هذا الواقع الجديد الذي يشي بانتهاء الخطاب العام لحزب الشعوب لصالح أيديولوجيته القومية الكردية، يفرض عليه أسئلة كثيرة بشأن استراتيجيته في المرحلة المقبلة، منها ما يتعلق بكيفية الحفاظ على صورته في الشارع التركي؟ وكيفية الجمع أو التوفيق بين أجندته الكردية والتركية؟ وماذا عن خياراته، إذا تم رفع الحصانة عن نوابه، وتم سجنهم وحرمانهم من مزاولة العمل السياسي، بل وحتى حظر الحزب نفسه؟ من دون شك، باتت هذه الأسئلة وغيرها، مطروحةً بقوة، بعد أن وصلت العلاقة بينه وبين حكومة حزب العدالة والتنمية إلى الصدام، وباتت قضية تجريد نوابه من الحصانة النيابية مسألة وقت لا أكثر.
يحرص حزب الشعوب، حتى الآن، على الحفاظ على خطابه السلمي، وطرح نفسه وسيطاً
للسلام بين حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني، كما يحاول تسويق نفسه على هذا الأساس في المحافل الأوروبية والأميركية، لجلب مزيد من الضغط على أردوغان، للعودة إلى العملية السلمية. لكن، من الواضح أن الحزب يدرك أن الأحداث تجاوزت هذه السياسة، وبدأ يلوح بخطة بديلة، تقوم على إعلان برلمان محلي في ديار بكر، كما أعلن دميرداش، وهي خطوة لن تزيد من الوضع سوى مزيد من الصدام، إذ من الواضح أن قرار أردوغان هو عدم العودة إلى المفاوضات مع الكردستاني، وكذلك عدم السماح بإقامة أي نواةٍ لحكم محلي كردي، يكون مدخلاً إلى التقسيم.
من واقع التجارب السابقة لحظر الأحزاب الكردية التي تشكلت طوال العقدين الماضيين، يمكن القول إن حظر حزب الشعوب يضعه أمام احتمالين: تشكيل حزب جديد باسم مختلف، يكون استمراراً لخطه السياسي. انتظار الانتخابات المقبلة، ومن ثم الترشح لها مستقلين، وفي حال الفوز، اللجوء إلى تأسيس حزب جديد من داخل البرلمان. وبغض النظر عن الخيارين، من الواضح أن العلاقة بين الحزب والحكومة التركية تقترب من نهايتها، وهي نهايةٌ ربما ترشح الوضع الكردي في تركيا إلى مزيد من التصعيد العسكري. من دون شك، يطرح وصول الأمور إلى هذه النقطة المسدودة في مسيرة حزب الشعوب الديمقراطي أسئلة كثيرة عن أفق العمل السياسي الكردي في تركيا، على نحو: هل تسمح البنية السياسية التركية بوجود قوى كردية، تعبر عن الهوية الكردية سياسياً في هوية تركيا؟ وما مدى قبول هذه البنية بالهوية الكردية؟