بينما يستعد “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” [“مجموعة العمل المالي”/”الفريق”/”المجموعة”] للاجتماع هذا الأسبوع لجلسته العامة العادية في كوريا الجنوبية، سيتابع العديد من المراقبين عن كثب إصدار البيان العلني لـ “الفريق” الذي سيحدِّد فيه دوائر الاختصاص التي تسودها أوجه قصور استراتيجية تتعلق بمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الارهاب. وقد بقيت إيران وكوريا الشمالية العضوان الوحيدان في تلك القائمة منذ إنشائها عام 2008.
وفي شباط/فبراير 2016، أصدر “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” – الذي يضم روسيا والصين من بين سبعة وثلاثين دولة أخرى – بيان كرر فيه دعوته لاتخاذ إجراءات مضادة بشأن فشل ايران في معالجة أوجه القصور الاستراتيجية في مجال مكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب. وحيث صدر البيان بعد فترة قصيرة من رفع العقوبات عن طهران بموجب الاتفاق النووي، فقد حث “الفريق” أيضاً الدول الأعضاء على تحذير البنوك من مخاطر ممارسة الأعمال التجارية في إيران. وقد استشهدت البنوك الدولية بالقائمة السوداء التي أصدرتها “مجموعة العمل المالي” باعتبارها إحدى المخاوف التي تمنعهم من إعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية. ووفقاً لتقارير صحفية وتصريحات من قبل مسؤولين أمريكيين، شاركت إيران في “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” وبدأت بالعمل على خطة عمل لمعالجة أوجه القصور، منذ البيان الذي صدر في شباط/فبراير. بيد، من المرجح أن يُظهر التقرير المرتقب لـ “الفريق” أن المخاطر ما زالت قائمة.
ما الذي يجب البحث عنه
بما أن “مجموعة العمل المالي” هي الهيئة الدولية المعنية بوضع المعايير لمكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب، تحدد “المجموعة” علناً دوائر الاختصاص التي تفشل في معالجة أوجه القصور في تلك المجالات من خلال بيانات يتم نشرها في أعقاب جلساتها العامة في شباط/فبراير و حزيران/يونيو وتشرين الأول/أكتوبر من كل عام. وقد تم إدراج إيران في هذه البيانات منذ عام 2008، عندما غيّرت “المجموعة” عملياتها حول التعامل مع “دوائر الاختصاص غير المتعاونة والعالية المخاطر”.
ويحافظ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” على قائمتين منفصلتين من دوائر الاختصاص التي تسودها أوجه القصور الاستراتيجية في مجال مكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب. وبالنسبة لأولئك المدرجين على ما يسمى بالقائمة “السوداء”، يدعو “الفريق” الدول الأعضاء إلى تطبيق تدابير مضادة لحماية النظام المالي الدولي من مخاطر مكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب المتعلقة بدوائر الاختصاص موضع البحث. وتكهن البعض بأنه يمكن إزالة “الدعوة إلى اتخاذ إجراءات مضادة” ضد إيران من البيان القادم لـ “مجموعة العمل المالي” وفقاً للخطوات التي اتخذتها طهران في الآونة الأخيرة، من بينها التعديلات التي أدخلتها على قانون مكافحة غسل الأموال، وتصديقها على أول “قانون لمكافحة تمويل الإرهاب”. وفي هذا السيناريو، من المرجح أن تبقى إيران مدرجة على ما يسمى بالقائمة”الرمادية” لـ “مجموعة العمل المالي”، التي تضم الدول التي عملت مع “المجموعة” على وضع خطة عمل لمعالجة أوجه القصور في أنظمتها وضمنت وجود التزام سياسي رفيع المستوى لاستكمال الخطة. وبما أن “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” هو منظمة تقنية وغير سياسية، فإن الالتزام السياسي الرفيع المستوى هو وسيلة لتعزيز الثقة بأن الحكومة المعنية سوف تلتزم فعلاً بما يكفي من الموارد وتتخذ الإجراءات التشريعية اللازمة لإصلاح أوجه القصور.
وبينما لم تتم إزالة أي من البلدين المدرجين على القائمة السوداء لـ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” منذ إنشائه في عام 2008، إلا أن جهود كوريا الشمالية لتحسين مكانتها توفر بعض البصيرة في الكيفية التي يمكن لـ “مجموعة العمل المالي” التصرف مع إيران. فمنذ عام 2014، حصلت بيونغ يانغ على صفة مراقب في”مجموعة آسيا والمحيط الهادئ” المعنية بغسل الأموال، وهي هيئة إقليمية على غرار “فريق العمل المعني بالعمليات المالية”. كما وضعت خطة عمل مع “مجموعة العمل المالي”. وأعربت عن التزامها (وإن كان ذلك من قبل محافظ البنك المركزي في البلاد، وليس القيادة السياسية) بـ “تنفيذ خطة العمل بصدق”. وجاء هذا الإعلان الأخير قبل أسابيع فقط من انعقاد الجلسة العامة لـ “مجموعة العمل المالي” في شباط/فبراير الماضي. وعلى الرغم من أن “المجموعة” اعترفت بهذه الخطوة في بيانها العام الذي أصدرته في ذلك الشهر، إلا أنها أعادت أيضاً تأكيد الدعوة إلى اتخاذ إجراءات وقائية ضد كوريا الشمالية.
