أعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومستشاروه المقربون، قائمة بأسماء أشخاص من فئات مختلفة الانحدارات الوظيفية والعرقية والمذهبية، بمن فيهم عسكريون كبار، متهمون «بالخيانة العظمى أو بالتقصير في واجبهم» في المعركة التي فقدت فيها حكومة نوري المالكي السابقة سيطرتها على نحو نصف مساحة العراق لصالح تنظيم الدولة الإسلامية في حزيران/يونيو الماضي، وخاصة خسارة ثاني أكبر مدينة عراقية بعد بغداد وهي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وتكريت مركز محافظة صلاح الدين، إضافة إلى العديد من المدن المهمة في هاتين المحافظتين وفي محافظة الأنبار.
إلا أن التهمة الموجهة للضباط الكبار لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، فهم متهمون أو متواطئون مع مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري العبادي، والذي حله رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي بعد أيام قليلة من تسلمه لمنصبه في رسالة ذات مغزى، من أنه يريد إدارة ملف القوات المسلحة بطريقة مختلفة عن سلفه.
وأعقب قراره آنف الذكر بالكشف عن «الجنود الفضائيين» أي الوهميين الذين يتقاضون رواتب من دون أن يكون لهم وجود فعلي في المؤسسة العسكرية، بعبارة أخرى أن تلك الرواتب كانت تذهب لجيوب القطط السمان على حد وصف الصحافة المصرية لحالات الفساد في سبعينات القرن الماضي.
وفي القائمة التي أصدرها العبادي، موظفون مدنيون متهمون بالفساد المالي والإداري.
ولاحظ المراقبون أن من بين الممنوعون من السفر أحمد المالكي النجل الأكبر لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، المتهم بتهريب مبالغ تقدر بعدة مليارات من الدولارات إلى الخارج، تم ضبط جزء منها في قبو في بيروت أثناء وجود أحمد المالكي في القبو. وقيل يومها إن أحمد المالكي تم التحفظ عليه أو توقيفه على ذمة التحقيق، لكن أباه الذي أصبح يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وبصورة فجائية ظهر في بيروت تحت لافتة إجراء مشاورات مع حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني.
ولكن تقارير صحافية من أوساط مقربة من الدوائر المتنفذة في العاصمة اللبنانية، قالت إن نوري المالكي جاء على عجل في محاولة لغلق القضية التي تم توقيف نجله على خلفيتها، إلا أن محاميا لبنانيا رفع دعوى قضائية تطالب بسوق المالكي الأب إلى القضاء اللبناني لدوره في حادث تفجير السفارة العراقية في بيروت، والذي حصل يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 1981، عندما كان المالكي مسؤولا عن المكتب العسكري في حزب الدعوة، وكان يومها مقيما في دمشق وينسق خطواته مع المخابرات السورية بالكامل، ويستخدم في تحركاته الطريق العسكري الذي تستخدمه القوات السورية التي كانت موجودة في لبنان في ذلك الوقت.
وأدت تلك العملية إلى مقتل السفير العراقي عبد الرزاق محمد لفتة والمستشار الصحافي حارث طاقة، والسيدة بلقيس الراوي عقيلة الشاعر نزار قباني التي كانت تعمل في السفارة، وعدد من العاملين اللبنانيين الذين استند المحامي إلى توكيل ذويهم في الملاحقة القضائية للجناة، وفي مقدمتهم جواد المالكي أو الحاج أبو إسراء وهو نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بشحمه ودمه.
ولم يمكث نوري المالكي بعد التلويح بالدعوى في بيروت طويلا، وقال مقربون منه إنه حصل على ضمانات من حزب الله لاستخدام نفوذه المعطِل في حماية أحمد المالكي وإطلاق سراحه بصمت ومن دون إثارة ضجة سياسية أو قضائية، في ظرف كان لبنان يعيش أزمات سياسية متلاحقة وبعضها ذو طابع قضائي وأمني، وهذا ما حصل فعلا، إذ عاد أحمد المالكي إلى بغداد خلسة، إلى أن فضح أمر العبادي بمنعه من السفر تلك العودة.
لكن أوساطا سياسية وبرلمانية وخاصة من لجنة النزاهة البرلمانية وهيئة النزاهة، بدأت تطرح تساؤلات جدية عن قدرة الحكومة على تنفيذ قرار المنع من السفر، لاسيما وأن الحدود مع إيران مشرعّة أو مستباحة ليس أمام الأفراد وإنما أمام الدبابات والآليات الإيرانية التي تروح وتجيء من دون أدنى إجراءات رسمية.
كما أنهم يسألون بالدرجة نفسها من القوة عن أسباب ترك الحيتان الكبيرة تسرح وتسبح في بحار الفساد وتواصل إشغال أعلى المناصب في الدولة، وتلاحق الموظفين الصغار فقط، لكن مسؤولا أمنيا يقول إن العبادي كمن يسير في حقل ألغام ولا يستطيع فتح أكثر من جبهة لنفسه، ولهذا فهو يذهب إلى خطة قتل الشجرة بالتدريج بعد قطع سيقانها الصغيرة حتى تذبل وتموت من تلقاء نفسها، ولهذا يعتقد أكثر من مسؤول في فريق العبادي أنه لن يدخل في مواجهة مباشرة مع المالكي لا سياسية ولا قضائية، إلا بعد أن يعزله عن أنصاره وهذا كما يقول مطلعون على طبيعة التحالفات السياسية القائمة يحتاج إلى وقت طويل خاصة وأن المالكي يحظى بدعم إيراني مفتوح.
أما العسكريون المطلوبون أمام لجان التحقيق البرلمانية المشكلة للتحقيق في هزيمة الموصل، فهم أيضا جزء من معادلة التوازنات التي توفر مظلات الحماية السياسية والقانونية وتمنع عنهم المساءلة، ليس لأنهم أبرياء وإنما لأنهم مدعومون من كتل قوية.
د.نزار السامرائي
القدس العربي