“الذئاب المنفردة”مصطلح إستخباري يدل على قيام شخص او أشخاص، غير منظمين، اي لا يخضعون الى تنظيم هرمي، يستلمون منه التعليمات للقيام بعمليات ارهابية، بل يقوم الشخص اوالاشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن امكانياتهم الذاتية. أغلب الأشخاص المنفذين لمثل هذه العمليات، يكونوا من الشخصيات السوية الأعتيادية والتي لاتثير الشك في سلوكها وحركتها اليومية. أغلب هذا النوع من الأشخاص يكونوا من الشباب من اصول عربية واسلامية، ومن الذين يقيمون في اوربا ودول غربية. ومنذ عملية قطارات لندن عام 2005 ولحد الان لم تستطيع القاعدة من تنفيذ عملية واسعة في اوربا. لتنتقل العمليات الارهابية من العمليات الواسعة للتنظيم إلى أفراد. هذه العمليات ممكن اعتبارها بانها محاولة من التنظيم لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الاول للقاعدة، الذين تقدم بهم السن وخرحوا من الخدمة. تقوم عمليات الذئب المنفرد عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات والتي يمكن الحصول عليها في الاسواق دون ان تجلب الانتباه والمراقبة. أغلبهم لا يتردد إلى المساجد، ولايرتدي السروال الافغاني واطلاق اللحي ويتقن اكثر من لغة مع اجادة عالم الانترنيت والتقنيات الحديثة. إن المعلومات التي توفرها شبكة الانترنيت، حول كيفية التحول من مواطن عادي الى “جهادي” مفخخ، تعتبر مادة قيمة من وجهة نظر القاعدة والجهاديين. وتقدم المواقع الجهادية المعلومات بعدد من اللغات الاجنبية، لتبرهن بانها تستهدف الشباب في المجتمعات الغربية.
أبو مصعب السوري
وفقا لمعلومات الموسوعة الحرة فهو من مواليد حلب، سوريا 1958، اسمه الحقيقي مصطفى عبد القادر حسين. تخصص في هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة وعمل مدرباً في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين قبل انتقاله الى تنظيم القاعدة. التحق بتنظيم القاعدة في بداية تأسيسه وكان من المقربين الى بن لادن . تفرغ أبو مصعب السوري خلال فترة “الجهاد” الأفغاني إلى دراسة الكتب الشرعية وخاصة كتب ابن تيمية واهتم بتراث علماء السلف وكتب أئمة الدعوة النجدية وسيد قطب وعبد الله عزام . أسس “معسكر الغرباء” في قاعدة “قرغة” العسكرية في كابل. اعتزل أبو مصعب وتفرغ للبحث والتأليف بعد عام 2001. اعتقلته السلطات الأمريكية في باكستان عام 2005 ورحلته إلى سوريا. أطلقت الحكومة السورية سراحه في 2012 وهويعرف بـ”مهندس القاعدة الجديدة” بنقل حرب القاعدة الى الغرب، و يتلخص المخطط في أن كل مسلم “يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد”.
لكن عمليات القاعدة والتظيمات الجهادية التي تعمل بمظلة القاعدة وتقاتل تحت راياتها السود، مازال تقاتل في السوح العربية والاسلامية ومنها العراق وافغانستان وسيناء وسوريا واليمن. مايحدث للقاعدة هو إنحراف في مساراتها، وربما هذا الانحراف واستقطابها شرقا كان مقصود من قبل وكالات الاستخبار الغربية.
مخاطر الخلايا الفردية
عمليات الذئاب المنفردة، ظهرت متاخرة ربما نهاية عام 2009، باعتبارها البديل الى عمليات تنظيم القاعدة المركزي. المراقبون يجمعون بان القاعدة لم تعد بعد تنظيم مركزي يعطي التوجيهات والتمويل، بقدرما اصبح ايدلوجية يمكن تبنيها من قبل الشباب. هذا النوع من العمليات جائت بديل الى عجز التنظيم ألمركزي بعد تعرضه الى ضربات قوية من قبل الولايات المتحدة وبعد مطاردة واصطياد اغلب قياداته في وزيرستان واليمن.