وبما أن إجراءات إيران العلاجية كانت أقل أهمية من تلك التي اتخذتها بيونغ يانغ، فقد تكون الخطوة المنطقية لـ “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” هي الاعتراف بجهود طهران في الماضي القريب جداً لإزالتها من القائمة السوداء، ولكن تأجيل قرار إلغاء الدعوة لاتخاذ تدابير مضادة إلى أن يتم إحراز مزيد من التقدم. وقد يكون من الصعب شرح النهج الأكثر تساهلاً ما لم تكن الاعتبارات السياسية عاملاً مؤثراً.
وعلى الأقل، بناءً على التزامات إيران المباشرة الأخيرة مع “مجموعة العمل المالي”، من المرجح أن لا تُعتبر طهران كـ “دائرة اختصاص غير متعاونة”، والتي قد تتجلى في اللغة المستعملة في البيان العلني المشير إلى التعاون. ولكن حتى هذا الاعتراف المحدود يمكن أن يواجه أمر إيقاف قانوني بسبب بند إشكالي في “القانون الإيراني الجديد لمكافحة تمويل الإرهاب”، الذي يعفي من تعريفه للإرهاب تلك “الإجراءات المتخذة من قبل الدول أو الجماعات أو منظمات التحرير بهدف وضع حد للاحتلال الأجنبي والاستعمار، والعنصرية”. وإذا أصرت طهران على الاحتفاظ بـ “القائمة البيضاء” المفترضة للمنظمات الإرهابية المنخرطة في جهود التحرر الوطني، فإنها ستعطي المشاركين في الجلسات العامة تذكيراً صارخاً حول سبب استمرار اعتبار إيران إحدى أهم الدول الراعية للارهاب في العالم.
التداعيات
إن دعوة “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” لاتخاذ تدابير مضادة لها تداعيات حقيقية على البنوك والهيئات التنظيمية. وتحدد معايير “الفريق” التدابير المستهلِكة للوقت وذات الموارد الكثيفة مثل المتطلبات التي تستلزم مزيد من الحرص وإعداد التقارير، التي يمكن على أساسها فحص البنوك من قبل الهيئات التنظيمية للتأكد من امتثالها، وامتثال الهيئات التنظيمية بدورها أمام “مجموعة العمل المالي” (انظر المرصد السياسي 2575، “طريق إيران الطويل لإعادة الاندماج في النظام المالي العالمي“). ولعل الأهم من ذلك هو التأثير الذي يمكن أن يحدثه أي تغيير في سياسة “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” على استعداد البنوك لإعادة العلاقات مع إيران. ويظهر الاهتمام الذي توليه البنوك لقرارات “مجموعة العمل المالي” أن ترددهم إزاء ممارسة الأعمال التجارية في إيران يتجاوز مخاطر العقوبات، على الرغم من أن هذه العقوبات غالباً ما تكون محور الشكاوى الرسمية من قبل طهران. وعند النظر في إجراء معاملات مع الجمهورية الإسلامية، تواجه البنوك العديد من المخاطر المتداخلة المتعلقة بالتمويل غير المشروع، والقضايا التنظيمية، والعقوبات، واعتبارات السمعة.
ومن جانبها، سارعت إيران في الترويج للاجتماع الذي انعقد في نيسان/أبريل مع مسؤولي “مجموعة العمل المالي”، والذي كان الأول من نوعه الذي انخرطت فيه مع “المجموعة” منذ أن أُدرجت على القائمة السوداء. وفي مقابلة جرت بعد بضعة أسابيع من الاجتماع، قال محافظ “البنك المركزي الإيراني”، ولي الله سيف، لمحطة “سي إن بي سي” أن ممثلي “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” “فوجئوا بالخطوات التي اتخذتها البنوك الايرانية والمؤسسات المالية”. وأفادت بعض التقارير أنه أعرب عن ثقته بأنه سيتم إزالة البنوك الإيرانية من القائمة السوداء، على الرغم من أنه لم يقدم جدولاً زمنياً. وفي ردها المكتوب إلى “سي ان بي سي”، أكدت أمانة “مجموعة العمل المالي” انعقاد الاجتماع وأشارت إلى أن العملية التي تديرها بهدف ضمان الامتثال العالمي لمعايير مكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب هي، “عملية صارمة، وغير سياسية، وعالية التقنية، وطويلة في كثير من الأحيان”، وأضافت أنه “ستتم معاملة إيران بنفس الطريقة المحايدة التي عوملت بها جميع البلدان التي تخضع لمراجعات مماثلة”.
