامري، الذي يتزعم اليوم ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، بعد أن كان مقاتلا في صفوف الجيش الإيراني أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
لذلك فإن هيمنة حزب الله على لبنان تعني، بالضرورة، انتقال البلد ذي التركيبة الطائفية المعقدة إلى الضفة الأخرى، وهي ضفة سيكون من الجنون أن يأمن العرب إلى ما يمكن أن يصدر عنها من شرور وأذى. ولأن حزب الله لا يملك مشروعا وطنيا، فإن مصير لبنان بين يديه سيكون كالحا، وبالأخص بعد أن فقد غطاءه العربي.
فاروق يوسف
صحيفة العرب اللندنية