القانون الذي صدر في الولايات المتحدة أواخر شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وسمي بقانون: «العدالة ضد رعاة الإرهاب» ليس فيه من العدالة إلا اسمه، إذ هو قانون ضد العدالة، بل هو قانون ابتزاز، موجه لدولة بعينها هي السعودية، تفتقت عنه أذهان جماعة الضغط المتنفذة في الكونغرس الأميركي، وأعني بذلك الصهاينة وأعوانهم الذين دأبوا على جر الولايات المتحدة إلى حروب ومواجهات وعداء مع العالم العربي، من أجل أن تتفرد إسرائيل بتحالفها مع الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وكذلك مكاتب المحاماة الذين سال لعابهم على ما يمكن أن يحققوه من أموال جرّاء هذا الابتزاز.
وأود هنا أن أبين أن اثنين من الأربعة الذين تبنوا هذا القانون ودفعوا به في مجلسي الشيوخ والنواب هم من الصهاينة من ولاية نيويورك، يتزعمهم السناتور شومر الذي قدم المشروع في مجلس الشيوخ، وتاريخه في الكونغرس الأميركي يشهد على تميّزه في التأييد المطلق لإسرائيل، ومن الداعمين للحرب على العراق، والداعمين للعقوبات على السودان، والداعين لخنق قطاع غزة اقتصادياً، والآخر هو جيرالد ندلر أحد المقدمين للمشروع في مجلس النواب من المهتمين والداعمين لإسرائيل واليهود المهاجرين من البلاد العربية.
التعريف بخلفية من عمل على إصدار هذا القانون تبيّن الأهداف الشريرة وراء إصداره، وبالطبع فقد سبقته حملات مكثفة وحتى أفلام سربت عن المملكة، وتقارير في الصحافة والإعلام، وتحقيقات في الكونغرس تنبئ عن مقاصد خبيثة ضد السعودية، كان هناك تحضير للرأي العام الأميركي والعالمي لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود، وإضعاف التحالف القائم بين المملكة والولايات المتحدة.
قلت في مقالتي في هذه الصحيفة في الـ29 من سبتمبر: «إن الإعلام العربي مطالب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، أن يتصدى لهذا الظلم، ولست مع المهادنة والخنوع للصهاينة وأتباعهم، بل يجب التوجه للشعب الأميركي مباشرة، وإظهار ما يقوم به الأخطبوط الصهيوني، من إذكاء للعداء بين العرب والمسلمين والشعب الأميركي»، من تجربتي خلال السنين التي قضيتها في الولايات المتحدة أجد أن في الولايات المتحدة شعباً كريماً يحب العدل ويكره الظلم، ولكن الحقيقة مغيبة عنه، هو شعب يضلله إعلامه وحكامه، وأرى أنه عندما يعرف الحقيقة فلن يقبل بالظلم على الآخرين، ولن يجد هؤلاء الضلاليون مكاناً لهم في مواقع صنع القرار، يجب أن نعترف أننا نتحمل قسطاً كبيراً من الخطأ في عدم خدمة قضايانا العادلة، والوصول بالحقائق للشعب الأميركي، تعودنا الحديث والشكوى لأنفسنا وهو غير مجدٍ البتة، وليس لمصلحتنا – كما يدعو البعض – مقاطعة الولايات المتحدة وترك المجال لأعدائنا التفرد بهذا البلد المهم.
هناك معلومات كثيرة عن هؤلاء الأعداء، ومواقفهم من سجلهم في الكونغرس، وكذبهم على الشعب وادعائهم الدفاع عن المتضررين من أحداث الـ11 من سبتمبر، لا بد من كشف سجلهم الذي يبين أنهم في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وأن إيصال تلك الرسالة إلى المجتمع الأميركي، وبوسائل الاتصال الإعلامية المؤثرة، سيكون له الأثر الفعال، في التعريف بما سببوه من مصائب للشعب العربي في العراق، وللشعب الأميركي نفسه بتضليلهم وكذبهم وسيطرتهم على مفاصل القرار في المجتمع الأميركي. الوقت مناسب جداً، إذ انحدرت ثقة الشعب الأميركي في وسائل إعلامه المسيطر عليها من هؤلاء، إلى درجة متدنية في آخر استطلاع للرأي.
ولنأخذ مثالاً على عدم المسؤولية في الكيفية التي تم بها إصدار هذا القانون، عندما يعلن 28 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أنهم صوتوا على قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، ولم يحسبوا النتائج التي تترتب على إصداره والعمل به بالنسبة لبلادهم، وهم من صوت عليه أولاً، وأرسله للرئيس للموافقة، وصوتوا ضد قرار وتحذير رئيسهم ووزير دفاعهم، ورئيس أركان جيشهم، ورئيس استخباراتهم، وحلفائهم الأوربيين، الذين حذروا من مغبة ذلك القانون على السلم والأمن العالمي، كونه يتعارض مع القانون الدولي، ويسقط الحصانة السيادية عن الدول، لقد صدق المتحدث باسم البيت الأبيض عندما وصفهم بطلاب في المرحلة الابتدائية.
