في الوقت الذي سيصل فيه الكونغس الأمريكي الجديد إلى واشنطن لأداء اليمين الدستورية في يوم 6 يناير/كانون الثاني، فإن القضايا الرئيسية في الحرب والسلم لا تزال تتلاطمها الأمواج.
وبموجب قانون الميزانية الذي أقره الكونغرس المنتهي فترته في أواخر ديسمبر فإن 75% من إجمالي 1.6 مليار دولار مخصصة لتمويل الحرب في العراق وسوريا في عام 2015م على قائمة الانتظار ريثما يقوم الكونغرس بتقييم تقدم الحرب ونتائجها، بالإضافة إلى تفويض جديد لاستخدام القوة العسكرية التي لا زال البيت الأبيض بقيادة الرئيس «باراك أوباما» يسعى بشتى الوسائل لتجنبها تمامًا. كما يطالب الكونغرس بإحاطة ”استراتيجية“ من البيت الأبيض.
وفي هذه اللحظة الانتقالية؛ هناك تقييمان مُختلفان جذريًا بشأن حالة الحرب ضد «الدولة الإسلامية» وآفاق العام المقبل جذبا الاهتمام في واشنطن. وهما يعكسان النقاش التالي.
صاغ المحرر البارز «جيمس فالوس» مقالاً مُطوّلاً نشرته «أتلانتك مونثلي» تحت عنوان استفزازي: «مأساة الجيش الأمريكي». لكن في تناقض صارخ، أعطى الجنرال «جون ألين» – مبعوث الرئيس أوباما الخاص للحرب ضد الدولة الإسلامية – تقييمًا إيجابيًا للصراع الدائر في مقابلة مع «شبيجل الدولية» نهاية العام؛ حيث حدد خطوط سياسة واضحة بشأن الطريقة التي تعتزم واشنطن التعامل من خلالها مع كل من إيران والحكومة السورية في الحرب الدائرة على «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.
ولكن «ألين» يعمل لحساب وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وليس في سلسلة القيادة العسكرية. وسواء حدث ذلك بموافقة الجيش أو لا فهو ليس سوى سؤال مفتوح.
ويقول «فالوس» إنه على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر وأفضل جيش في العالم في الوقت الراهن، إلا إنه هُزم خلال السنوات الــ13 الأخيرة في الحرب في العراق وأفغانستان من قبل قوات أصغر حجمًا وأخرى مسلحة غير نظامية أكثر فقرًا، ما حال دون تحقيق الولايات المتحدة الوصول للأهداف الاستراتيجية المعلنة قبل بدء القتال. كما لفت إلى مُقابلات أجريت مع مجموعة واسعة من ضباط الجيش المتقاعدين.
أكبر معضلة أمام استراتيجية الولايات المتحدة – بحسب فالوس – هي ”الانفصال“ بشكل متزايدٍ بين القادة المدنيين والسكان بشكل عام من جهة، والجيش من جهة أخرى. وفي حين أن الجيش هو المؤسسة الأكثر احترامًا في البلاد، إلا إن صانعي السياسات وغالبية السكان على حد سواء ليس لديهم أدنى فكرة أو حتى حس نقدي حول كيفية استخدام الجيش للقوة العسكرية لخدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الواقع. وهذا يناقض تمامًا انتصار الحرب العالمية الثانية؛ حيث شارك ما يقرب من 10٪ من سكان الولايات المتحدة في الحرب وتأثر المجتمع كله بتلك الحرب.
ولاحظ «فالوس» في فترة السبعينيات أن الجمهور كان أكثر حسمًا بشكل بالغ من الجيش في إنهاء حرب فيتنام، ولكن العامة اليوم يقدّسون ويعبدون القوات المسلحة؛ ولكن من منطلق جهل يجعل عبادة البطل أكثر خطورة. والنتيجة هي أن الولايات المتحدة ستخوض غمار حرب دائمة سوف تفشل في تحقيق كل هدف استراتيجي، ومن ثم يترتب على ذلك الاستمرار في إنتاج أنظمة عسكرية باهظة الثمن لا تخدم أي غرض قتالي بكفاءة، ولكنها تملأ جيوب مجمعات الصناعات العسكرية التي حذر منها الرئيس «أيزنهاور» في خطبته الأخيرة.
ويؤكد «فالوس» أنه بسبب هذا الانفصال المدني والعسكري لم يتم عزل جنرال أمريكي واحد للفشل في القتال، ويتواصل الإنفاق الدفاعي من دون استيعاب ما إذا كانت الأسلحة ”عالية التقنية“ تخدم الاحتياجات القتالية للقوات العسكرية أم لا على أرض الواقع.
