غداة هجمات الحادي عشر من أيلول، وُجد بين المفكرين والفلاسفة من يلتقط «جماليات مرعبة« للإجرام والدمار، في مشهد ارتطام الطائرة بالبرج، وتهاوي البرجين، ومن يرصد مفارقات تداخل الزمن المرئي، المتلفز، مع الزمن الرئوي، لأحاديث نهاية العالم. وجد أمثال بيار بودريار وطوني نيغري لكتابة نصوص مثيرة حول التداخل بين السحر الأبيض والسحر الأسود، وحول البرابرة الجدد الذين ما عادوا يغيرون على الإمبراطورية من تخومها، بل ينبتون في أحشائها وحواضرها. هناك من اعتبر هذه المقاربات «ما بعد الحديثة« في محلّها وقتها، وهناك من اعتبرها مضيعة للوقت.
لم يعد كل هذا ممكناً اليوم. العدمية ساءت حالتها! «جماليات الشرّ« ما عاد يمكنها أن تنطبق بأي شكل، وبأي درجة وبأي حيلة على الهجمات الإنتحارية، التي بلغت ضرباً من النتانة المطلقة، لا سيما في مجموعة الهجمات الأخيرة من بنغلاديش، علماً أن تنظيم «الدولة« أو «داعش« بنى جزءاً أساسياً من استراتيجيته التعبوية والميديائية في الفترة السابقة والتالية على الاستيلاء على الموصل، على «جماليات الرعب والشرّ« هذه، مستخدماً مكتسبات العصر التكنولوجية لحسابه، سواء لحظة ظهور أميره في جامع الموصل صوتاً وصورة قبل ثلاث سنين، أو في لحظات تصوير مشاهد قطع الرؤوس و«جون الجهادي« سيئ الذكر، ناهيك عن عدد من الأشرطة والأناشيد والمواد الترويجية المحددة بذكاء لمن تتوجه، وأين تبحث عن عناصر ليتم تجنيدهم و«تفخيخهم«، لنشر الرعب.
في مروحة الهجمة الارهابية الأخيرة، نشر الرعب دائرته في بلدان عربية واسلامية مختلفة، بنهايات شهر رمضان، واستهدف جوار المسجد النبوي في المدينة، ومطار اتاتورك، وحي الكرادة في بغداد، وضرب في بنغلاديش، الا أنّ التنظيم لم يعد يكترث لاستراتيجية «جاذبية الشرّ«.
لم يعد التنظيم يكتفي بدوامات «الكرّ والفرّ« التي تطبع سلوكيات التنظيمات الدموية هذه، بل صارت دمويته من نوع «اسرح وامرح« لإنتحارييه حيث استطاعوا. «جمالية الشرّ« التي قاربت بها بعض فلسفة «ما بعد الحداثة« بعض الارهاب بعد هجمات مانهاتن والبنتاغون، والتي استبطنها «داعش« وقت الاستيلاء على الموصل وبعد ذلك بسنة وبسنتين، من خلال الفيديوهات الفظيعة، لم يعد يهتم لها التنظيم. صار في غنى عنها. بل صار في غنى عن نفسه، بمعنى، عدم ارتباط مصيره بالحفاظ على التراب الذي يستولي عليه. صار التنظيم ينشد الشرّ في قباحة ونتانة لا تترك مجالاً لأي شبهة فروسية، ولأي شبهة جمالية.
لكن هذا المتغير يعني التنظيم الدموي الكابوسي وأحواله بالدرجة الاولى. ما يجب ان يعني هذه المنطقة من العالم، والدول الكبرى المتدخلة فيها، هو ان مواجهة هذا الكابوس لم تعد ممكنة من دون مقاربة شمولية لكل أزمات الشرق الأوسط بشكل متكامل: الصراع العربي ـ الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، وسياسات ايران الهيمنية وأشكال مواجهتها، قضية الشعب السوري وسائر الشعوب الرازحة تحت الطغيان. المفاضلة بين القضايا صارت تفريطاً بإمكانية أي معالجة. «الفوضى الخلاقة« و«جماليات الشر« صارت عبارات مستهلكة.
من عنده مبادرة لسلام متكامل في الشرق الأوسط، تشمل من العراق الى الاراضي الفلسطينية، ومن سوريا الى اليمن، وبشكل يكف عدوانية اسرائيل وتوسعية ايران وطغيان بشار الاسد وحفلات الجنون هنا وهناك، وآليات الظلام، في وقت واحد، فليتقدم بها. أما من لا يعتبر الحل الشامل للنزاعات المختلفة مساراً ينبغي التحرّك صوبه، فإنّه قد يلجم «داعش واخواته« موسمياً، موسمياً فقط.
وسام سعاده
صحيفة المستقبل