وفي الوقت نفسه، وفي بيان صدر في ختام بعثة “صندوق النقد الدولي” الأخيرة إلى إيران في أيار/مايو، اعترف “النائب الأول للمدير العام” ديفيد ليبتون بـ “الصعوبات” التي تواجه البنوك الإيرانية في إعادة الإدماج مع النظام المالي الدولي، وحثَّ طهران على “المثابرة في تعزيز إطار [مكافحة غسل الأموال / مكافحة تمويل الإرهاب]، والذي ينبغي أن يكون أمراً حيوياً لتسهيل هذا الإدماج”. وفي الأسبوع الماضي، أعلن ولي الله سيف أن 200 مصرفاً صغيراً قد أعادوا علاقاتهم المصرفية عن طريق المراسلة مع إيران، لكنه اعترف أيضاً أن “البنوك الكبرى تؤجل تطبيع العلاقات”. وتوفر هذه المصارف الصغيرة التمويل التجاري التي تشتد الحاجة إليه، والذي ساهم بلا شك – وفقاً لمفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني – في زيادة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران بنسبة 22 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام. بيد، لا تزال تجارة هذه الدول مع إيران أقل بكثير من مستواها من الفترة التي سبقت فرض العقوبات.
وفي الواقع، فبينما من الأسهل إعادة [توفير] التمويل التجاري من إعادة [توفير] تمويل المشاريع نظراً للطبيعة القصيرة الأجل لمثل هذه القروض، إلا أنها لن تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة وفقاً لمعطياتها الخاصة. وكما ذكرت صحيفة “المونيتور” مؤخراً، أشار استعراض حجم وقيمة المعاملات على “بورصة إيران للسلع” عن انخفاض الطلب بشكل ملحوظ مقارنة مع العام السابق، مما يشير إلى عدم وجود رأسمال كافي. ورغم أن التقرير ألقى اللوم في هذا النقص في الاستثمار على تحويل التمويل الحكومي [إلى مشاريع] التنمية، إلا أن ديفيد ليبتون من “صندوق النقد الدولي” أشار أيضاً خلال زيارته في أيار/مايو إلى الضعف في القطاع المصرفي، مع الأخذ في الإعتبار عدم قدرة هذا القطاع على تقديم [تسهيلات] ائتمانية للقطاع الخاص بسبب المستويات العالية من القروض المتعثرة، والافتقار إلى رأسمال البنوك، وسوء حالة نُظم إدارة المخاطر.
المحصلة
في التصريحات الاخيرة المتعلقة بتنفيذ الاتفاق النووي، أشار مساعد الرئيس الأمريكي بن رودس إلى التحديات التي تواجهها إيران في اعادة العلاقات مع النظام المالي الدولي، ولكنه أكّد أيضاً على التزام الإدارة الأمريكية بـ “تلبية التزاماتنا بموجب الاتفاق”. وأضاف: “إذا كان هناك أي شيء، فإن الطبيعة المحدودة للتخفيف [من العقوبات] حتى الآن تجعل بعض المطالبات المُبالغ فيها من قبل معارضي الاتفاق [النووي] تبدو سخيفة”. إن التركيز على قيمة التخفيف [من العقوبات] التي تمكنت إيران من الوصول إليها كبديل لتقييم ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاق أم لا، يحجب ما حال دون قيام إيران بالحصول على المزيد من التخفيف [في العقوبات]، أي: مجموعة متنوعة وواسعة من المخاطرالحقيقية والمستمرة التي هي من صنع طهران نفسها. وتأتي الخطوات المتواضعة التي اتخذتها إيران حتى الآن مع تحذيرات ضخمة. وكما تُظهر صياغة “قانونها الجديد لمكافحة تمويل الإرهاب”، تحتفظ طهران – كما وصف ذلك التقرير القطري لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2015 حول الإرهاب – بـ “دعمها المتواصل بـ «حزب الله» والجماعات الفلسطينية في غزة، والجماعات المختلفة في العراق وجميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وكان الاتفاق النووي هو ذلك بالضبط: حول المسائل النووية. فهو لم يعفي إيران من قوانين العمل [النُظم] الأخرى التي تمت الموافقة عليها من قبل المجتمع الدولي، الذي يضم “مجموعة العمل المالي”. إن ما يردع البنوك الكبرى من دعم الاستثمارات في إيران هو ليس مجرد “البقايا النفسية” من رفع العقوبات، كما ادعى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بل فشل طهران نفسها في الامتثال لقوانين العمل المعتمدة دولياً. إن حمل ايران على توافق نظامها المصرفي مع النُظم موضع البحث سوف يكون عملية طويلة – تلك التي تساهم فيها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالفعل بشكل كامل. أما الخطوات المقبلة فتعتمد على ما تريد أن تفعله طهران.
كاثرين باور
معهد واشنطن