إن”الخلايا الفردية” او الذئاب الوحيدة كما يسميها مكتب التحقيقات الفيدرالية تكون اكثر صعوبة في متابعتها رغم اجرائات المراقبة البشرية والتقنية. وهي تمثل تحديا الى ألاستخبارات اكثر من شبكات العمل على الارض، لأن الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة. أما ألخلايا الفردية فيعني ان يكون شخص واحد فعالا على الانترنيت بعد ان وفرت شبكة القاعدة طرق ووسائل صنع المتفجرات في مطابخ الامهاتوباستخدام مواد غير محظورة. وهنالك أحتمالات من تصعيد عمليات الخلايا الفردية في أوربا والولايات المتحدة بسبب الشحن” الجهادي” على الانترنيت وقنوات التلفزيون.
وكانت بداية هذه الخلايا عام 2009 في ساحة التايمز سكوير في نيويورك عندما قام فيصل شاه زاد الباكستاني المولد البريطاني الجنسية بمحاولة تفجير سيارة مفخخة في تموز 2010 وكذلك في محاولة الشاب النايجيري عمر الفاروق عبد المطلب بتفجير عبوة على متن طائرة اميركية متجهة من امستردام الى الولايات المتحدة عشية اعياد ميلاد عام 2009 وعملية المجند الاميركي من اصل عربي نضال حسن الذي اطلق النار على زملائه في قاعدة فورد العسكرية في الولايات المتحدة عام2009.
مجلة Inspire والآذان
كانت مجلة Inspire مصدر جيد الى “الجهاديين” من الشباب والتي ساعدت فعلا على كسب مقاتليين جدد من الخلايا الفردية خاصة في الولايات المتحدة واوربا، بعد ان توفر لهم تفاصيل عمل المتفجرات والاجرائات الامنية التي تساعد “الجهاديين” بالتخفي وعدم تعرضهم للمراقبة والشبهات. وجائت تفجيرات ماراثون بوسطن يوم 15 ابريل 2013، لتبرهن استمرارية وفاعلية عمل الخلايا الفردية.
كانت مجلة Inspireاي “ألالهام” تصدر من تنظيم الجزيرة العربية واليمن وباشراف الاميركي السعودي المولد سمير خان والعولقي قبل اغتيالهما معا في اكتوبر 2011 في اليمن، بواسطة طائرة بدون طيار” درون” ، وكانت المجلة الكترونية تحمل توقيع الملاحم ميديا ، وهي الفرع الاعلامي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتتضمن تجارب من حياة الجهاديين ومقابلاتهم . وحينها وصف العولقي بانه “ملهم” القاعدة بعد ان استطاع كسب اعداد جديدة من الشباب، البعض وصفه بأنه بن لادن الجديد.
وصدر لاحقا مجلة “آذان” بالإنجليزية والتي يصدرها تنظيم طالبان في خراسان. هي بديل لمجلة انسباير الاليكترونية التي كان يصدرها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والتي توقفت عقب مقتل أنور العولقي. وتعتبر مصدر للمعلومات وللتدريب والتسليح والعمل الجهادي وهي بهذا الشكل موجهة للأفراد الذين يرغبون في القيام بمثل هذا النوع من العمليات الارهابية.
وفي حديث الى الباحث الالماني غيدو شتاينبيرغ الى الدوتش فيلة الالمانية عن كتابه “الجهاد الألماني” يوضح، خصوصيات إتباع تنظيم القاعدة الألمان وتغيير التنظيم لأستراتيجيته في الغرب بأتجاه الجهادية الفردية”. وينتقدشتاينبيرغ، في حواره سياسات مكافحة الإرهاب الغربية الخاطئة التي أدت إلى مصرع عشرات الجنود الألمان في أفغانستان. وشهدت ألمانيا هجوم “الذئاب المنفردة“عام 2011 عندما قام شخص بقتل عنصرين من الجيش الأمريكي في مطار فرانكفورت.