ويضرب «فالوس» مثالاً بطائرة مقاتلة تابعة للجيل الجديد من طراز (إف – 35)، والتي هي الأعلى تكلفة وأقل استخدامًا بالإضافة إلى كونها أقل الطائرات المقاتلة فعالية في التاريخ الأمريكي. وتبلغ تكلفة تطوير طائرة (إف – 35) تريليون ونصف دولار أمريكي، ولكن الطائرة الآن من المرجح أن تتوقف لتمهد الطريق أمام جيل آخر أحدث من طائرات الشبح الفائقة بدون طيار.
وعلى الجانب الأخر، قدًم الجنرال «جون ألين» في 2 يناير/كانون الثاني صورة مختلفة تمامًا عن تلك التي عرضها «فالوس» حينما تحدث إلى «شبيجل» موضحًا أن جهود الولايات المتحدة في العراق وسوريا كانت ناجحة بشكل ملحوظ طالما بدأ الجدول الزمني مع قرار سبتمبر 2014م من قبل الرئيس «أوباما» بإطلاق برنامج «تدريب وتجهيز» جديد تتبعه غارات جوية وانتشار عسكري للقوات الأمريكية، وتجاهل التطورات في العراق وصعود «الدولة الإسلامية» بين عامي 2011 ومنتصف عام 2014م.
وناقش الجنرال «ألين» أنه من المبكر جدًا تقييم نتائج الحرب ضد «الدولة الإسلامية» مُشيرًا أنها سوف تستمر لسنوات. وسرد العناصر الخمسة لخطة أوباما الرامية إلى ”إضعاف ثم تدمير“ التنظيم التي سيطر على مناطق في العراق وسوريا: تقديم الدعم العسكري لشركاء واشنطن المحليين، ووقف تدفق المقاتلين الاجانب إلى العراق وسوريا، ووقف تدفق الأموال إلى «الدولة الإسلامية»، ومعالجة الأزمة الإنسانية، وأخيرا فضح الطبيعة الشريرة لأيديولوجية «داعش».
وأوضح «ألين» أيضًا أن الولايات المتحدة لن تقوم ”أبدًا“ بتنسيق عمليات عسكرية ضد «الدولة الإسلامية» مع إيران؛ حيث إن إدارة «أوباما» تعتبر الإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد» من السلطة شرطًا مُسبقًا لأي نتائج ناجحة في الحرب ضد «الدولة الإسلامية».
وقال «ألين» إن هزيمة «الدولة الإسلامية» لن تكتمل حتى تتم هزيمة «الفكرة» التي وراء الحركة الجهادية، وهو ما وصفه بالتحدي الهائل وطويل الأجل. وفشل في سرد تفاصيل كيف خططت إدارة أوباما للقيام بمثل هذا الجهد، أو ما إذا كانت قد ناقشته في الأساس.
ومن الواضح أن هناك بعض الحقيقة الكامنة وراء كل من روايات «فالوس» و«ألين». والسؤال الذي سيدور في الأشهر الأولى من السنة الجديدة هو ما إذا كانت التحذيرات العميقة التي ألقاها «فالوس» سيُسمع لها صدى في البيت الأبيض والكابيتول هيل (ولاحظ فالوس أنه مع بعض التفاؤل سيكون هناك حرب بين 30 من المحاربين القدامى في العراق وأفغانستان داخل الكونغرس الجديد الذين سيكون لديهم بعض المعرفة المباشرة والخبرة في تحديات الحرب غير المتناظرة الحديثة).
وباستثناء وحيد هو الجنرال «ألين» الذي هو في الواقع مُعيّن لوزارة الخارجية ولكن لديه علاقة شخصية وثيقة مع الرئيس «أوباما»، لا يوجد أحد في دائرة البيت الأبيض الداخلية من المستشارين ذوي الخبرة العسكرية. ومع رحيل وزير الدفاع «تشاك هيغل» الذي فقد وظيفته لأن مستشارة الأمن القومي «سوزان رايس» كان تنظر إليه على أنه قريب جدًا من هيئة الأركان المشتركة وقادة القتال ولا يدين بالولاء الكافي لأوباما، فإن الانفصال الخطير بين القيادة المدنية والعسكرية الذي سلط «فالوس» الضوء عليه من الممكن أن تتسع دائرته.
وبالفعل؛ يتفق الحزبان داخل الكونغرس على أن البيت الأبيض يدير بصورة مركزية وتفصيلية السياسة الخارجية الأمريكية وسياسة الأمن القومي لدرجة لا تترك مجالًا لتصحيح المسار.
نقلا عن الخليج الجديد