منذ أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرته المعروفة باسم “استراتيجية الحزام والطريق” عام 2013 باتت هذه المبادرة تشكل المحرك الأساسي للسياسة الصينية داخليا وللدبلوماسية الصينية خارجيا، تعقد من أجلها المؤتمرات والندوات وتفرد لها وسائل الإعلام الصينية صفحات طويلة من التقارير والتحليلات.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن “المبادرة لاقت تجاوبا ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط” مضيفا في لقاء مع برنامج “بلا حدود” أن المبادرة تتضمن نحو ألف مشروع ستنفذ تدريجيا، منها ربط الدول الأوروآسيوية التي يمر بها الطريق بشبكة من الطرق البرية والحديدية وخطوط الطيران فضلا عن الأنابيب وشبكات الإنترنت، وهو ما يهيئ الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية، وفق رأي الوزير الصيني.
وتهدف المبادرة إلى إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصينبالعالم قبل ثلاثة آلاف عام ويتم من خلالهما تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل والعاج والأحجار الكريمة وغيرها وكذلك تبادل الثقافات والعلوم.
“تهدف المبادرة إلى إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصين بالعالم قبل ثلاثة آلاف عام ويتم من خلالهما تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل والعاج والأحجار الكريمة وغيرها وكذلك تبادل الثقافات والعلوم”
وتتمتع منطقة الشرق الأوسط -كما كانت قديما- بأهمية كبيرة في هذه المبادرة، باعتبارها تقاطعا وممرا إجباريا للوصول إلى أوروبا وشمال المتوسط ولما تحتويه من مصادر الطاقة وكذلك كونها سوقا استهلاكيا كبيرا، وهو ما يثير تساؤلات لدى المراقبين حول دور العرب في هذه الاستراتيجية الكبيرة، وهل سيكتفون بموقف المتفرج على القطارات المحملة بالبضائع التي تمر عبر أراضيهم إلى أوروبا وتزويدها بالوقود؟ أم سيكونون على متن القطار وربما في قمرة قيادته.
التساؤلات أيضا تدور عن دور الصين في المساعدة في حل مشاكل المنطقة وإعادة الأمن والاستقرار فيها بما يضمن سلاسة تنفيذ استراتيجيتها الموعودة، وهو ما لم يتم الإجابة عنه في المبادرة التي تبقى حتى الآن في الإطار النظري.
ويرى لي شي غوانغ مدير مركز الاتصالات الدولية في جامعة تشينغخوا إن “الصين من أكبر مستوردي الطاقة في العالم، ومعظم وارداتها تأتي من الشرق الأوسط. كما أن الصين قوة تجارية كبرى يهمها أمن الطاقة وطرق الشحن البحري، وكلاهما مرتبط بالشرق الأوسط، ولهذا لا بد لهذه المنطقة أن تحظى بأهمية قصوى في الاستراتيجية الصينية.
ويضيف الخبير الصيني للجزيرة نت أن الثقافة والحضارة الصينية تقدم نموذجا مختلفا عن النموذج الغربي، وتتلاقى في نقاط كثيرة مع الثقافة العربية والإسلامية، وهو ما يمكن أن يساعد بنجاح المبادرة ليس باعتبارها آلية تعاون اقتصادي وتجاري فقط بل آلية تبادل ثقافي وحضاري وأمني أيضا.
يشار إلى أن الصين حرصت بعد عام على إطلاق مبادرتها إلى إخراجها من إطارها النظري إلى التنفيذي، فبادرت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 إلى تأسيس بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية ورصدت له 50 مليار دولار، وسرعان ما تجاوز رأسمال البنك 100 مليار دولار بعد مساهمة بعض الدول فيه بما في ذلك دول عربية.
أشواك على طريق الحرير
وحسب الموقع الإلكتروني للخارجية الصينية، تقوم المبادرة على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، كالاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة المتبادلة.
كما أن المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة ترتكز على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق والتكامل المالي من خلال البنك الآسيوي للتنمية وبنك دول بريكس وصندوق طريق الحرير بالإضافة إلى توفير الدعم الشعبي لضمان نجاح المبادرة.
ويرى مراقبون أنه بالتوازي مع بزوغ نجم الصين قوة دولية فإن الهجوم الاقتصادي الناعم الذي تشنه عبر مبادرتها لا بد أن يحمل في طياته أيضا مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة خاصة لدول الجوار وما تشهده علاقاتها مع بعض هذه الدول من توترات ونزاعات، ولذلك يبقى نجاح هذه المبادرة مرتبطا بقدرة الصين على طمأنة جيرانها وحل خلافاتها معهم بالحوار والطرق السلمية.
عزت شحرور
الجزيرة نت