وجه الكثيرون أحياناً انتقادات قاسية للأمانة العامة للجامعة العربية لعجزها عن اتخاذ قرارات فاعلة فى مواجهة التحديات الجسيمة التى يواجهها وطننا العربى، والحقيقة أن هذه الانتقادات يجب أن توجه للدول الأعضاء التى تعجز عن التوصل إلى تفاهمات بشأن قضايا مصيرية فإن نجح ذلك غاب الالتزام بتنفيذ ما يتخذ من قرارات أو تعثر، أما مسئولية الأمانة العامة فتتعلق بإعداد الملفات للعرض على اجتماعات الجامعة وهى تتمتع بكفاءة واضحة فى هذا الصدد، وكذلك مسئوليتها عن بناء القدرات المطلوبة كى تكون الأمانة فاعلة فى تنفيذ قرارات الجامعة كمراقبة وقف إطلاق نار أو انتخابات، أو القيام بعمليات إغاثة أو حتى حفظ سلام وأداؤها فى هذا الصدد موضع نظر، وأخيراً مسئوليتها عن السلامة القانونية والإدارية لسير العمل فى المنظمات المتخصصة المرتبطة بالجامعة والتى تخضع لإشراف المجلس الاقتصادى والاجتماعى للجامعة فى ظل قواعد مقننة فى الأنظمة واللوائح والنماذج الخاصة بهذه المنظمات وهى القضية التى تثور بشأنها علامات استفهام كثيرة كما يتضح من المثال التالى.
فقد بث الموقع الرسمى للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إحدى منظمات الجامعة أن مؤتمرها الوزارى قد جدد فى الشهر الماضى تعيين مديرها العام لولاية ثانية مدتها أربع سنوات من فبراير 2017 إلى يناير 2021!
وقد كانت دهشتى شديدة لأن القرار اتخذ مبكراً عن موعده بأكثر من نصف العام بالمخالفة للقواعد التى توجب إعلان عن شغور منصب المدير العام من قِبَل المنظمة قبل عام من تاريخ نهاية ولايته ، ويُقفل باب الترشيح قبل شهرين من موعد اجتماع المؤتمر الوزارى، ولذلك كانت دهشتى أشد عندما اطلعت على الوثيقة التى قدمتها الإدارة العامة للمنظمة إلى المؤتمر الوزارى فإذا بها تشير إلى أن الإعلان عن شغور المنصب قد تم فى1/6/2015 أى قبل شغوره بعام وثمانية أشهر بالمخالفة للمادة 9 من النظام الأساسى، والعجيب أن انتهاك هذا النظام قد بلغ أقصاه فى تلك الوثيقة إذ إنها استشهدت بهذه المادة التى ضربت بها عرض الحائط، وبالتالى فهى تسجل القاعدة الصحيحة وتنتهكها فى آن واحد، والأعجب أننى أعلم أن الأمانة العامة كانت قد اعترضت على ذلك الإعلان المنافى للنظام الأساسى وأبلغت إدارة المنظمة بأن الموعد الحقيقى لإعلان عن شغور المنصب هو فبراير 2016 وكنت أظنها استجابت، ومعنى هذا أن المدة الواقعة بين الإعلان الصحيح وبين قرار التجديد أكثر قليلاً من ثلاثة أشهر بينما جرى العرف على أن تكون عشرة، وقد سألت صديقاً يعمل بإدارة المنظمة عن موقف الأمانة العامة من هذا الإجراء الباطل فبلغت دهشتى ذروتها إذ أجابنى بأن الإدارة المعنية فى الأمانة العامة لم تحضر المؤتمر أصلاً ، ولقد قضيت عشرين سنة بالتمام والكمال أحضر الاجتماعات الرسمية للمنظمة بصفتى مديراً لمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لها ولم يحدث أن غابت الإدارة المختصة مرة واحدة، وكان حضورها دائماً يقدم المعيار الصحيح لسلامة الإجراءات فكيف يحدث هذا للمرة الأولى وفى هذه المناسبة المهمة ؟
وقد يقول قائل وما الضير فى القرار المبكر؟ والرد أنه مخالف للنظام أى أنها مسألة مبدأ كما أن ثمة منطقاً فى التوقيتات لإتاحة مدة أطول للحكم على أداء المدير الحالى وفرصة أكبر للدول التى قد ترغب فى تقديم مرشحين، وأذكر أن انتخاب المدير نفسه فى المرة الأولى قد تم بالمخالفة أيضاً للقواعد التى كانت تشترط حينذاك حداً أقصى لسن المرشح كان قد تجاوزه واعترض ممثل الأمانة العامة آنذاك ، لكن المجلس الاقتصادى والاجتماعى للجامعة صدق على المخالفة وجرى بعد ذلك تعديل لقاعدة السن من قِبَل اللجنة الفنية المعنية، كما أن ثمة مخالفة قانونية جسيمة ثابتة بالمستندات وقعت بعد ذلك فى التعيين لمنصب رفيع فى المنظمة لفت ممثل مصر فى المجلس الاقتصادى والاجتماعى النظر إليها، لكن هيئة الرقابة على المنظمة تجاهلتها فى تقريرها السنوى مما حدا بلجنة المنظمات المنبثقة عن المجلس فى اجتماعها الأخير إلى دعوة الأمانة العامة لكشف أى مخالفة لا تنتبه إليها هيئة الرقابة طالما أن الأمانة تمتلك المستندات التى تثبت ذلك، وقد اقتربنا من اجتماع اللجنة لهذا العام فى الشهر القادم فهل تضطلع الأمانة العامة بمسئوليتها؟ ناهيك عن مخالفات جسيمة بشأن وقائع محددة كانت قد نُسبت لإدارة المنظمة من قِبَل أحد العاملين بها والذى أرسلها للأمانة العامة طالباً التحقيق فيها، ولا أقول إنها صحيحة بالضرورة ولكن التحقيق المطلوب لم يتم. ليست المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وحدها التى تحدث فيها ممارسات منافية للنظام الأساسى لمنظمات الجامعة وليس التجديد الباطل لمديرها هو المخالفة الأولى فى المنظمة، ولكن الجديد هو غياب الأمانة العامة للجامعة، عن رصد المخالفات وتصحيحها، ولذلك فإننى أضع الأمر برمته أمام الدكتور نبيل العربى وهو من هو كى يحقق ويسائل تصحيحا للمسار، كما أتمنى على الوزير أحمد أبو الغيط بصفته الأمين العام الجديد للجامعة وهو من عرف بالكفاءة اللافتة فى إدارة الخارجية المصرية أن يهتم بملف تسيير المنظمات العربية المتخصصة التى يمكن أن يُحدث انطلاقها فى العمل نقلة نوعية فى عمل الجامعة.
د.أحمد يوسف أحمد
صحيفة الأهرام المصرية