جدد الرئيس الأميركي باراك أوباما موقفه من الصراع الدائر في سوريا، بالقول إنه “من الخطأ أن ترسل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو مجموعة الدول الغربية قوات برية إلى سوريا وتطيح بنظام الأسد”، بينما تواصل قوات النظام السوري قصف مواقع الفصائل المعارضة رغم وقف إطلاق النار.
لا يحمل الموقف الأميركي جديدا، من حيث المبدأ، إلا أنه في ظل التطورات المتسارعة على الأرض، يعتبر بمثابة هدنة سياسية مع النظام السوري، وطوق نجاة له، لا سيما عندما وضع كافة أطراف الصراع السوري في سلة واحدة، معلنا أنه يجب ممارسة ضغوط على المستوى الدولي على كل الأطراف الموجودة (في الساحة السورية) لكي تجلس حول الطاولة وتعمل على التفاوض من أجل مرحلة انتقالية. وأشار أوباما في حديثه إلى كل من روسيا وإيران اللتين تقدمان الدعم للنظام السوري، بالإضافة إلى المعارضة السورية المعتدلة.
وكرر الرئيس الأميركي في مقابلة مع هيئة “بي بي سي”، أن “الحل العسكري وحده” لن يسمح بحل المشكلات على المدى البعيد في سوريا. وأشار إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكل الدول الغربية المشاركة في التحالف العسكري في سوريا.
والتزام أوباما في تصريحاته بتجاهل الحديث عن مصير الأسد، نقطة الخلاف الجوهرية بين وفدي النظام والمعارضة في مفاوضات السلام التي تواجه مأزقا، يحول دون التوصل إلى مرحلة انتقالية، وقال إن سوريا “في موقف مأساوي ينطوي على الكثير من التعقيد…لا أعتقد أن هناك أي حلول بسيطة”.
التزام أوباما في تصريحاته بتجاهل الحديث عن مصير الأسد، نقطة الخلاف الجوهرية بين وفدي النظام والمعارضة في مفاوضات السلام التي تواجه مأزقا
وهناك مخاوف لدى الرئيس الأميركي والأمم المتحدة حيال خطر انهيار الهدنة الهشة بين القوات الحكومية وقوات المعارضة، والتي بدأ سريانها في فبراير الماضي وسط تجدد للقتال.
وفي أعقاب اللقاء الذي عقدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع أوباما في قصر هيرنهاوزن بمدينة هانوفر، قالت ميركل إنها علمت بموضوع عدم الحفاظ على الهدنة في سوريا “بقلق للغاية”. وأضافت أنها اتفقت مع أوباما على ضرورة توجيه “كل القوى” صوب إنجاح عملية السلام.
وأكد أوباما أنه سيكون من الصعب للغاية تخيل نجاح ما يطلق عليها “منطقة آمنة” في سوريا دون التزام عسكري كبير.
وأضاف “لا يتعلق الأمر الخاص بإقامة منطقة آمنة في أراض سورية باعتراض أيديولوجي من جهتي..لا علاقة للأمر بعدم رغبتي في تقديم المساعدة وحماية عدد كبير من الأشخاص ..الأمر يتعلق بظروف عملية بشأن كيفية تحقيق ذلك”.
يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه رياض حجاب، المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض أن الهيئة علقت مشاركتها في مفاوضات جنيف احتراما للدم السوري الذي يسفك بسبب قصف النظام وحلفائه، ونتيجة سياسة الحصار تحت نظر وسمع المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا وفريقه.
واتهمت الهيئة العليا للمعارضة السورية، الحكومة بخرق الهدنة، التي اتُفق عليها بوساطة أميركية روسية، بشكل متكرر. وقالت الهيئة إنها “لا ترى شركاء جادين”. وانتقد الرئيس الأميركي الدول التي لم توافق برلماناتها على اتخاذ إجراء في سوريا، لكنها ” مازالت تريد من الولايات المتحدة أن تفعل شيئا حيال ذلك”.
وأكد أوباما أنه لا يتوقع القضاء على تنظيم الدولة خلال الأشهر التسعة المتبقية من فترة رئاسته الثانية، لكنه رجح في نفس الوقت أن هناك إمكانية لمجابهة التنظيم من خلال تضييق الخناق عليه، وتقليص البيئة التي تساعده على العمل، والقضاء على معاقله.
ويرى مراقبون أن تصريحات أوباما تصب في مصلحة نظام الأسد، وتمنحه الفرصة لمواصلة الرهان على الحل العسكري، بينما يسعى لعقد تحالفات عسكرية على الأرض تضمن له ترجيح كفة المفاوضات لصالحه، إذ أعلن، الأحد، عن توصل مسؤولين في الحكومة السورية وأكراد إلى اتفاق يعيد الهدوء إلى مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا ويتضمن تثبيت الهدنة وتبادل المعتقلين بين الطرفين، وهو ما يمنح النظام فرصة تركيز حملاته العسكرية ضد قوات المعارضة في شمال سوريا.
وقال مصدر أمني كردي “تم التوصل بعد منتصف الليل إلى اتفاق يعيد الهدوء إلى مدينة القامشلي وينص على تبادل المعتقلين بين الطرفين” بعد اشتباكات دامية منتصف الأسبوع الماضي.
وأكد مصدر أمني حكومي التوصل إلى الاتفاق خلال اجتماع عقد في مطار القامشلي بين ممثلين عن الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية. وأوضح أنه “تم الاتفاق على إبقاء مفعول الهدنة” المعمول بها منذ الجمعة، فضلا عن “تبادل المخطوفين والجرحى المصابين بدءا من الأحد”.
وتوصل الطرفان، الجمعة، إلى اتفاق هدنة بعد يومين على اشتباكات دامية بين قوات النظام السوري وقوات الدفاع الوطني الموالية لها من جهة وقوات الأمن الداخلي الكردية (الأساييش) من جهة ثانية، إثر اشكال وقع عند أحد الحواجز الأمنية في القامشلي، التي نادرا ما تشهد حوادث مماثلة.
وذكر المصدر الأمني الكردي أن الاتفاق “يتضمن الإفراج عن الأكراد الموقفين في القامشلي منذ ما قبل العام 2011، وعدم اعتقال أي كردي بسبب التجنيد أو أي سبب آخر، وكذلك عدم اعتقال أي عربي أو مسيحي منضم للوحدات أو يعمل لدى الإدارة الذاتية”. وأكد أن المقاتلين الأكراد لن ينسحبوا من المناطق التي سيطروا عليها خلال الاشتباكات مثل سجن علايا وشوارع ونقاط أخرى تابعة لقوات النظام و”الدفاع الوطني”.
وتتقاسم قوات النظام والأكراد السيطرة على مدينة القامشلي، إذ تسيطر قوات النظام وقوات الدفاع الوطني على مطار المدينة وأجزاء منها، فيما يسيطر الأكراد على الجزء الأكبر منها. وانسحبت قوات النظام السوري تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في سوريا العام 2012.
صحيفة العرب اللندنية