تبقى الأوضاع هادئة على الحدود بين إسرائيل و «حماس» ، بعد مرور عامين على الجولة الأخيرة من الصراع المسلح بينهما؛ إلا أن غزة تشبه برميل بارود يهدد بالانفجار. ولهذا السبب، بالإضافة إلى وجود خيارات سياسية للحد بشكل كبير من مخاطر التصعيد، تستحق غزة المزيد من الاهتمام الدولي فضلاً عن أولوية دولية أكبر.
ومنذ تولي «حماس» الإسلامية السيطرة على غزة في انقلاب عنيف في عام 2007، شهد القطاع تدهوراً مستمراً وانعدام الاستقرار. فقد تسببت «حماس» في نفور جيرانها، وتحدت هيئة الرئاسة الفلسطينية المعترف بها دولياً – السلطة الفلسطينية – وعزلت نفسها إقليمياً ودولياً، واستفزّت إسرائيل بإطلاقها الصواريخ باستمرار، الأمر الذي أدى إلى خوض ثلاث جولات من الصراع المسلح. وطوال هذه المدة أعطت «حماس» الأولوية لبناء قوتها العسكرية وفضلتها على رفاهية مواطنيها – حيث وفقاً لبعض التقارير تنفق الحركة 20 في المائة من ميزانيتها على التوسع العسكري [والتصنيع الحربي] الذي يشمل الصواريخ، وحفر الأنفاق الهجومية عبر الحدود. والنتيجة هي أن اقتصاد غزة أصبح في حالة يرثى لها، وبنيتها التحتية آخذة في الانهيار. وعلى الرغم من الجهود الدولية لإعادة إعمار القطاع إلا أن هذه الجهود بطيئة وغير كافية.
وتشكل معالجة هذه العلل تحدياً لعدة أسباب. فالأموال الدولية تعاني من العجز، والسلطة الفلسطينية غير مستعدة للعب دور نشط في غزة، ومصر تعتبر معادية بشدة لـ «حماس» في حين تقلق إسرائيل من النوايا العدوانية للحركة. بالإضافة إلى ذلك، تُحوّل «حماس» بعض مواد الإعمار الإنسانية نحو احتياجاتها العسكرية الخاصة، وفي السنوات الأخيرة بدأ جناحها العسكري المتطرف يتعاون مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء وكذلك مع إيران.
وفي هذه المرحلة ليس لدى «حماس» ولا إسرائيل مصلحة في خوض جولة عسكرية أخرى، ولكن الإسرائيليين يعتبرون أن إثارة احتدام آخر من قبل «حماس» هو مسألة متى وليس إذا. وقد تفضل إسرائيل استخدام اسلوب الردع الكبير الذي أحرزته خلال “عملية الحافة الواقية” عام 2014 كأساس لترتيب [اتفاق] لوقف إطلاق النار طويل الأمد، والذي يمكن أن يتضمن مشاريع لإعادة الإعمار بعيدة المدى إلى جانب ترتيبات أمنية مشددة. ومع ذلك، واجهت مبادرات التوفيق بين توقعات الطرفين صعوبات عديدة.
وفي الواقع، إن “الأدوات السياسية” لمعالجة العلل الأساسية في قطاع غزة محدودة للأسف. وفي المستقبل القريب، من غير المرجح أن يتغير رفض «حماس» الأيديولوجي [لوجود] إسرائيل، وهو الأمر بالنسبة للمصالحة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية،فضلاً عن تردد السلطة الفلسطينية في إشراك نفسها في غزة، وعداء مصر لـ «حماس».
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يمكن تحسين العديد من “الأدوات الاقتصادية” القائمة بشكل فعال وسريع بالإضافة إلى تعزيزها أيضاً؛ فمن شأن هذه “الأدوات” أن تساعد على إعادة تأهيل البنى التحتية المنهارة في غزة وتحسين اقتصادها، وذلك من أجل التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية وتقليل فرص انلاع حرب أخرى. وتشمل هذه التدابير إنشاء محطة جديدة للطاقة الكهربائية وإعادة محطة توليد الكهرباء الحالية في غزة إلى كامل طاقتها؛ وترميم نظام نقل الكهرباء في غزة وزيادة إمدادات الطاقة الإسرائيلية إلى القطاع وتحسين إمكانيات الارتقاء بمستواها؛ وزيادة إمدادات المياه من إسرائيل إلى غزة، وإنشاء محطة لتحلية المياه وإصلاح نظام نقل المياه في القطاع؛ وتفعيل محطة مياه الصرف الصحي القائمة في شمال غزة وإعادة بناء محطة أخرى في وسط القطاع. إن اتفاق المصالحة الأخيرة بين إسرائيل وتركيا والذي يشمل غلاف أمني متفق عليه يوفر أدوات اقتصادية وسياسية إضافية للتعامل مع مشاكل غزة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي الإسراع في إعادة بناء المساكن وتعزيز اقتصاد القطاع من خلال زيادة الصادرات، الأمر الذي يسمح للمزيد من عمال غزة بدخول إسرائيل، كما يجب إيجاد حل دائم لرواتب الموظفين المدنيين في القطاع العام.
يتعيّن على الإدارة الأمريكية المقبلة – المدعومة بتأييد اوروبي نشط – تحديد أولويات الحلول الإنسانية والاقتصادية الأساسية لقطاع غزة، وحشد الأموال اللازمة وخلق السياق السياسي لهذه الحلول من خلال تعزير قيام هدنة طويلة الأمد، تشمل منح دَوْر نشط للسلطة الفلسطينية في القطاع. ومن شأن هذا الترتيب أن يربط «حماس» بإطار زمني أوسع نطاقاً ويُدخل قدر من الاستقرار قد يسهل تطوير المزيد من إمكانيات الارتقاء بمستوى إعادة الإعمار في غزة، بما في ذلك إقامة ميناء مع ترتيبات أمنية مناسبة. وإذا ما انتهكت «حماس» مثل هذا الاتفاق فسوف تخسر أكثر مما خسرته حتى الآن.
ونظراً لطبيعة «حماس»، فإن سيطرتها على غزة تمثل تحدياً عالقاً للإحتمالات الطويلة الأمد للتوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي هي قاتمة على أي حال في الوقت الحالي. وحيث تنظر «حماس» نحو قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة ما بعد عباس فمن الضروري تحسين اقتصاد غزة وبنيتها التحتية دون منح الشرعية لـ «حماس» على حساب السلطة الفلسطينية، طالما ترفض الحركة نبذ العنف والقبول بحل سياسي يعترف بإسرائيل. لقد حان الوقت لأن تعمل جميع الأطراف الدولية والاقليمية الكبرى بجد أكبر لتخفيف الضغط في غزة والحد من مخاطر اندلاع حرب عنيفة أخرى.
مايكل هيرتسوغ
معهد واشنطن