الخلايا الفردية تمثل تحديا للأستخبارات
إن التغيير في نوعية المواجهة والصراع مابين القاعدة وخصومها، تحول الى مواجهات إستخبارية غير تقليدية، تستخدم فيها التكنلوجيا والتقنية الحديثة. لذا شهد جيل القاعدة الثالث سرعة بالحركة ومرونة بالتنقل بعد استغلاله التكنلوجيا الحديثة والعولمة الاتصالات. ان الخلايا الفردية تمثل تحديا الى اجهزة الأمن والأستخبارات خاصة في الولايات المتحدة واوربا، لانها خلايا غير هرمية وغير تقليدية يمكن التوصل اليها من خلال تورط احد عناصرها. ويجمع الباحثون بأن الخطب والمنشورات والصور المروعة التي تتداولها شبكة الانترنيت عن الضحايا او انتهاكات حقوق الانسان تمثل مادة جيدة لشحن مثل هذه الخلايا، بأتجاه تنفيذ عمليات انتقامية وانتحارية فردية في مجتمعاتهم.
الباحث المصري في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، يقول “إن العمليات الإرهابية تقوم على شق فكري وآخر عملي والجانب العملي يمكن السيطرة عليه أو تتبعه أمنيا لكن الجانب الفكري يصعب تعقبه والتحكم فيه خاصة في ظل ثورة الاتصالات والإمكانيات التكنولوجية الهائلة التي نتوفر عليها اليوم في مجتمعاتنا. وهو ما تستغله الجماعات الجهادية والإرهابية للتجنيد والتأثير في هذه العناصر التي لا تربط بينها علاقات والمتواجدة في أماكن متفرقة في العالم”
القاعدة تتحول من تنظيم الى فكر متشظي
القاعدة اليوم لم تعد تنظيما مركزيا، كما كانت في حرب افغانستان والعراق، فقد تحولت الى ايدلوجية متطرفة تقوم على تحويل عقيدة السلفية، الى الية تكفير وقتل، اي انها صنعت من عقيدة السلفية قالب تنظيمي باسم القاعدة المركزي والتنظيمات الجهادية الآخرى تحت التوحيد والجهاد. القاعدة الان ايدلوجية “فكرية” متشظية يصعب السيطرة عليها بحروب تقليدية. واكثر العينات تعرضا للغسل الايدلوجي “الجهادي” التكفيري، هي من فئة الشباب الذين يعيشون في الغرب خارج بلدانهم الاصلية، ويترددون الى مسقط راس اباءهم واجدادهم. لذا لو استعرضنا عمليات الخلايا الفردية جميعها كانت خاضعة الى هذا الاحتمال، ابرزهم فيصل شاه ونضال حسن وفاروق عبد المطلب.
المشكلة إن المراقبة وحدها اي المراقبة الفنية والبشرية او مراقبة الانترنيت لا تكفي لردع مخاطر الخلايا الفردية. خبراء الإستخبارات عبروا عن شعورهم بالأحباط امام الخلايا الفردية. وتعتبر مناطق النزاع التي يشهدها العالم مصدر“ألهام” للشباب، لما تعرضه من صور الضحايا التي من شانها تشحن تفكير الكثير من الشباب لأن يتحولوا في لحظة الى خلايا فردية مفخخة في المجتمع. ومن ابرز مناطق الصراع هي سوريا وافغانستان والعراق واليمن والصومال والمغرب الاسلامي وغرب افريقيا.
لذا، فأن فلسفة الخلايا الفردية تخاطب الشباب من اصول عربية اسلامية في الغرب، وكذلك من الشباب الذين تحولوا الى الأسلام حديثا، ليكونوا محركات “جهادية” في مجتمعاتهم، وهذا ما تبحث عنه تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية.
جاسم محمد: باحث في مكافحة الارهاب والاستخبار
نقلا عن رأي اليوم