يبدو الجزء الأكبر من العالم ممتعضا من مرشح الجمهوريين لسباق الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، فالأوروبيون منزعجون من تهديده بالانسحاب من حلف الناتو، بينما اليابانيون والكوريون الجنوبيون يبدون مستائين من نيته سحب الجنود الأميركيين من سواحلهم. أما المكسيكيون فيكرهون ترامب إلى درجة أنهم يبيعون تماثيل بينياتا على هيئة دونالد ترامب ليكسرها الأطفال ويتحصلون على الحلوى. وحتى الصينيون يظهر أنهم قلقون من فكرة صفعهم بأداءات جمركية بنسبة 45 بالمئة ومساندته لتسليح اليابان بالأسلحة النووية، والمسلمون يرفضون مواقفه المعادية.
إذن هل هناك أحد خارج أميركا يحب ترامب؟ الكثير من الناس يشيرون إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتين حيث أنه تبادل مع ترامب عبارات الإعجاب بخصال القيادة لكل منهما. لكن باستثناء بوتين هناك دعم خارجي ضئيل جدا للمزيج الذي ابتدعه ترامب المتكون من القومية الأميركية وكره الأجانب (وهو أمر لا يدعو إلى الغرابة)، بيد أن حوارات أجريت مؤخرا جعلت للشك مجالا في وجود بلد آخر فيه مساندون محتملون لترامب.. إنه إيران.
هكذا بدأ جيريمي شابيرو – العضو السابق بدائرة التخطيط السياسية بوزارة الخارجية الأميركية – رأيه خلال الحديث عن الحظوة التي يتمتع بها المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأميركية، مؤكدا أن المتشددين والمعتدلين على حد السواء في إيران لهم مصلحة في صعود ترامب، بالرغم من كل المواقف الحماسية التي يبديها ضد بلادهم ورفضه المعلن للاتفاق النووي.
وأكد المسؤول الأميركي السابق أن الاتجاه الذي يسلكه دونالد ترامب في تعاطيه مع منطقة الشرق الأوسط سوف ينتهي على المدى المتوسط بإضعاف حلفاء الأمس وهم بالأساس دول الخليج العربي، وبذلك يخدم مصلحة إيران.
ويحبّذ المتشددون في إيران المزيد من المواجهة مع الغرب، حمّستهم عموما معارضة ترامب (وبقية المرشحين الجمهوريين للرئاسة) للاتفاق النووي مع بلادهم الذي توصلت إليه إدارة أوباما. والأكيد أن المتشددين الإيرانيين يرون الاتفاق أمرا سلبيا بالنسبة إلى إيران وليس إلى الولايات المتحدة مثلما يرى ترامب، لكنه بالرغم من ذلك يوحد الأهداف إلى حد ما بين الفريقين. وفي حين يرى الإيرانيون ترامب مصابا بالجنون بخصوص عدة مسائل، عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي فإنهم يفضلون الخبل الواضح في ترامب عن منافس أكثر براعة.
يتجاوز تفضيل ترامب في الحقيقة المتشددين؛ حيث بدا جليا أن الكثير ممن يطلق عليهم “المعتدلون” يميلون إلى تفضيل “الرئيس” ترامب عن “الرئيسة” هيلاري كلينتون. فأثناء عدة جولات في إيران مؤخرا وبعد مؤتمرات دولية في أوروبا، تحدث أحد زملاء شابيرو مع بعض الأصوات الإيرانية المعتدلة ، كمسؤولين في الدولة ونخب سياسية نافذة ورجال أعمال خواص، وهم أطراف تميل بحكم طبيعتها وموقعها إلى الاهتمام برؤية إيران أكثر حضورا في العالم ومساعدتها على الخروج من العزلة الاقتصادية التي مرت بها في السنوات الأخيرة. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن مزايا ترامب أقل وضوحا من مزايا كلينتون، ويختلفون عن التفكير الذي قدمه المتشددون. لكنهم بالرغم من ذلك لم يحسموا موقفهم بعد، فهم يرون أن ترامب سيعطي إيران فرصا أفضل لإعادة تركيز موقعها في العالم. وكلما زاد عدد البلدان التي يغضبها ترامب سيبدو العالم أفضل لإيران.
والجدير بالذكر أن الأمر يتعدى مسألة العقوبات، فالكثير من الإيرانيين متحمسون بشكل خاص من موقف ترامب من المملكة العربية السعودية، فبالنسبة إليهم التأثير السعودي في واشنطن هو أحد الأسباب الجذرية لمشاكل إيران في المنطقة. ومنذ وقت طويل قال المسؤولون الإيرانيون بأن الموقف السعودي لن يتحرك بشكل بناء حتى تتوقف الولايات المتحدة عن دعم الرياض. وقد تعهد ترامب بأن يأخذ خيبة أمل أوباما مع المملكة العربية السعودية إلى أقصى حد، مهددا بوقف شراءات أميركا للنفط السعودي وحتى خلع “جبة الحماية الأميركية” عن المملكة. وهذا يبدو أمرا جيدا جدا للإيرانيين.
يحب الكثير من الإيرانيين كذلك فكرة أن الرئيس ترامب يرى ممارسة العلاقات الدولية على أنها “فن الصفقة”، أي كسلسلة من المفاوضات الصعبة. ويلاحظ أن تعليقات ترامب التي تقول بأن أهم مشكلة في الاتفاق النووي الإيراني تتمثل في أنه لا يعطي امتيازات اقتصادية للشركات الأميركية على حساب الشركات الأوروبية أو الروسية تعني أن مشاكله مع الاتفاق اقتصادية أكثر من كونها أيديولوجية.
ويتطلب حل المشاكل الأيديولوجية توافقات سياسية تكاد تكون مستحيلة، في حين أن حل المشاكل الاقتصادية لا يتطلب غير المال وصفقات ذكية. ويشار إلى أن الإيرانيين ينظرون إلى أنفسهم دائما على أنهم مفاوضون نفعيون وناجعون، يعتقدون أن في المفاوضات الدولية الخالية من التأثير السعودي والأيديولوجيا الأميركية المعادية لإيران تمكنهم من عقد صفقات ناجعة من أجل الاندماج مجددا وبالكامل في الاقتصاد العالمي. وبعبارة أخرى، حسب جيريمي شابيرو، ترامب هو رجل يستطيع الإيرانيون العمل معه.
وعُرفت كلينتون في طهران بأنها “سيدة العقوبات”، فهي الشخص الذي نسّق التبني الدولي للعقوبات غير المسبوقة ضد إيران في سنة 2010 والتي كان لها تأثير مدمر على الاقتصاد الإيراني. وعبّر الكثير من الإيرانيين الذين تحدث معهم شابيرو عن تخوفهم من أنه في ظل رئاسة كلينتون ستعتمد الولايات المتحدة موجة جديدة من العقوبات الثانوية لمواجهة السلوك الإقليمي لإيران، وبالفعل اتخذت كلينتون موقفا شديد الصلابة من تنفيذ الاتفاق ومن إيران عموما.
صحيفة العرب اللندنية