من قادهم لذلك القرار الخاطئ؟ وما الضغوط التي مورست عليهم؟ وممن؟ لقد اختاروا التوقيت الأفضل لطرح القانون، فالرئيس في أواخر أيامه وأضعفها في البيت الأبيض، وانتخابات أعضاء الكونغرس على الأبواب، والكل يطمح في البقاء في منصبه، كانوا يعرفون ما يعملون وما يخدم سيدتهم إسرائيل.
لقد ارتكب الكونغرس الأميركي بإصدار هذا القانون أخطاء جسيمة، ليست لمصلحة الولايات المتحدة نفسها، لذا يجب أن تبين لذلك الشعب المختطف والمضلل منهم أولئك الذين كانوا وراء إصدار ذلك القانون، ولمصلحة من كانوا يعملون! وتبيان المضار التي يسببها ذلك القانون للولايات المتحدة نفسها، وللنظام الدولي بصفة عامة ومنها ما يلي:
أولاً: إضعاف صدقية الولايات المتحدة التي وضعت على المحك بإصدار مثل هذا التشريع، كيف للدول أن ترى في أميركا حليفاً يوثق به؟ صدقية الدول من الأمور التي تعتبر من ركائز العلاقات بين الدول، وليس لمصلحة أية دولة أن تفقد ثقة العالم بها.
ثانياً: الضرر الذي سيطاول أميركا نفسها، هي من ستكون أكبر المتضررين بمثل هذا القانون، فهي الأكثر تدخلاً وحروباً في العالم، وجيوشها وقواعدها منتشرة حول العالم، ومن أكبر الدول التي تملك استثمارات وشركات عابرة للقارات في العديد من الدول، وهناك الجرائم التي ارتكبت في أفغانستان والعراق، والإمداد العسكري لإسرائيل بالأسلحة الفتاكة ضد شعب أعزل وتدمير غزة بالأسلحة الأميركية، وحرب فيتنام، والقائمة تطول. لن تقف الدول مكتوفة الأيدي عن تشريع قوانين مماثلة، ترفع بموجبها الحصانة السيادية، وتحاكم أميركا أو مواطنيها بموجب تلك القوانين.
ثالثاً: هذا القانون سينال من ثقة المستثمرين بالسوق المالية الأميركية، ويكون له تداعيات على استثمار الأموال في سندات الخزانة الأميركية، وغيرها من أدوات الاستثمار المالي في تلك السوق.
رابعاً: عدم وجود قضية أصلاً ضد الدولة المستهدفة بهذا القانون، يمكن إثباتها في محكمة نزيهة – ونعتقد بنزاهة القضاء في أميركا – ضد حليف أثبت خلال عقود صدقيته وعلاقاته المميزة مع الولايات المتحدة، وأنه شريك في محاربة الإرهاب، وكذلك صديق في التخفيف من تأثير أسعار النفط، في فترات كانت أميركا تستورد كميات كبيرة من السوق العالمية، وهي السعودية البلد الذي تعرض للإرهاب عشرات المرات، الذي قُصد بإصدار ذلك القانون ابتزازه. وهذا لا يعني أن نعتمد فقط على نزاهتنا ومعرفتنا بسلامة موقفنا، بل يجب على المملكة أن تأخذ كل الاحتياطات وتعد للمعركة، والتعامل مع هذا الأمر بكل احترافية قانونية لدحر هؤلاء الأعداء، والله ناصرنا عليهم إن شاء الله.
خامساً: هل يقبل الشعب الأميركي أن يكون في موقع المبتز لحلفائه، خبراء القانون الدولي وكل من له بصيرة يرون أن هذا القانون لا يمكن وصفه بقانون عدالة، بعد ثبوت قطعية عدم مسؤولية الدولة المعنية به بما حدث، لذا فهو قانون ابتزاز، كيف لدولة تحسب نفسها مهداً للعدل والقانون والحرية، أن يُصدر مشرعوها قانوناً يكون هدفه الابتزاز؟
أليس في كل ذلك تقليل من شأن تلك الدولة الكبرى، وقيادتها نحو الانحدار، وفقدها لصدقيتها أمام حلفائها، والتحول بها من منزلة الدولة المتحضرة الراعية للعدل والقيم العليا إلى دولة استكبار وتجبر وابتزاز، وإضعافها بأن تكون سوقاً جاذبةً للاستثمار. إن مثل هذا القانون ينحرف بالولايات المتحدة عن رعايتها وتبنيها للقيم الإنسانية السامية في العدل والحفاظ على الأمن والسلام العالمي، إنهم الصهاينة الذين كانوا وراء تدمير العراق، وإشعال المنطقة العربية بالفتن والحروب، ولا هم لهم إلا جر هذا البلد العظيم إلى كل ما يخدم أغراضهم الدنيئة، غير عابئين بما يحدثونه من خراب وضرر لوطنهم وعلاقته بالعرب والمسلمين، فهم دوماً يرون أن إسرائيل تأتي أولاً.
عبدالرحمن بن أحمد الجعفري
صحيفة الحياة اللندنية