احتفلت الحكومة الأميركية الاتحادية بعودتها إلى البرج الأول في مركز التجارة العالمي بعد مرور 15 عاما على هجمات 11 سبتمبر وسط أجواء من القلق، فالحرب على الإرهاب التي شنّتها الولايات المتحدة على خلفية هذه الاعتداءات لم تقض عليه بل زادت من خطره، وإذا كانت أحداث 11 سبتمبر حولت مركز التجارة العالمي إلى ركام فإن الحرب الأميركية على الإرهاب حولت مدنا بأكملها إلى ركام.
وكرة لهيب الإرهاب التي تكبر في العالم مستمدة “شرعيتها” مما يجري في منطقة الشرق الأوسط طالت شرارتها أميركا وإن كان بشكل أقل بكثير من أحداث 11 سبتمبر، لكنها ألحقت أذى بالغا وأضعفت معنويات الرأي العام، حيث كشف استطلاع للرأي أن 40 بالمئة من الأميركيين يعتقدون أن “الإرهابيين لديهم قدرات أكبر مما في سبتمبر 2001 على شن هجوم جديد وكبير على الولايات المتحدة”.
ويرجح نصف الأميركيين وقوع هجمات بالولايات المتحدة في ذكرى الـ11 من سبتمبر، مقارنة بـ 39 بالمئة فقط ممن اعتقدوا ذلك عام 2011.
وقالت تمارا هوفمان ويتس، مديرة الأبحاث في معهد بروكنيغز، في إنه “بعد 15 عاما على 11 سبتمبر، يبدو واضحا أنّ الحروب في الشرق الأوسط وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية والتشدد والاعتداءات في أوروبا وأميركا تمنع كلها دفن فكرة الحرب العالمية على الإرهاب”.
ففي الواقع، ما زالت القوة العظمى الأولى في العالم تشارك عسكريا بشكل محدود أو بدعم لوجيستي في عدد من الجبهات: في سوريا والعراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفي أفغانستان وليبيا واليمن والصومال ونيجيريا في مواجهة مجموعة من حركات التمرد الإسلامية.
وقال حـسين أيبش، الباحث في معهد دول الخـليج العـربية في واشنـطن، إن أوبـاما يعـتقد أنه يجب تجنب الحروب الكـبيرة التي تـؤدي إلى تـفاقم الأزمـات. وبالـعـكس، أدخل الرئـيس الأمــيركي باراك أوباما، قـائد الجـيوش الأمـيركية الديـمقـراطي، عـــسكرييه في عصر جـديد هو عـصر الطـائرات بلا طيار والقــوات الخـاصة وتــأهيل جـيوش مـحلية.
وكانت كلفة هذه السياسية محدودة بعد مقتل 5300 جندي أميركي وجرح خمسين ألفا آخرين وإنفاق 1600 مليار دولار بين 2001 و2014 في العراق وأفغانستان، حسب الكونغرس. لكن أيبش يرى أن “هذا الاستخدام المحدود للموارد” العسكرية يشبه “حربا لا تتوقف”.
واعتبر حسين أيبش أن الأمر “أكثر من حرب دائمة لأن الموارد العسكرية المحدودة لا يمكن أن تغير شيئا من حالة عدم الاستقرار” في النزاعات الإقليمية، مشيرا إلى أن إدارة أوباما “قبلت بأن تكون الفوضى الحالية غير قابلة للحل”.
وأوباما، الذي يحكم منذ يناير 2009، رفض كل نزعة تدخلية عسكرية في الحروب في العالم العربي وحاول مصالحة أميركا مع البلدان الإسلامية، لكنه يترك، وهو على مشارف مغادرة البيت الأبيض، الولايات المتحدة في حالة نزاع متواصل مع الإرهاب الإسلامي.
ويمكن الاستدلال على ذلك بالمأساة السورية، التي يبدو من خلال وقائعها أن لا حل دائما يلوح في الأفق على الرغم من التدخلات العسكرية والدبلوماسية لروسيا والولايات المتحدة الأميركية.
من جهتها، قالت الباحثة في العلوم السياسية في باريس إيمي غرين إنه لم يحدث هجوم على الأرض الأميركية مثل اعتداءات 11 سبتمبر التي أودت بحياة حوالي ثلاثة آلاف شخص. لكن كل هذا لا يغيّر من واقع أن واشنطن تخشى اعتداءات بدائية قد يرتكبها إسلاميون محليون مثل الهجوم الذي ارتكبه أميركي من أصل أفغاني على ناد للمثليين في فلوريدا وأسفر عن سقوط 49 قتيلا، والهجوم الذي نفذه أميركي من أصل باكستاني وزوجته في كاليفورنيا مخلفا 14 قتيلا.
وفي مواجهة هذا التهديد، أقامت السلطات الأميركية شبكة مراقبة واستخبارات واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد ارتفعت ميزانية وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) ووكالة الأمن القومي، بمقدار الضعف تقريبا.
وفجرت مجموعة من الجهاديين في 11 سبتمبر طائرات في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وفي مقر وزارة الدفاع الأميركية في واشنطن وفي ولاية بنسلفانيا، وقد تبنّى الهجوم تنظيم القاعدة. وبمناسبة الذكرى الـ15 لهذه الأحداث هدد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في شريط فيديو نشرته حسابات تابعة للتنظيم الجهادي على مواقع التواصل الاجتماعي، الولايات المتحدة بتكرار أحداث 11 سبتمبر “آلاف المرات”.
لكن، يقلل مراقبون من هذا التهديد، مشيرين إلى أن هذا الشريط يدخل في سياق حرب الزعامة بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة الذي عرف انحسارا كبيرا، خصوصا بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن على يد الأميركيين، الذين صنعوا تنظيمات الإرهاب لتفكيك الاتحاد السوفيتي فنالوا نصيبهم من الشر.
ويستدل المراقبون على ذلك بتصريح مدير الـ”سي آي إيه” جيمس كومي قال فيه إنه “التهديد الذي سيهيمن في السنوات الخمس المقبلة سيكون تأثير سحق الخلافة” التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية.