تكشف الانتخابات الرئاسية الحالية الأخطاء العميقة ونقاط الضعف التي تعتري مجتمعنا وإخفاق بعض المؤسسات المحورية لديموقراطيتنا، ولو لم نغير الاتجاه، فسنكون في طريقنا إلى الهاوية.
وأبدأ بالموقف الصعب الذي يجد فيه «الجمهوريون» أنفسهم، بينما يراقبون مرشحهم الخارج عن السيطرة يسبب الدمار والخراب، وبعد أن كان «حزب لينكولن»، من المؤسف أن الحزب «الجمهوري» لم يعد كما كان، فقبل جيل مضى، قادنا كل من جورج بوش الأب و«جيمس بيكر» بأيدٍ ثابتة إلى الخروج من الحرب الباردة، وتمكن زعماء في الكونجرس مثل «هوارد بيكر» و«بوب مايكل»، من التوصل إلى إجماع بشأن قضايا جوهرية ذات أهمية وطنية.
ولولا حقيقة أن «الجمهوريين» هم من تسببوا في هذه «الكارثة الترامبية» لأنفسهم، لشعرت بالأسى عليهم، فقد قضوا الأعوام السبعة الماضية يغذون الكراهية في كل ما يمت لأوباما بصلة، واعتقد البعض بأنهم أذكياء لأنهم روضوا «حزب الشاي»، وغازلوا «الحركة التي تزعم أن أوباما ليس من مواليد أميركا»، وغذوا النزعة المناهضة للمسلمين والمهاجرين، والآن بعد أن رأوا ثمار ما غرسوه، يعيشون الآن في حالة من الرعب.
ومن أوجه شتى، يمثل دونالد ترامب دليلاً على تناقض سياسات الحزب «الجمهوري» خلال العقود القليلة الماضية، ولا تكفي جهود بعض «الجمهوريين» الذين ينأون بأنفسهم عن حامل مشعلهم، في أفضل الأحوال، وفي أسوأ الأحوال تبدو هذه الجهود مخادعة، ولا أستطيع أن أنسى ابتساماتهم عند سماع خطابات «سارة بالين» المليئة بالكراهية، ولا الموقف الفاتر الذي أظهروه عند مواجهة حشد من القائلين «إن أوباما لم يولد على الأراضي الأميركية»، ولا «همزهم ولمزهم» تجاه حالة التعصب التي تمثلت في تمرير ولاية أريزونا تشريعاً مناهضاً للهجرة، أو رفضهم الصريح لإعادة النظر في أية تدابير للسيطرة على انتشار الأسلحة في مواجهة حالات قتل الأبرياء المتكررة.
وفي هذه المرحلة سيكون الشيء الوحيد المشرف الذي يفعله قادة «الحزب الجمهوري» الشرفاء هو قبول تحمل المسؤولية عن الخيوط الكثيرة التي جمعوها، والتي أدت إلى ترشيح دونالد ترامب، وأما النأي بأنفسهم أو حتى شجبه لن يكون مشرفاً، وعليهم أن يقروا بإخلاص أمام وطنهم بالخطأ والذنب.
وفي الواقع، يعتبر سلوك شبكات الأخبار التلفزيونية جزءاً آخر من هذه القصة المأساوية، فقد لعبت دوراً في نشر «ظاهرة ترامب»، وبالطبع كان المرشح يوفر التسلية ويزيد معدلات المشاهدة، وعندما قاطع ترامب قناة «فوكس»، ظهرت «سي إن إن». ومع بدء العد التنازلي، لهثت الشبكات الإخبارية وراء تجمعاته وحشوده وغطتها، وسمحت له، مع شبكات أخرى، بحضور برامجها الحوارية، واستضافت المتحدثين باسمه بصفتهم «محللين ومعلقين»، ومنحت ترامب تغطية إعلامية مجانية غير مسبوقة.
وكي نكون منصفين، أعرب المراقبون المعتادون عن قلقهم الروتيني بشأن الإساءات الكثيرة لترامب، مشيرين إلى أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى فوزه في الانتخابات التمهيدية، لكن لأنه كان يتلاعب بهم مثل أداة موسيقية، فإن كل الانتقادات كانت أكثر من مجرد تغطية إعلامية مجانية للمايسترو.
ونحن الآن في الفترة التي تفصل المؤتمرين الحزبيين عن عيد العمال، وعندما ندخل المرحلة النهائية من هذه المنافسة المقلقة بشكل كبير، فإن الدينامكيات المزعجة ذاتها ستبقى موجودة، وسيرتكب ترامب مزيداً من الحماقات اليومية، وسيواصل قادة الحزب «الجمهوري» التصرف كما لو أنهم مندهشون، وينأون بأنفسهم وسيصبحون مدافعين ويحاولون تفسير الأمر بصورة غير قابلة للتوضيح.
ومرة أخرى سيعلن المعلقون أن ترامب «ولد ميتاً»، ويستشهدون بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، التي تتراوح بين 4 و11 نقطة. وفي الوقت ذاته ستستضيف الشبكات التلفزيونية الإخبارية مناظرات لا نهاية لها، بين المدافعين عن ترامب والمنتقدين له، ليتجادلوا دون هدف بشأن ما إذا كان يشجع حقاً الأميركيين الذين يمتلكون سلاحاً على اغتيال منافسته، أو ماذا قصد تحديداً بقوله «إن باراك حسين أوباما هو مؤسس تنظيم داعش»؟ وفي نهاية المطاف لن يحدث ذلك إلا مزيداً من الجلبة من حول ترامب وتغطية إعلامية مجانية له.
وبينما يحدث ذلك كله، أنظر إلى وجوه الحشود الموجودة في مؤتمرات ترامب، وأسأل «من هؤلاء؟»، و«كيف يحدث ذلك؟»، فالمشكلة ليست ترامب، وإنما هي ما أصبحنا نطلق عليه مصطلح «الترامبية»، وهؤلاء الحشود هم مواطنون أميركيون تجاهلنا غضبهم ومخاوفهم.
جيمس زغبي
نقلا عن الاتحاد